روت لي صديقتي أخيراً أولى تجاربها في مجال الزمالة والعلاقات الإنسانية في العمل، في إطار وظيفتها الجديدة في وسيلة إعلامية. وما استوقفني في هذه القصة هي سذاجة "الرجل - الزميل" الذي اتكل على سذاجة أكيدة لدى زميلته الشابة. والقصة في البداية لا تبدو مثيرة أبداً. طلب الزميل المتزوج من صديقتي أن تقوم بحضانة سمكته الحمراء الصغيرة خفيفة الحمل والظل أثناء غيابه وأسرته في عطلة قصيرة. قبِلت صديقتي بكل براءة رغبة منها في إظهار حسن نيتها كزميلة جديدة. وأتت في اليوم المحدد لاستلام السمكة لكن الزميل أتى فارغ اليدين. ولمّا سألته ادعى انه نسيها في المنزل. ويكفي أن ترافقه في سيارته الى منزله لتأخذها بنفسها، خصوصاً أن زوجته والأولاد غادروا المنزل في الصباح متوجهين الى مقر العطلة العائلية. تهربت "هي" من هذا العرض الذي لم يغرها أبداً، بكثير من اللباقة والكياسة، لكن رفضها لم يصدمه أبداً، ولم يجر أذيال الخيبة طويلاً لأنه وجد زميلة جديدة أخرى عرض عليها أيضاً الاعتناء بسمكته الصغيرة حتى عودته من الإجازة. وقبلت هي الأخرى، وللمرة الثانية أيضاً نسي الزميل السمكة في المنزل ورفضت هي الأخرى أيضاً الذهاب الى منزله لإحضارها. وفي يوم من الأيام، فوجئت الزميلتان بالسمكة الصغيرة الحمراء وقد اختارت جدران مؤسستهما كمقر لإقامتها الصيفية في انتظار عودة صاحبها من عطلته مع أولاده وزوجته. وبعد همسٍ ووشوشة أخبرت الزميلة صديقتي قصة السمكة. فضحكتا وفهمتا ان السمكة لم تكن سوى واجهة انسانية تخفي وراءها أغراضاً لا نستطيع أن نقول إنها انسانية بحتة. وبعد هذا الفصل، تخلّى الزميل عن استعمال السمكة كطعم لاستمالة عرائس البحر، وأصبح يستعمل حيلاً أخرى للوصول الى قلوب الفتيات الجديدات اللواتي يدخلن المؤسسة، أهمها موهبته في الكتابة وعلاقاته مع منتجي الأفلام. وهكذا قام بمحاولات عدة لإيهام كل واحدة منهن بأنها تصلح لأن تكون بطلة قصته الجديدة التي يكتبها شرط أن تخبره أكثر عن حياتها الشخصية لتضييق الهوة بين الخيال والواقع. الطريف في الأمر هو أنه لم تقع أي منهن في حبائل هذا الرجل الذي يثق في سحره ثقة عمياء. فلا الرؤوفات بالحيوانات ولا الطامعات في الشهرة قَبِلن. فهل لم يعد سحره فاعلاً أم أن حظه العاثر جعله يقع على لحوم زرق وقاسية؟