يحتضن ملحق "آفاق" بدءاً من هذا العدد مقالات لكتّاب وشعراء عرب في وصف مدنهم المفضلة، أو المدن حيث يقيمون. يكتب ابراهيم نصر الله عن عمان وتحولاتها عبر النصف الثاني من القرن العشرين فيخيل الى القارئ انه يقرأ سيرتين: سيرة المدينة، وسيرة الكاتب. تبدلت عمان كما تبدلت كل المدن قارنْ بين الصورتين في هذه الصفحة. هنا قراءة في تاريخ التبدلات هذه: منذ ايام كان ابني الصغير يهمس لي فرحاً: تصوَّر، الأولاد في المدرسة لا يعرفون "البلد". و"البلد" هنا، هو ما يطلق عليه عادة في عواصم اخرى قاع المدينة. ولعل الأمر يتجاوز اولاد مدرسته، ليطاول عدداً لا بأس به ممن تضمهم الإحصاءات الرسمية ويتجاوز عددهم المليونين، والذين يشكلون سكان هذه العاصمة التي لم تعد قرية من حيث الاتساع ابداً، وظلت قرية أو لا تزال تتشبث بقرويتها، أو ببراءتها التي مرت بها، كما يمر الطفل بالطفولة، يتفلّت منها، وعندما تصبح وراءه يعود ليمسك بها، من دون جدوى، كما نحاول نحن ان نصدق انفسنا حين نتصرف، احياناً، كما لو اننا لم نكبر بعد. كبرنا، وكبرت المدينة... ذات يوم في مطلع العشرينات من القرن الماضي، مر بها المؤرخ الفلسطيني محمد عزت دروزة في واحدة من زياراته المتكررة، وكتب في مذكراته واصفاً حالها: "لم تكن عمان قد تغيرت عما كانت عليه حينما مررت بها قبل سنتين في طريقي الى مأدبا حيث ظلت قرية كبيرة لا يكاد يوجد فيها عشر بنايات وعشرة مخازن من الحجر، والباقي بيوت من اللبن ومخازن من خشب ولبن، ومعظم اهلها من الشركس، وفيها بعض الدمشقيين والنابلسيين الذين يتعاطون التجارة والأعمال". لا أذكر عمان تلك الأيام، لأنني لم أكن قد ولدت بعد، ولكنني اذكر عمان الخمسينات التي تمر كحلم، وعمان الستينات التي تمر كما لا يمر الحلم، لأنني اذكر ما خلفته تلك السنوات فيّ، وما تركته من آثار على الروح. من قمة جبل النظيف حيث التجأ أبي وأمي، بعد اقتلاعهم من وطنهم، وحفروا منزلهم الأول: مغارة في السفح، كنت أرى ذلك الشتاء، الذي لم يعد يتكرر، كما لو انه عمان نفسها التي لم تعد تتكرر، ارى السيل كلحظة جحيم مثبتة بين طرفي الأزل والأبد، يتدفق ويختطف البيوت الصفيحية حوله، مطوّحاً بالبشر وأشيائهم الصغيرة الى مكان لا أستطيع تخيله. وحين يصفو الجو، يتحول المشهد في الربيع الى سوق للجِمال والمواشي، أراقبه من بعيد. حين أتيح لي ان اصل الى الوادي، كان ثمة نهر صغير، لا أدري الآن إن كانت الأسماك الصغيرة جزءاً منه، أم أن عيني التي لم تر سمكة حية، تركت لمخيلتي مهمة اطلاق السمك فيه مستعينة بتلك الفرضية التي لم تزل تتردد حتى اليوم والتي تقول: يعيش السمك في الماء. صديقي، علي ماهر، ذو الأصول الشركسية، يقول إنه كان يأخذ جياد أبيه صبحاً ومساء ليسقيها، من ذاك النهير، تلك الأيام، لكنني لم أجرؤ حتى الآن ان اسأله ما اذا كان رأى سمكاً هناك أم لا وهو يهبط سفح الجبل المقابل. لعله يقرأ هذا الموضوع فيأتيني بجواب. ثمة صورة فوتوغرافية تُظهر الجانب الآخر من المكان الذي كنت أقف فيه، إذ يفصل المشهدين جبل عمان. هذه الصورة الملتقطة ببراعة عام 1948، من وسط البلد، يظهر في اقصاها بيت وحيد على سفح جبل: ذاك الجبل، هو جبل اللويبدة وقد كان البيت، سكناً من ثلاثة طوابق، تحوّل في ما بعد الى سكن لضباط الجيش البريطاني، وقيل ان لورنس كتب جزءاً من "أعمدة الحكمة السبعة" فيه، وبرحيل البريطانيين تحوّل البيت الى مدرسة للبنات، ثم هُجر فتهالك الى فترات طويلة، إلى ان اعادت مؤسسة عبدالحميد شومان ترميمه، وأصبح واحداً من أبنية "دارة الفنون" الثلاثة، حيث اعمل الآن. خلف هذا المبنى، الذي كان الناس يطلقون على اشباهه "قصور عمان" وعلى بُعد عشرة امتار لا اكثر، وُلِدتُ في مستشفى لوزميلا الذي لم يزل قائماً حتى الآن. ومن شرفات دارة الفنون يتاح لي كل يوم ان أشاهد صباي المبكر، وأسمع خلفي صرخة ميلادي الأولى. عرفت عمان قبل ان تكبر، ولم يكن الحديث معها صعباً، طفولتان تتكونان، ولم تكن الجبال كثيرة الى هذا الحد، فأنا لست واثقاً إن كانت عمان، ايامها، تتكون من سبعة جبال، لأنني لم أكن قد تعلمتُ الحساب بعد، ربما كانت أقل، لكن الشيء الذي أعرفه، انني أعرف كل شبر فيها، فدائماً، كان يوجد سبب كاف ومقنع لصعود قمة ما، أو هبوط سفح. من مخيم "الوحدات" للاجئين، جنوبعمان، مشياً على الأقدام، نسير نحو جبل الأشرفية، ولم يكن الصعود جزءاً من الوصول الى هذا الجبل، كان المخيم امتداداً لقمته التي لا تنتهي إلا عند مدينة العقبة ربما. يميناً، كان هناك، جبلا التاج والجوفة، ولا يزالان بالطبع، ويساراً جبل النظيف، وأماماً جبال القلعة، اللويبدة، عمان، الهاشمي الشمالي، الجنوبي، جبل القصور، اما جبل النصر، فقد كان من المتعذر ان نراه حيث نحن، وربما لم يزل الأمر صعباً حتى اليوم! يهيأ لي ان عمان دائماً، كانت اكثر من سبعة جبال، ولكن الناس احبوها سبعة، وبعد كل هذا الزمن الذي تناسلت فيه الجبال فازداد عددها، كما تناسل الناس وازدادت اعدادهم، لم يزل يحلو للناس ان يكون عدد جبالها سبعة حينما يُسألون. ليست أدري عدد المرات التي نزلت فيها هذه الجبال وصعدتها، إذ كان يكفي ان أسمع ان هناك طيوراً أكثر يمكن اصطيادها في موقع ما لأطير إليه. لا أريد أن أكشف هنا سر روايتي "طيور الحذر"، لذلك سأعود الى السمك وأقول ان فكرة وجود السمك حياً، كانت فكرة مؤرقة ايضاً في طفولتي، ولعل ذلك الاعتقاد بوجوده في رأس العين حيث كانت الخيول تشرب، هو الذي دفعني لإثبات وجوده بالرحيل على الأقدام الى تلك البلدة الصغيرة شرق عمان، حيث مناجم الفوسفات، وأعني هناك الرصيفة وسيْلِها، الذي ظلت الأمثال تضرب بمشمشه ولوزه وخضرواته، حتى غمرها معاً غبارُ المناجم، كما غمر الإسمنت سيل عمان. احياناً يهيأ لي ان السيل لم يزل تحت هذا الإسمنت، ويظل هذا الاعتقاد قائماً الى أن أمر بفوهة احد مخارج التهوية!! وأحياناً يهيأ لي انه مات، ودائماً قيل "اكرام الميت دفنه"، وما هذا الصندوق الإسمنتي الطويل الممتد من رأس العين حتى "المحطة" سوى ذلك القبر. لم تعد المياه المتساقطة من اعالي الجبال، تكفي لتكوين خيط واحد من المياه الصافية، يحيرني ذلك، مع ان عدد جبال عمان قد تزايد اكثر، كما يقولون. خضرة مفقودة كان ثمة شيء اخضر هنا. منذ سنوات كنت اشاهد الصور المرافقة لأغنية تتغنى بالمدينة وجبالها، وللحظة اصابني اعتقاد ان ثمة خللاً في النظام اللوني لجهاز التلفزيون، فالصورة، أو اللقطة الطويلة المأخوذة من طائرة مروحية، تُظهر عمان كما لو أنها صوِّرت بالأبيض والأسود. بعد لحظات تبين لي ان ما أشاهده هو لون الإسمنت، وأن التلفزيون وألوانه بخير. لعلنا لم نعد نحن ايضاً على تلك الدرجة من الخضرة. ذات يوم كان للوادي الصغير الذي وصفه دروزة حدوده، وكان ثمة سهل فسيح دائماً خلف كل جبل. اما الآن فلم تعد ثمة مساحات تذكر تفصل بين عمان وضواحيها التي كانت بعيدة، ضواحيها التي كانت للمصادفة دائماً ذات سيول صغيرة وينابيع، وللمصادفة انها ماتت كلها. آخر الينابيع الذي حاولت ان اثبت من خلاله ان السمك يعيش في الماء، كان سيل الوالة، جنوب مدينة مأدبا، التي تقع جنوبعمان بدورها، وعلى رغم انني استطعت ان اثبت ذلك بما لا يدع مجالاً للشك في نهاية الأمر، إلا انني، منذ سنوات، لم أعد قادراً على ذلك، إذ ضمر النُّهير الصغير وتلاشى، على رغم ان الناس لم يتكاثروا حوله، ولم تختطف ماءه سطوحُ منازلهم. وكان... كان يحلو لنا ان نطارد أفلام السينما، من دار الى دار، لإثبات ان هناك اناساً آخرين يعيشون على ظهر هذا الكوكب، وليس في جوفه فقط، لكننا نتهيب ذلك الصعود الى جبل عمان، حيث "الدوّار الأول" وسينما الرينبو، التي كانت الأرقى للأرقى، ولم يكن ثمن عدة عصافير نبيعها يكفي لمشاهدة سحر عتمتها. وإلى الغرب كان بإمكاني حتى من دون ان أتقن دروس الحساب ان أعرف ان هناك "دوّارين" آخرين، اما بعدهما فقد كانت مساحات خضراء أكد كثيرون انهم رأوها بأم أعينهم، حيث أخصب الأراضي التي تمتد حتى حدود المكان الأثير للشاعر عرار وأعني وادي السير، لكن وبمرور الوقت، أثبتت عمان كغيرها من المدن التي تطورت، انها لا تتقن شيئاً اكثر من العمليات الحسابية، فقد اصبح هناك دوار رابع وخامس وسادس وسابع وثامن، ولم يوقف زحف هذه "الدواوير" ربما سوى "وادي السير" حيث لم تزل هناك قصائد عرار تحرس المكان، ولم يزل الناس يغافلون بيوت الشِّعر، ويبنون بيوت الإسمنت فوقها. منذ اسابيع زرت وأسرتي وادي السير بحثاً عن سمك، اكد لي ابني انه موجود هناك فعلاً، وأنه حي، بدليل انه يعيش في الماء، ذهبنا، وبعد بحث طويل، قبلنا ان نعود ب"سلطعون" ظل ثلاثة اسابيع في قعر سطل بلاستيكي، نراقبه ويراقبنا بعينيه اللتين تخرجان من جمجمته وتعودان كعيون "توم وجيري" في مسلسلهما الشهير، وسواهما من المخلوقات الكرتونية، لا نعرف ان كان يأكل ام يرفض الأكل كبعض الطيور التي لا تقبل الأكل فتموت في اقفاصها ها انا اعود للطيور من جديد، وأخيراً، حنّ قلب الولد فأصطحبنا السلطعون في رحلة عودة لجذوره المائية الى واد آخر ليس ببعيد عن عمان اسمه "سيل حسبان" وقلنا لعل السلطعون يجد سلطعونة فنكون اصحاب فضل في تأسيس صلات نسب جديدة بين سلطعونات وادي السير، وسلطعونات سيل حسبان، وقد أدهشنا ان هذا الذي ظل ثلاثة اسابيع في ذلك القعر قد انطلق مسرعاً الى الماء، بلهفة لا تقل عن لهفة أولئك المتنزّهين الذين اصطحبوا ابناءهم وزوجاتهم، هاربين من عمان، لكي يثبتوا لصغارهم ان الشجر يعيش في السهول. حين عدنا، من الضواحي، اصر الولد ان يحمل معه مجموعة من كائنات دودية صغيرة، ليست سوى ابناء الضفادع، والتي يطلقون على الواحد منها اسم ابي ذنيبة!! أراقبها الآن، ولست أدري، عن اي شيء سنبحث في المرة القادمة، بعد ان نعيدها، هذا إذا ما احتملتنا وامتلكت نصف تلك القوة التي امتلكها اسيرنا السلطعون. حارس المدينة الضائعة كنت أحتاج الى روايتين حتى أستعيدها: عمان. "طيور الحذر" و"حارس المدينة الضائعة". وقد اتيح لي في الثانية ان أتأملها عبر عيني بطلها، كما تشتهي مدينة ان يقع في حبها احد ويتوله بها. ولأن اللقاء لا بد ان يكون لقاء منفرداً، لا تعكّره نظرات حاسد ولا وقع قدميه، جعلتُ سكان عمان يختفون كلهم، ويبقى هو وحده الذي فيها، ولمدة يوم واحد لا غير، أتيح له، خلاله، ان يستعيد خمسين عاماً شكّلته، وجعلته على ما هو عليه. وأظن ان تلك الرحلات التي لا تنتهي عبر وديان عمان وسهولها وجبالها، وتلك الخبرة التي تكونت ايام الطفولة والصبا الراحلين، هي وحدها التي جعلت من كتابة هذا العمل امراً ممكناً. الآن أمرّ بعمان، وأنا أعرف تماماً، أية شجرة كانت تحت هذا البناء، وأي دكان صغير ابتلعه هذا السوبر ماركت، وأي سوبر ماركت ابتلعه هذا "المول". تذكرني كلمة "مول" بكلمة غول، ولا أعرف سبباً لهذا! هذه المدينة احببتها، أردت ان أقول ذلك، هل كان كلامي واضحاً؟: ليس تماماً! إذن ها أنا اعيد: لقد احببتها. تلك العلاقة الشائكة التي تربطني بعمان، والتي تربط غيري، تدفع النقاد الكسالى للقول إن عمان غائبة عن الأدب الذي يكتب في الأردن، والحقيقة انهم لا يقرأون. اما الثالثة، فتصل بي الى ان أقول: "في كل مدينة نزلت اشتقت الى عمان، ولا يعرف المرء بالتحديد اي شيء ذاك الذي يشتاق إليه تماماً، خصوصاً إن كان من طينتي وأنا من طينته، ممن ينتمون الى "شريحة الغلابا"، وبما انها "شريحة" فقد فاتني أنها صالحة للأكل دائماً، وهذا يخطر ببالي للمرة الأولى، فالمدن لا تحب امثالنا ابداً، وفي حال كحالي، فالأمر مضاعف، انا المولود لأبوين فلسطينيين، وعاش في الضواحي، على هامش المنفى وبلا وطن، إذ يغدو حبه اكثر خطورة من اي حب، ويحزنني انني اخشى البوح به دفعة واحدة، فدائماً احس بأن جريمة شرف تترصد قلبي، إذا ما بحت بحب مدينة عربية، ولست وحدي، لأن حب الفلسطيني لمدينة عربية كان يُنظر إليه دائماً باعتباره نوعاً من الشروع باختطاف الزوجة من بين احضان زوجها، وظلت الأنظمة الرسمية العربية ومنتفعوها يحرّمون علينا ان نحب المدن، أو أن نكرهها، أو نحلم بسواها، وتلك اقسى معادلة يمكن ان يُمتحن بها القلب. لكن الفلسطيني وجد معادلة فذة، لا تخطر لأحد ببال: ان يحب هذه الى مدن ويحلم بسواها. على رغم كل شيء، وهو بذلك حقق شرط وجوده الإنساني الراهن، وشرط وجوده الإنساني الذي سيكون. لكنه اكتشف ثانية ان مثل هذا الحب ممنوع لأنه لا يتماشى والقوانين المحلية، اما ذلك الحلم فقد اثبتت التجارب انه ممنوع لأنه يتعارض مع المعادلات الإقليمية. ذات يوم سألني صحافي خبيث يعمل في صحيفة محلية: البعض يقول إنك كاتب أردني، والبعض يقول انك كاتب فلسطيني، فماذا تقول؟ كنت أدرك بالطبع ان سؤالاً كهذا هو سؤال إقصاء، وأن أي اجابة له ستكون مرفوضة، ومُستنكرة ولم يوجّه لي وحدي، فقد وجّهه زمن الخراب، الى غالب هلسا، الأردني أباً عن جد، من قبلي وإلى آخرين كثيرين، بعضهم كان ينتمي بالصدفة الى شريحة الكتّاب وبعضهم ينتمي الى شريحة اخرى من السياسيين، وعلى رغم ان غالب هلسا، هو اكبر كاتب اردني حتى اليوم، حياً وميتاً، إلا انه، وبصعوبة، لم يحظ، سوى بقبر صغير في مقبرة بضواحي عمان اسمها "ام الحيران" أما احلامه: رواياته وكتبه، فقد أُقفلت في وجهها الحدود، ولم تزل مقفلة حتى اليوم. كان سؤال الخبث يستدعي اجابة اخبث حين اجبت: يمكن ان تقول انني شاعر أردني وروائي فلسطيني، أو روائي فلسطيني وشاعر أردني. وقد ذكّرني السؤال بمثل شعبي يقول: مقسوم لا تاكل، وصحيح لا تِقسم، وكُلْ حتى تشبع!!! حين يشير احدهم للخبز واضعاً الجائع في موقف حرج، إذ غير مسموح ان تكون نصفاً، أو ربعاً، وغير مسموح ان تكون كاملاً بالطبع. لذلك أقول: عمّان مدينة أحبها، ولكنني أحلم بسواها. وكم كنت أتمنى ألا يقع انسان ضحية هذه المعادلة المحيرة. يقف الزائر لعمان دهشاً بها، دائماً اكثر من ساكنيها، كما لو ان ابناءها نسوا تلك النظرة الأولى التي ألقوها على مدينتهم ذات يوم، فنسوها كما نسوا شهقتهم الأولى، ولم يلحظوا ابداً انها المدينة الوحيدة التي تتكاثر فيها الجبال كما يتكاثر الناس. من سنوات كان الصديقان جمال الغيطاني ويوسف القعيد يحلان ضيوفاً هنا، وحين ذهبنا لبيتي الذي كان الوصول إليه يتطلب نزول ثلاثة سفوح وجبلين على الأقل، كان العزيز يوسف متشبثاً بيد باب السيارة، وهو يقول لي: "الله يا ابراهيم دا انت نازل بينا لآخر البير". وكان علي أن أطمئنه: إحنا اخوانك صحيح، بس ما تخفش يا "يوسف"!!