شرعت اسرائيل بحملة تحريض واسعة النطاق ضد بلجيكا التي اصدرت محكمة التمييز فيها قراراً يسمح بتقديم رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون وضباط آخرين الى المحاكمة بتهمة ارتكاب جرائم حرب خلال الاجتياح الاسرائيلي للبنان بلغت ذروة بشاعتها في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين في صيف العام 1982 في بيروت حيث ذبح نحو 2000 فلسطيني معظمهم من الاطفال والنساء والشيوخ. اتهم مسؤولون اسرائيليون في مقدمهم الرئيس الاسرائيلي موشيه كتساف ووزير الخارجية بنيامين نتانياهو بلجيكا ب"اللاسامية" والعمل على الحاق الضرر ب"العالم الحر"، ودعوا الولاياتالمتحدةوبريطانيا إلى الانضمام الى جبهة مكافحة القرار القضائي البلجيكي، قائلين إن من شأنه أن يهدد مسؤولين سياسيين وعسكريين في البلدين بعد شنهما الحرب المرتقبة على العراق. وكانت محكمة التمييز البلجيكية اصدرت قراراً يجيز تقديم شارون الى المحاكمة بعد انهاء مهمات منصبه الحالي، وسمحت بالشروع في محاكمة الجنرال عاموس يارون المدير العام لوزارة الدفاع الاسرائيلية في حينه والذي تولى ادارة قوات الجيش الاسرائيلي في منطقة بيروت في العام 1982. وبعث كتساف برسالة احتجاج شديدة اللهجة الى ملك بلجيكا البرت الثاني تضمنت اتهاماً مبطناً ب"اللاسامية" كتب فيها انه "لا يحق لأي شخص في العالم التشكيك في الضمير الاسرائيلي والمزايا الانسانية التي يتمتع بها الجيش الاسرائيلي، ومن الأفضل ان يبحث من ينتقدوننا في تاريخ شعبهم وأعمالهم"، مضيفاً ان بلجيكا "لا تملك الصلاحية الضميرية لتقديم زعماء اسرائيل وضباطها الى المحاكمة"، ووجدت هذه العبارة صدى لها على لسان وزير الخارجية الاسرائيلي السابق شمعون بيريز. واستدعت اسرائيل سفيرها الجديد في بلجيكا الذي لم يمر على اعتماده لديها سوى اسبوعين للتعبير عن غضبها. فيما نقل وزير الخارجية الاسرائيلي بنيامين نتانياهو احتجاجاً شديد اللهجة الى السفير البلجيكي في تل ابيب بعدما استدعاه على عجل. وقال نتانياهو للصحافيين في اعقاب لقائه السفير البلجيكي، إن قرار المحكمة البلجيكية "افتراء واساءة خطيرة ضد الحقيقة والعدالة والأخلاق … ويلحق الأذى بالعالم الحر وليس باسرائيل فقط". وأضاف ان "دولة اسرائيل والشعب اليهودي ليسا على استعداد لتقبل افتراء جديد ضدهما في اوروبا". ورفض السفير البلجيكي الرد على احتجاجات نتانياهو، مشيراً إلى ان حكومته لم توعز له بذلك. ووصفت المدعية العامة الاسرائيلية القرار بأنه "سياسي". ونقل عن أحد المسؤولين الاسرائيليين قوله ان "هذه القضية تخص العالم الحر بأكمله وتستهدف ملاحقة اليهود". وباستثناء استدعاء السفير الاسرائيلي لدى النمسا، لم يسبق للحكومات الاسرائيلية ان اتخذت قراراً بهذه الحدة ضد أي من دول العالم. وإلى جانب الغضب الاسرائيلي الشديد، سادت حال من الخوف والقلق الشديدين الأوساط السياسية والعسكرية الاسرائيلية التي باتت تخشى من فتح ملفات جرائم حرب لعدد كبير من الضباط والجنود الاسرائيليين في المحاكم البلجيكية التي اجاز القضاء فيها محاكمة مجرمي حرب من الاجانب ممن لا يقيمون في بلجيكا نفسها. ووصف يارون القرار الذي يهدده بشكل مباشر بأنه "خطير"، وقال في تصريحات صحافية إنه سيلجأ الى استشارة جهات قانونية في الجيش الاسرائيلي، مشيراً إلى انه لا ينوي زيارة بروكسيل التي لم يزرها منذ تعيينه مديراً عاماً لوزارة الدفاع الاسرائيلية. ونقلت وسائل الاعلام الاسرائيلية المختلفة عن مصادر سياسية قولها ان القرار يفتح الباب على مصراعيه لتقديم جنود اميركيين شاركوا في الحرب على أفغانستان ويمكن ان يشاركوا في الحرب على العراق الى المحاكم. وأشارت المصادر ذاتها إلى أنه إذا سُمح بتمرير هذا القرار وتطبيقه، فإن الدور سيأتي للرئيس الاميركي جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وفي اطار التحريض على بروكسيل، أشارت الصحف الاسرائيلية الى ان بلجيكا جزء من التحالف الاوروبي المناهض للحرب على العراق. وكان شارون ألغى زيارة لبروكسيل في العام 2001 خشية تعرضه للاعتقال والتقى حينذاك وزير الخارجية البلجيكي في برلين وامتنع عدد كبير من جنرالات الجيش الاسرائيلي، بمن فيهم وزير الدفاع الحالي شاؤول موفاز، عن التوجه الى بريطانيا لاستكمال تحصيله في العلوم العسكرية قبل نحو ستة شهور للأسباب نفسها. واجبر شارون، الذي شغل منصب وزير الدفاع وقاد الحرب على لبنان في العام 1982 على التنحي من منصبه في اعقاب وقوع مجزرتي صبرا وشاتيلا بعدما دانته لجنة تحقيق اسرائيلية بالمسؤولية "غير المباشرة" على وقوع المجزرة التي نفذتها ميليشيا الكتائب اللبنانية المسيحية التي تحالفت مع اسرائيل في ذلك الوقت. وكان شارون اعلن قبل يومين فقط من وقوع المجزرة، بعدما اجبر المقاتلون الفلسطينيون على الخروج من لبنان، انه لا يزال موجوداً في المخيمين 2000 "مخرب" فلسطيني. وحاصرت قواته المخيمين، واطلقت فوقهما قذائف إنارة.