لا تزال شروق الأسعد، مراسلة قناة النيل الفضائية للأخبار في فلسطين تتذكر أول احتكاك مباشر لها مع قوات الاحتلال الإسرائيلية، قررت على اثره المضي في دراسة الصحافة والإعلام كما كانت تخطط. ففي العام 1987 وكانت تبلغ من العمر 14 عاماً، اعتقلت لثلاثة أشهر، ومن ثم فرضت عليها الإقامة الجبرية في أحد الأديرة في القدس لسنة كاملة، بدلاً من ترحيلها إلى الإصلاحية، كونها رجمت حافلة ركاب إسرائيلية بالحجارة، في أحد شوارع القدس، حيث ولدت. تقول شروق: "أكسبتني هذه التجربة، على صعوبتها ومرارتها وقسوتها، الكثير من الثقة بالنفس، وجعلتني أدرك معنى الاحتلال، وأعيش مع هاجس زواله، بل والإيمان بأن الحياة لا تطاق من دون العمل لذلك". وتضيف: "منذ صغري وأنا أحب الصحافة، وأعتقد أن هذه الحادثة ساهمت في خلق شيء من هذا الحب لهذه المهنة، التي أدركت أنها على درجة كبيرة من الأهمية، لا سيما في ما يتعلق بجرائم الاحتلال وممارساته التعسفية بحق شعب أعزل، كالشعب الفلسطيني". وتقول شروق التي هجّر أهلها من بلدة بيت محسير العام 1948، لتتحول إلى مستوطنة تعرف باسم بيت مئير، وهي قريبة من القدس: "عندما أنهيت دراستي الثانوية لم تكن جامعة بيرزيت القريبة من رام الله تضم قسماً للصحافة والإعلام، فقررت دراسة حقل قريب من الحقل الذي أهواه، وبالفعل اتجهت نحو العلوم السياسية والآداب، لكن المدخل الحقيقي لهذا العالم المذهل، أي عالم الصحافة، كان من خلال دورة في الإعلام أشرف عليها خبراء أوروبيون لإعداد كادر لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية، وكنت من أوائل مقدمات البرامج في الهيئة". وتتابع: "كانت البداية من أريحا، ثم انتقلنا إلى رام الله... كان شعوراً رائعاً أن أشارك في هذا المنجز الوطني، وأن أنطق بلساني كلمات لم أعتدها، مثل: "من تلفزيون فلسطين"، لكنني شعرت بعد حين أن فيّ طاقات صحافية تجعل من مهنة مقدمة البرامج شيئاً لا يلبي طموحاتي أبداً، فاتجهت نحو ما أسميه "الصحافة الحقيقية"، متنقلة بين فضائيات عدة، كان أولها الفضائية اللبنانية "إل بي سي"، ومن ثم فضائيتي البحرين وأبو ظبي... ومنذ العام 1998، أعمل مع قناة النيل الفضائية للأخبار". الجمال غير ضروري وفي رد على سؤال حول ما إذا كان جمال المراسلة، شرطاً من شروط العمل الأساسية في الفضائيات، تقول شروق: "في السابق ربما. أما الآن فأعتقد أن الصورة اختلفت، إذ بات الحضور والثقافة والنشاط عوامل أساسية في هذا المجال. كانوا في السابق يتعاملون مع المراسلة الصحافية كمذيعة أو مقدمة برامج، وأنا شخصياً عانيت من هذا الأمر في البداية، إلا أن القائمين على الفضائيات أدركوا أن المراسلة الصحافية ليست عارضة أزياء أو فتاة إعلانات، وأن هناك فارقاً بين الحضور والجمال، لا سيما أن مراسلات الفضائيات الفلسطينيات استطعن إثبات ذلك". وتضيف: "في السابق كان عمل المرأة الفلسطينية في المحطات المحلية يقتصر على تحرير الأخبار أو إذاعتها، ولم تكن تضطلع بأي عمل ميداني يتعلق بالأحداث الجارية، أما الآن فاختلفت الأمور كلياً". وعما إذا كانت "الخطوط الحمراء" الخاصة بالمؤسسة الإعلامية تحد من حريتها في صوغ التقارير الصحافية، تقول: "من الطبيعي أن يكون لكل مؤسسة إعلامية، سواء أكانت عربية أم أجنبية، خطوطها الحمر التي بالضرورة ستحد من حرية العمل الصحافي، وأرى هنا أن خبرة الصحافي ستكفل له "التحايل" على هذه الخطوط الحمر، سواء من خلال "اللعب بالكلمات"، أم حتى من خلال الصورة .. ليس هناك في الصحافة حرية كاملة، الذكاء هو كيف تحافظ على عملك، ولا تصطدم بالقائمين على المؤسسة الإعلامية، وفي الوقت نفسه، لا تقدم شيئاً يتعارض مع قناعتك ومع المصلحة الوطنية العامة". وعن تحول المراسل الصحافي في بعض الأحيان إلى محلل سياسي، تقول: "أعتقد أنه من الضروري في بعض الأحيان أن يقوم الصحافي بهذا الدور، لكن بحياد كامل، ومن دون ردود جازمة لأن الصحافي في النهاية مراقب، وليس محللاً سياسياً أو صاحب قرار .. صحيح أن ربط الأحداث، وبالتالي التحليل السياسي من المهمات التي لا بد للصحافي المثابر من إتقانها، إلا أنه لا ينبغي المبالغة في هذا المجال، فللتحليل السياسي اختصاصيوه وخبراؤه". اعلاميّة بلباس الميدان يمر الصحافي عادة، وخصوصاً من يعمل في منطقة ناريّة كفلسطين بالكثير من المواقف المؤثرة والمشاهد المحزنة لدرجة الفاجعة أحياناً وهذا ما أكدته شروق بقولها: كثيرة هي المناظر المؤلمة التي تعترض طريقنا كل يوم. من هذه المناظر مشهد جثة متفحمة لعنصر أمن كان يضع يده على أذنه، ولعله كان يهاتف والدته عندما فاجأه القصف الإسرائيلي". وتتحدث عن موقف آخر: "بعيد قصف مقر الرئاسة في رام الله، بدأنا إجراء الحوارات مع الموجودين في المنطقة، على اعتبار أن القصف انتهى. وسرعان ما بدأت الأصوات الشبيهة بما يحدث عند القصف الإسرائيلي تظهر مجدداً. تصرفنا بعشوائية بغية الهرب من الموت بأي طريقة. بعضنا افترش الأرض، والبعض الآخر فر من المكان، لنكتشف في النهاية انه ليس إلا تماساً كهربائياً". وتتذكر شروق: "في نهاية فترة حكم نتنياهو، وبينما كان يستعد لتسليم السلطة في إسرائيل إلى باراك، كانت هناك تظاهرة في القدس ضد تهويد المدينة، وبينما كنت أجري لقاء صحافياً مع حنان عشراوي بدأت القوات الخاصة الإسرائيلية بمهاجمة المتظاهرين بطريقة همجية للغاية .. أحد أفراد الجيش الإسرائيلي ضمن وحدة ما يعرف ب"الخيالة" شدني من شعري وقذفني على الأرض، ومن ثم ضربوني بعنف، واعتقلوني 12 ساعة تقريباً، لم تخل بطبيعة الحال من التعذيب، وكل تهمتي هي أنني صحافية فلسطينية". وتضيف: "تم تصوير ما تعرضت له من ضرب وإهانات على شريط فيديو، وقمت برفع شكوى عن طريق الشركة البريطانية التي كنت أعمل لديها في ذلك الوقت، وعلى رغم وجود شريط الفيديو الذي يوثق ما حدث، وتأكيدات شهود العيان، ومن ضمنهم أجانب، على صحة شكواي، لم تتم إدانة أي منهم، بحجة أنني قمت بضرب أحدهم أولاً !". ونسألها هل من السهل أن تكون ربّة بيت وصحافيّة بلباس الميدان، فتجيب: "زوجي متفهم للغاية، لا سيما أنه يعمل في المجال نفسه. كان من المستحيل أن أرتبط بإنسان لا يفهمني ويقدر ظروف عملي، بغض النظر عن طبيعة عمله. نحن متفاهمان إلى أبعد الحدود، وارتباطي بالمصور الصحافي رائد الحلو دفعني إلى الأمام، فهو يحمل رسالتي وأنا أحمل رسالته، وهو ليس من النوعية المتعصبة التي تتكئ على النظرة المتخلفة للمرأة" وعن أسباب اتجاه الكثير من الصحافيين الفلسطينيين نحو وسائل الإعلام العربية والعالمية، مبتعدين عن وسائل الإعلام المحلية، تقول شروق: "هناك خلل واضح في طبيعة الخطاب الذي تقدمه المؤسسات الإعلامية الفلسطينية، وفي طريقة إدارتها، فلا يوجد في الغالب مؤسسة تدفع موظفيها إلى الأمام، في الوقت الذي يدفعونها إلى الأمام، وهذا ما انعكس على أداء مؤسسات الإعلام المرئي الفلسطيني أمام الحدث، قياساً الى الفضائيات العربية والأجنبية على رغم أنها صاحبة القضية والأقرب إلى الحدث، كما أننا في أمس الحاجة لإسماع صوتنا الفلسطيني إلى كل العالم". وتشدد شروق على ضرورة وجود جسم نقابي قوي يرعى شؤون الصحافيين الفلسطينيين، ويوفر لهم الحماية القانونية على أقل تقدير، "شريطة أن يكون جسماً نقابياً حراً، بعيداً عن أي حسابات سياسية... أعتقد أننا كصحافيين فلسطينيين في أمس الحاجة إلى ذلك".