بقي خمس سنوات لتنتهي معاناة طلاب الجامعة الاميركية في القاهرة، وهم يراوغون السيارات المزدحمة وسط القاهرة المتناحرة ليعبروا الشارع من مبنى الى آخر بين حصة دراسية واخرى. فالجامعة الاميركية منذ تأسيسها عام 1919، اخذت تتمدد من مبناها التاريخي في ميدان التحرير، حتى وصلت فصولها الدراسية لطلاب شهادتي البكالوريوس والماجستير الى خمسة مبان متاخمة للمبنى الرئيسي، إضافة الى مبنيين ضخمين في حي الزمالك ومصر الجديدة، وعدد آخر من الوحدات السكنية لأساتذتها. وأصبح من المشاهد المألوفة رؤية طلاب الجامعة وطالباتها يركضون بكتبهم الدراسية مخترقين الشوارع المختنقة بالسيارات والمارة، معرضين حياتهم للخطر. اضف الى ذلك ارتفاع نسبة التلوث المطردة، وتقلص المساحات المتاحة لممارسة الطلاب الرياضات والنشاطات المختلفة، وذلك تحت ضغط ضيق المكان. واضطرت ادارة الجامعة الى التفكير في توحيد مباني الجامعة مع اتاحة الفرصة للتوسع في الملاعب الرياضية، وأماكن مخصصة للسيارات، لا سيما وان ركنها اقرب الى الكابوس في وسط القاهرة. وجاءت مدينة القاهرة الجديدة في صحراء شرق القاهرة لتقدم الحل السحري: مساحات شاسعة من الارض، وتخطيط حديث للمدن، ونسبة منخفضة جداً من التلوث. والخطوة الفعلية الاولى على طريق تحرير طلاب الجامعة من ازدحام شوارع وسط القاهرة شهدتها قرينة الرئىس المصري السيدة سوزان مبارك قبل ايام، اذ عرضت الرسوم والتصميمات الاولية للمبنى الجديد الذي تبلغ مساحته مليوني متر مربع، وتقدر كلفته بنحو 250 مليون دولار اميركي. وكانت الجامعة اعلنت عن حاجتها الى مبلغ مئة مليون دولار اميركي، وتمكنت من جمع تبرعات تقدر بنحو 50 مليون دولار، نصفها من اميركيين والنصف الآخر من عرب من جنسيات مختلفة، وذلك من دون الحاجة الى طلب دعم من الحكومة الاميركية. وقبل أيام تبرع الأمير الوليد بن طلال بمبلغ عشرة ملايين دولار لتمويل انشاء مبنى العلوم الانسانية والاجتماعية، ولتأسيس مركز للدراسات والأبحاث الأميركية. ويقول الرئىس الفخري للجامعة الدكتور جون غيرهارت - التقته "الحياة" في لندن - ان المتبرعين بمختلف جنسياتهم يؤمنون بأن مصر تؤدي دوراً ريادياً في المنطقة، كما انهم مقتنعون بأهمية وجود جامعة في العالم العربي تدرس الآداب والعلوم الاجتماعية على أعلى المستوىات. وإضافة الى المنفعة العامة، فهناك فائدة شخصية يحققها المتبرع. يقول غيرهارت ان اسماء المتبرعين الكبار تطلق على مبان وقاعات ومنح دراسية لتخليد عملهم. ويضيف: "هناك من تبرع ل"كرسي استاذية" في ادارة الاعمال والفلسفة والعلوم السياسية ودراسة الاديان المقارنة. وحالياً نبحث عمن يتبرع ل"كرسي استاذية" في الفنون الاسلامية وعلم الأحياء". ويعدد غيرهارت محاسن المبنى الجديد، وابرزها مبان متكاملة، ومساحات خضراء، وملاعب، وحمامات سباحة، وقاعات رياضة، وأماكن ركن سيارات، وغيرها من المميزات التي تلمح الى زيادة في تكاليف الجامعة التي يعاني كثيرون - لا سيما من المصريين - من ارتفاع اقساطها في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة. لكن غيرهارت يقول: "تكاليف الجامعة تزداد سنوياً بنسبة اثنين في المئة، وهي ليست زيادة كبيرة. ما يدعو للقلق حالياً هو تعويم الجنيه المصري، والزيادة المتوقعة في سعر صرف الدولار، لا سيما لأولئك الذين لا يملكون مصدراً ثابتاً للعملات الاجنبية". ولا يعتبر تعويم الجنيه المصري التطور الوحيد الذي يتوقع ان يؤثر في الجامعة الأشهر في الشرق الاوسط. فالوضع الفلسطيني المتدهور واحتمالات تعرض العراق لضربة تقودها اميركا يضعان الجامعة في موقع حساس. غير ان غيرهارت ينفي ذلك بقوله ان "85 في المئة من طلاب الجامعة مصريون ومهتمون بالتعبير عن وطنيتهم وانتمائهم العربي. وهم بالغو السرعة في التعبير عن ذلك، سواء بالتظاهر او بجمع التبرعات للمتضررين". الا ان غيرهارت يقول: "ان طلاب الجامعة مهتمون بالوضع الفلسطيني اكثر من العراق!". وعلى عكس المتوقع، يؤكد غيرهارت ان احداث 11 ايلول سبتمبر 2001 لم تؤثر لا في رغبة الطلاب العرب في السفر الى اميركا لاتمام دراستهم الجامعية، ولا في إقبال الطلاب الاميركيين على امضاء عام من دراستهم في القاهرة. ويوضح: "لاحظنا زيادة 40 في المئة من عدد الطلاب الاميركيين الراغبين في الالتحاق بالجامعة في القاهرة. ونحن سعداء بذلك، لأن العالم العربي في حاجة الى غربيين يتحدثون لغته ويفهمون ثقافته". وعن الجانب العربي يقول غيرهارت: "ان عدد الطلاب العرب الراغبين في السفر الى اميركا لم ينخفض. فهم يرغبون في جني ثمار التعليم الاميركي، إضافة الى الافادة من تجربة السفر. ودائماً انصح الطلاب العرب الراغبين في الهجرة الى اميركا بإكمال تعليمهم الجامعي هناك، أما إذا كانوا ينوون العودة الى بلادهم، فعليهم ان يلتحقوا بالجامعة الاميركية". وماذا عن الجامعات الخاصة التي انتشرت في مصر انتشار النار في الهشيم؟ تشير ملامح غيرهارت الى ان لا وجه للمقارنة، ويقول: "يستحيل بناء مؤسسة جامعية بين ليلة وضحاها. وتبوأنا المركز المتقدم في التعليم الجامعي في العالم العربي استغرقنا 84 عاماً. ويكفي اننا ننتقي اعضاء هيئة التدريس - مصريين وأميركيين وغيرهم - بدقة متناهية. كما ان طلابنا كانوا الأفضل في المدارس الثانوية". ويؤكد غيرهارت ان الجامعة الاميركية مؤسسة تعليمية كاملة متكاملة، ولم يكن ينقصها سوى المرافق المناسبة وهو ما سيتحقق في ايلول سبتمبر عام 2008. الجامعة الأميركية في أرقام - تأسست عام 1919. - مبانيها الحالية المتناثرة مساحتها 500،109 متر مربع. - تعمل الجامعة تبعاً لبروتوكول أبرمته مع الحكومة المصرية عام 1975، يرتكز على اتفاق ثقافي بين الحكومتين المصرية والاميركية عام 1962. - عام 2001 بلغ عدد خريجي الجامعة بكالوريوس وماجستير 796 طالباً. - في العام نفسه، بلغ عدد طلاب الجامعة 3982 طالباً للحصول على البكالوريوس و749 طالب ماجستير. - أعضاء هيئة التدريس 304 أساتذة يعملون بدوام كامل، و194 استاذاً يعملون بدوام جزئي. وتبلغ نسبة الاساتذة للطلاب 1 الى 7،12. - مكتبات الجامعة تحوي نحو 500 ألف كتاب و1700 دورية و50 قاعدة معلومات.