"هيئة الأفلام" تطلق مبادرة «سينماء» لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    متوقعة جذب تدفقات قوية في المملكة.."فيتش": 1.3 تريليون ريال حجم «إدارة الأصول» في 2026    موجز    "البريد": اتفاقيات لتصنيع الطرود    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    إيران على مسافة قصيرة من العتبة النووية    العراق: انتهاء الاستعدادات لتأمين القمة العربية الشهر المقبل    في نصف نهائي كأس آسيا تحت 17 عاماً.. الأخضر يسعى للنهائي من بوابة كوريا الجنوبية    في نسختها الخامسة بالمملكة.. جدة تحتضن سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا1    في الجولة ال 28 من دوري روشن.. اختبار شرقاوي.. الاتحاد والنصر ضيفان على الفتح والقادسية    أنور يعقد قرانه    أسرة العبداللطيف تحتفي بزواج مشعل    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سهرة فنية في «أوتار الطرب»    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    الأفواج الأمنية تشارك في معرض المرور بمنطقة نجران    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    "ليلةٌ دامية" في غزة ومفقودون لا يزالون تحت الأنقاض    تدشين برنامج «سمع السعودية» لزراعة القوقعة للأطفال الفلسطينيين    قطاع الأعمال السعودي يدعم صندوق تمكين القدس    "التعليم" تستعرض 48 تجربة مميزة في مدارس الأحساء    "الملك سلمان للإغاثة" يواصل دعم المجتمعات المحتاجة    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    1.695 مليار ريال قيمة صادرات التمور السعودية عالمياً    أمين الرياض يزور مشروع المسار الرياضي    الانتهاء من مشروع الدائري في القطيف    كودو تعلن عن شراكة استراتيجية مع فريق «مهرة» السعودي المشارك في سباقات أكاديمية الفورمولا 1    ملتقى الثقافات    توصيات لمواد وألوان عمارة واحات الأحساء    الرياض أكثر مناطق المملكة في شاشات السينما    حوار إستراتيجي بين دول «الخليجي» وآسيا الوسطى    إنترميلان يتخطى بايرن ويضرب موعداً مع برشلونة بنصف نهائي «أبطال أوروبا»    أمير نجران يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة وإدارات الإمارة    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    مؤسسة تطوير دارين وتاروت تعقد اجتماعها الثاني    الرياض تستضيف كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    خمس جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه الحشيش والإمفيتامين    ما كل ممكن يسوغ    عملية قلب مفتوح لسبعيني في القصيم    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    الأرصاد: هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    تغريم 13 صيدلية 426 ألف ريال لمخالفتها نظام "رصد"    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    "القدية للاستثمار"شريك مؤسس لسباق جائزة السعودية الكبرى StC للفورمولا 1    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المنتدى الاجتماعي الثالث محطة في مأسسة مناهضة العولمة
نشر في الحياة يوم 22 - 02 - 2003

"يوم الملايين" كان الاستجابة الأولى للدعوة التي أطلقت في المنتدى الاجتماعي الثالث في بورتو أليغري، ضد الحرب، وقد فاقت تظاهرات 15 شباط فبراير الجاري في مدن العالم التوقعات، وكذبت الأفكار القائلة إن مناهضي العولمة بضعة محرضين وأن حركتهم مجرد موضة.
هنا تحقيق عن المنتدى الذي عقد في بورتو اليغري في الفترة بين 23 و28 الشهر الماضي.
سألت سيدة أرجنتينية الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا دا سيلفا خلال استقباله ممثلي اللجنة الدولية المنظمة للمنتدى الاجتماعي العالمي: "لماذا لا توقف الحرب على العراق؟ ولماذا لا تمنع الدول الفقيرة من دفع ديونها الخارجية؟ ولماذا لا تحول دون قيام منظمة التبادل التجاري الحر بين الأميركتين؟"، فأجابها بهدوء: "لو أنني استطيع القيام بكل ذلك لما ترشحت لرئاسة البرازيل بل لأكون إنساناً خارقاً". لا تكفي هذه المقولة لتسليط الضوء على ذكاء لولا كما يحلو للبرازيليين تسميته وتواضعه وواقعيته، إنما تعتبر تلخيصاً لآراء تيارين في إطار الحركة المناهضة للعولمة: تيار "راديكالي" يقدس الأفكار والقضايا الإنسانية، وآخر "عقلاني" أو "إصلاحي" كما يسميه البعض، يأخذ في الاعتبار السياسة الدولية، لكنه لا يتخلى أبداً عن القضايا التي يناضل من أجلها. والعناوين التي تجمع التيارين أكثر من أن تحصى وأعمق من أي تصنيف قد يفرقهما، أهمها على الإطلاق إيمانهما بضرورة النضال من أجل "عولمة إنسانية" لأن "عالماً آخر ممكن".
الحركة المناهضة للعولمة ليست فقط هذين التيارين الرئيسين، إنما هي نجحت منذ انطلاقتها باستيعاب مجموعة من التيارات والحركات، من اليساريين القدامى إلى الكاثوليكيين، ومن الفوضويين إلى نشطاء البيئة، وتيارات كثيرة، يغلب عليها طابع يساري بات يُعرف بيسار جديد. والجدير ذكره أن التيار الإسلامي- بكل مركباته - يغيب عن خريطة مناهضي العولمة على رغم معارضته الولايات المتحدة، ويصعب في رأي المحللين أن يجد هؤلاء الإسلاميون مكاناً لهم في هذا التيار الذي يرفض أي شكل من أشكال التطرف.
أكثر من مئة ألف مشارك من 156 دولة، و20763 مندوباً ل5715 جمعية حضروا المنتدى، وكانوا يشعرون هذا العام تحديداً أنهم "في ديارهم". فرئيس البرازيل من أبرز مساندي المنتدى منذ تأسيسه قبل عامين، وبورتو أليغري بالذات اعتادت استضافتهم. المدينة التي تعد الأكبر في جنوب البرازيل، هي عاصمة إقليم ريو غراندي دي سول، سكانها مليون ونصف المليون نسمة، وقد أُسست عام 1742، وكثرت الهجرة الأوروبية إليها في القرن التاسع عشر.
أكثر من 120 ألف زائر أحدثوا ضجيجاً كبيراً في العالم من دون أن يكسروا هدوء المدينة الممتدة على مساحة 6،508 كيلومترات مربعة، وتحتل المساحات الخضر أكثر من نصفها.
مأسسة الاعتراض
العام الماضي دعت اللجنة المنظمة إلى إقامة منتديات إقليمية في العالم من أجل نقل المنتدى من صيغة الاحتفال إلى العمل السياسي. هذا العام كرست الدعوة، وتمت في بعض الورشات دراسة وعرض تجارب المنتديات الإقليمية والظروف التي سيطرت عليها ونتائجها، وكانت الدعوة إلى إقامة منتديات حول مواضيع معينة. وتوزع خلال المنتدى باحثون متخصصون في 20 ورشة عمل. ورافقت المنتدى في بورتو أليغري نفسها منتديات أخرى كالمنتدى العالمي للبرلمانيين والمنتدى العالمي التربوي. وهذه تهدف في شكل رئيس إلى ربط الحركات الاجتماعية والمجتمعات المدنية بحركة هذا التيار، انطلاقاً من فكرة مؤداها أن للعملية التربوية دوراً رئيساً في مناهضة السياسات العالمية. "تربية الفرد ليكون مواطناً فاعلاً، صاحب نظرة نقدية تجاه ما يحصل في العالم الذي يسيطر على مشروع واحد نيوليبرالي". وفي هذا الإطار كانت فكرة "مدرسة المواطنية" من الاقتراحات العملية، مدرسة تنشئها الدولة وتعمل برقابة المجتمع، وتقوم مناهجها على تدريس التنوع الثقافي والتفاعل، إضافة إلى مطالب تربوية، أبرزها تأمين التعليم للجميع على أن يكون ذا بعد اجتماعي ومستوى جيد، وتأمين البنية التحتية للتربية التكنولوجية في إطار عملية التعليم.
المنتدى الاجتماعي كان أيضاً فسحة للتذكير بأن قضايا العالم أكثر من أن تحصى، فمن المشاهد التي كانت تتكرر يومياً رؤية لافتات متنوعة تتزاحم عند درج "المبنى 40" من الجامعة الكاثوليكية، وأعلام دول ومنظمات: من فلسطين والعراق والأرجنتين، ومنظمات مساندة للمرأة وأخرى من أجل حقوق الأقليات، وثالثة للدفاع عن الحريات الإعلامية وحق كل فرد في الغذاء والدواء، ورابعة، وخامسة....، وأعداد لا تحصى من المطالب يشعر المرء وهو يتابعها بنوع من اليأس والعجز والحزن والقهر. عالمنا يتخبط بالمشكلات بصورة تفوق قدرة المرء على الاستيعاب، والمسبب في رأي المشاركين في المنتدى واحد، إنه بوش رئيس الولايات المتحدة ومعه كل من سبقه إلى إرساء السياسة النيوليبرالية، ومعه أيضاً أرباب الشركات المتعددة الجنسية المهيمنة على مقدرات الشعوب. لذا كان إعلان المنتدى "الحرب على الحرب" رفضاً لكل الحجج الأميركية للحرب على العراق. وفي إحدى ورشات العمل حول سياسات الشركات العابرة للقارات وهيمنتها لفت محاضرون إلى غياب أي نص قانوني دولي يسمح بتقصي الحقائق حول ما ترتكبه هذه الشركات من انتهاكات لحقوق الإنسان. غياب هذا النص لا يتماشى مع اتساع نفوذ هذه الشركات عالمياً.
الأساليب المعتمدة في التجارة العالمية تنتهك أيضاً حقوق الإنسان، والمحاضرات في بورتو أليغري سمحت بالاطلاع بالوثائق والأرقام على مدى اتساع الهوة الاقتصادية بين الدول الغنية والدول الفقيرة، وإلى اختلال مبدأ المساواة بين البشر في ما يتعلق بمستوى الدخل والخدمات الحياتية البسيطة، وكانت الدعوة إلى ضرورة الابتعاد عن اعتبار التجارة هدفاً بذاتها، إذ يجب أن تكون وسيلة.
تيارات وقوى
المشاركة في المنتدى الاجتماعي الثالث فرصة للتعرف إلى مركبات التيار المناهض للعولمة وعناصره، عن قرب تصبح القراءة فيه أسهل، وتصير الإجابة عن بعض الأسئلة مفهومة. فهو تيار بدأ منذ العام الماضي - تحديداً منذ المنتدى العالمي الثاني في بورتو أليغري - يعرف طريقه إلى المأسسة، لم يعد المنتمون إليه - في عدد من الدول - مجرد معترضين على سياسات العولمة وحكومتهم، وبمعنى أدق انتقل هؤلاء الذين ملأوا شوارع سياتل وجنوى ونيس وغيرها، من فعل الرفض إلى طرح رؤى وبدائل، لم يغب الاعتراض بالطبع، بل ازداد دعمه بالأرقام والدراسات، وحفل المنتدى بدراسات في مواضيع سياسية وتنموية مختلفة أقيم في إطاره نحو 1700 محاضرة وندوة وورشة عمل. وعلى رغم تعدد المواضيع والقضايا فإن ثمة شعوراً كان يدل إلى أن الأوروبيين إضافة إلى البرازيليين هم الأكثر حضوراً. وفي حين وصل عدد أعضاء الوفد الأميركي إلى 1800، فإن الفرنسيين والإيطاليين في شكل خاص كانوا الأكثر فاعلية، فهؤلاء صاروا أصحاب تقاليد أكثر رسوخاً في مناهضة العولمة، وحضورهم في بلادهم أكثر تأثيراً، وهم الأكثر راديكالية بين عناصر التيار المناهض للعولمة، ممثلوهم في اللجنة الدولية المنظمة للمنتدى كانوا أكثر تشدداً في رفض الطلب الذي تقدم به منذ شهور الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان لحضور المؤتمر، بعض الأعضاء الآخرين لم يكونوا ليمانعوا حضوره لأنهم لا يرفضون الحوار مع المنظمات الدولية الكبرى، لكن رأي "الراديكاليين" انتصر، وفي هذا الإطار أوضح كريستوف آغيتون مسؤول العلاقات الخارجية في منظمة "آتاك" ل"الحياة" أن رفض حضور أنان لا يعني رفض الحوار معه أو مع منظمة الأمم المتحدة على رغم الملاحظات حول سياستها، لكنه جاء على خلفية التخوف من أن تصدر هذه المنظمة بعد أيام قليلة قراراً يجيز الحرب الأميركية على العراق. وتقديراً لمشاعر العالم العربي أو تشديداً على الالتزام بقضيته رفضت اللجنة حضور الأمين العام للمنظمة أو تحضير استقبال رسمي له.
نجح الأوروبيون في تغليب رأيهم في أكثر من موضوع، فكان خيار غالبيتهم مع أعضاء آخرين نقل المنتدى إلى الهند العام المقبل، وكان عدد من أعضاء اللجنة يرى أن بورتو أليغري لا تزال المكان الأنسب لاستقباله، انطلاقاً من دراسة الظروف التي رافقت المنتدى الاجتماعي الآسيوي في الهند قبل شهور، والذي لم يلق نجاحاً كبيراً، على خلاف نظيره الأوروبي في فلورنسا. وتخوف البعض من سيطرة التيار الراديكالي على المنتدى العام المقبل.
يلفت هذا الأمر إلى ملاحظتين، الأولى راديكالية الأقل تضرراً من العولمة، والثانية مستقبل التيار المناهض لها. فأبناء أوروبا الغربية تحديداً يعيشون حياة أكثر رفاهية من أبناء الدول الأخرى، وتضررهم من السياسة الأميركية والشركات المتعددة الجنسية أقل، فيما تبدو المنظمات في دول العالم الثالث أقل تشدداً، في أميركا اللاتينية حيث الحركة الاجتماعية نشطة وفي العالم العربي حيث هي شبه غائبة. في الظروف الحالية يشعر المرء أن الأوروبيين هم الذين يؤثرون أكثر من غيرهم في هذا التيار، تساعدهم قدرتهم على المبادرة وعملهم المنظم على اتخاذ دور قيادي نوعاً ما - من دون أن يلغي هذا الأمر وجود آخرين - والأمثلة على ديناميكيتهم كثيرة، أبرزها المنتدى الأوروبي في تشرين الثاني نوفمبر الماضي الذي اختتم بتظاهرة شارك فيها مليون شخص. والسؤال المتجدد حول مدى مشاركة الأحزاب السياسية في هذا التيار، أعادت طرحه منظمات عدة، والإيطاليون في شكل خاص متحمسون جداً لهذا النقاش.
هذه القراءة لا تنفي الطابع الأميركي اللاتيني الذي أسبغ على المنتدى من خلال فرحهم الدائم، واحتفائهم بالتظاهرات، هكذا هم البرازيليون شعب الفرح الدائم، كانت المحاضرات تقام في قاعات الجامعة الكاثوليكية ومجمع "جيغانتشينو"، والفرق تعزف وتغني وترقص في ساحاتهما، وفي الزواريب التي تفصل بين مباني الجامعة وكلياتها، إذاً هو ليس اجتماعاً للحزن بل لتأكيد إرادة الحياة، وكانت الأغاني تتنوع في لغاتها، وفي شعاراتها، وفي ملابس مؤديها والراقصين الذين يتمايلون على أنغامها. التنوع إذاً خيار حقيقي وممكن.
البرازيليون - الأكثر عدداً على الإطلاق في المنتدى - عرفوا كيف يسلطون الضوء على مشكلات أميركا اللاتينية. ويكفي ما قال الرئيس "لولا": "أريد أن يتناول كل برازيلي ثلاث وجبات يومياً". فهو ذكر العالم بأسره - ومن خلال بورتو أليغري - بمأساة الفقراء في بلاده.
الحضور العربي
العام الماضي كانت الأرجنتين وفلسطين قضيتي العالم الرئيستين كما طرحتا في بورتو أليغري، هذا العام كانت العناوين عربية بامتياز، فكانت فلسطين وكان العراق. فلسطين الحاضرة دائماً قضية كل الثائرين في العالم ضد الظلم والاستبداد، وكل الحالمين بالمساواة بين البشر. والحرب على العراق هي الأسلوب الجديد لمد سيطرة الولايات المتحدة على العالم.
15 شباط فبراير كان الموعد للتأكد من شعبية العناوين التي اختارها مناهضو العولمة، والقضايا التي يريدون الدفاع عنها. ففي السنوات الأولى لولادة هذا التيار نظر اليه كمجرد فقاعة ستنتهي بسرعة، لكن محطات كثيرة تبرهن انه يتابع امتداده ويستجيب لآمال كثيرين لا يرون في النموذج الأميركي النيوليبرالي السياسة المثلى، وغالبية هؤلاء تذهب بعيداً في العداء. ويساعد هذا الأمر على حشد التأييد للقضايا العربية. فهذا التأييد جعل للعرب حضوراً كبيراً في المنتدى على رغم أن عددهم فيه لم يتعد الثمانين مشاركاً، لكن العراق كان حاضراً بقوة ونظمت تظاهرات للتعبير عن رفض الحرب عليه، بل كانت هذه الجملة تتردد في غالبية الورشات مهما كانت عناوينها، وكانت أعلام فلسطين الأكثر عدداً في كل مراكز المنتدى، وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية تمت على غير صعيد. في هذا الإطار يجدر التوقف عند بعض الملاحظات حول التعاطي الفلسطيني. فحضور الجالية الفلسطينية في البرازيل ومشاركتها الفاعلة ساعدا في تنظيم النشاطات المؤيدة للفلسطينيين، لكن حواراً قام على أسس خاطئة وفي العلن مع إسرائيليين يدَّعون تأييد السلام من دون أن يدينوا سياسات الاستيطان والاعتداءات أساء إلى صورة الفلسطينيين. كان النائب زياد أبو زياد يتحدث عن النموذج الديموقراطي الإسرائيلي في ندوة أثارت اشمئزاز مشاركين فلسطينيين من دون أن يتحدث بالتفصيل عن آثار الاعتداءات الإسرائيلية على مواطنيه، فيما الإسرائيلي اليساري ميشال برشافسكي يقول في قاعة مجاورة وأمام المئات إن ما يعرف باليسار الإسرائيلي ليس يسارياً أبداً، وأن الإسرائيليين دمروا كل حقوق الفلسطنيين، وأنهم اعتبروا الفلسطينيين شعباً إرهابياً ليبرروا لأنفسهم كل الانتهاكات والاعتداءات التي يرتكبونها ضدهم. فلسطينيون لا يتعدون أصابع اليد الواحدة أساؤوا الى كل الجهود التي بُذلت لإظهار قضيتهم، فأثاروا غضب مواطنيهم، وأظهروا الإسرائيليين كمحبين للسلام، فيما كان برشافسكي يفند أمام مستمعيه حيل من يسمون أنفسهم بمحبي السلام في إسرائيل، مؤكداً ان ما يدعونه مجرد كذبة.
من جهة أخرى، تجدر الإشارة إلى أن العرب في المنتدى شاركوا في محاضرات ونظموا من جهتهم نشاطات، كورشات عمل الشبكة العربية للجمعيات غير الحكومية عن الحركات الاجتماعية في العالم العربي، وعن حقوق المرأة.
معركة الإعلام
سيطر شعور على المشاركين في بورتو أليغري بأنهم حققوا نجاحاً كبيراً. نحن أبناء العالم الثالث - والدول العربية تحديداً - لم نفهم مصدر هذا الشعور. فبالنسبة إلينا لا يمكن أي تجمع - مهما اتسع حجمه- أن يعتبر نجاحاً لمعارضة ما، ولا نفهم كيف يمكن بعض التقارير والمحاضرات وورشات العمل والاحتفالات أن تغير وجهاً من وجوه العالم. لكن أبناء المجتمعات الديموقراطية يرون في هذه الوسائل سبلاً صحية للتغيير، لذلك كان شعورهم بالانتصار بارزاً. وشرح كريستوف آغيتون مسؤول العلاقات الخارجية في منظمة "آتاك" العالمية ل"الحياة" التقدم الذي حققه المنتدى في عامه الثالث، إذ صار أكثر "عالمية" فزادت نسبة المشاركين من دول آسيا وأميركا الشمالية، وكان الحضور الأوروبي والأميركي اللاتيني طاغياً بحدة في الدروتين الأولى والثانية. وظهر في هذه الدورة إتفاق كامل على عناوين "مصيرية" أهمها رفض الحرب على العراق . ونفى آغيتون أن يكون الأوروبيون أكثر راديكالية من المشاركين الآخرين، لكنه اعترف بأنهم أكثر تنظيماً وأن شبكتهم أكثر قوة. وذكَّر بأن "الجدل الرئيس الذي طرح في الدورة الأولى من المنتدى كان: هل نتحاور مع المنتدى الاقتصادي العالمي؟ في هذه الدورة تجاوزنا دافوس، إذ أن أربابها أنفسهم بدأوا يشعرون بالقلق، جورج سورس أعلن أن الأمور في العالم لم تعد تسير على ما يرام".
وإذا انتقل منتدى دافوس إلى الصفوف الثانوية، فإن هذا الأمر لا يعني ان السياسات الليبرالية هزمت. آغيتون قال: "لا نتوهم أن العولمة بصيغتها الحالية والظالمة انتهت، ولا نعتقد ان الولايات المتحدة الأميركية لم تعد قوية، ونعرف أن أمامنا الكثير من العمل والنضال". ولكنه لفت من جهة أخرى إلى أن تحالفاً بين الحركات الاجتماعية في العالم آخذ في الترسخ.
الشعور بالانتصار في بورتو أليغري يعود أيضاً إلى عامل آخر، وهو العامل الإعلامي، 4049 صحافياً حضروا المنتدى، أي أنه كان الحدث العالمي الذي حظي بأكبر تغطية إعلامية، وكان بعض المؤسسات الإعلامية المؤيد للسياسات الأميركية يقدم أحياناً الخبر المتعلق بمنتدى بورتو أليغري قبل الخبر الُمعد عن دافوس.
الفرح الأكبر كان في مخيم الشباب، آلاف كانوا فيه، غالبيتم من الطلاب الجامعيين، بالنسبة الى هؤلاء لا بديل من الرؤية التي يطرحونها. سياسات الولايات المتحدة ستهزم حتماً، في أمد قريب جداً أو متوسط، لا يهم، لتسيطر سياسة المساواة والتعددية والفرح الدائم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.