تثير مبادرة مجموعة من شخصيات فلسطينية داخل إسرائيل إلى تنظيم وفد عربي لزيارة معسكر الإبادة النازي "اوشفيتس" في بولندا "للتعرف عن قرب على آلام الآخر"، انتقادات في أوساط فلسطينية عدة داخل إسرائيل صبّت في اتجاه اعتبار المبادرة تملقاً لليهود ولدولتهم قد يتم فهمها تبريراً للممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني "وكأن اليهود يتصرفون اليوم كما يتصرفون بناء لتراكم تاريخي". وكان نحو مئة شخصية عربية أصدرت الأسبوع الماضي وثيقة تأسيسية تحت عنوان "نتذكر الآلام من أجل السلام"، جاء فيها أنه من منطلق المسؤولية الإنسانية والايمان بأن من الممكن تغيير الأجواء السائدة في العلاقات بين اليهود والعرب داخل إسرائيل "نخرج بمشروع إنساني، نخرج لنحس بألم الطرف الثاني إذ لا يمكن للشعبين في هذه البلاد أن يتركا درب سفك الدماء إلا بعد أن يفهم ويستبطن كل منهما ألم الآخر ومخاوفه التي دفعت به إلى خط النار والمواجهة والحرب". وتابعت الوثيقة: "انطلاقاً من فهمنا هذا المبدأ، قررنا أن ننبش عميقاً داخل التاريخ، وان نسبح داخل الماضي اليهودي. نريد أن نتعلم ونعرف الألم والمصاعب والتحديات والدمار… أن نتماثل وان نعبر عن تضامننا مع اليهود بكل قوانا". وتتضمن قائمة الأسماء التي وقعت على الوثيقة عدداً كبيراً من المحسوبين على التيار الذي يدعو إلى التعايش بين الشعبين، ويبدي قلقاً من تدهور العلاقات في أعقاب الهبة التضامنية لفلسطينيي الداخل مع الانتفاضة في تشرين الأول اكتوبر عام 2000، والتي قمعتها قوات الأمن الإسرائيلية وقتلت 13 شاباً فلسطينياً. وبين الموقعين قياديون سابقون في الحزب الشيوعي الإسرائيلي ورجال دين من الطوائف الثلاث أبرزهم الارشمندريت اميل شوفاني من الناصرة المرشح لمنصب مطران الجليل، والشيخ عبدالله نمر درويش مؤسس الحركة الاسلامية والبروفسور فاضل منصور. ويرى الارشمندريت شوفاني، الذي حالت معارضة رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق بنيامين نتانياهو دون تعيينه مطراناً للجليل عام 1998، ان "الحوار بين شعبي البلاد والمصالحة لن يتما من دون أن نفهم حتى العمق مسألة المحرقة من دون ان نلمس المعاناة والذاكرة واللغة... وهذا شرط ضروري". وأفاد المبادرون ان وجهاء من الطائفة اليهودية والجاليات الاسلامية في فرنسا يعدون لتنظيم وفد يمثلهم لزيارة المعسكر إبان زيارة الوفد العربي من اسرائيل الذي سيضم عدداً من اليهود ايضاً في ايار مايو المقبل. دعم من عمرو موسى وقال الصحافي نظير مجلي انه اجتمع اخيراً مع الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في القاهرة الذي اعتبر المشروع جيداً وايجابياً ووعد بدعم المبادرين علناً في حال تعرضوا لهجوم المعارضين للفكرة. وعلى رغم تفضيل المعارضين للمبادرة من عرب الداخل عدم الخوض العلني في الموضوع نظراً للحساسية التي قد تثيرها أقوالهم في أوساط الرأي العام الاسرائيلي باعتبار "الهولوكوست" بقرة مقدسة في الخطاب الاسرائيلي، ارتفعت أصوات تنتقد المبادرين لهذا المشروع وتوقيته. ادوات للدعاية الاسرائيلية وقال استاذ التاريخ تميم منصور ان السفر الآن الى معسكر "أوشفيتس" هو منح أدوات للدعاية الاسرائيلية، و"اعتقد ان اليهود استغلوا المحرقة جيداً ونشروها كموضوع سياسي بحت وارتكبوا الكثير من الفظائع باسمها. لقد بنوا هنا دولة على حساب الشعب الفلسطيني بفضل المحرقة ولذا لا أجد لزاماً علي التماثل معهم". وتابع في حديث لصحيفة "هآرتس" ان "التوقيت الآن سيء لأن اليهود لا يعترفون بعذابات الشعب الفلسطيني فيما القمع والاحتلال يشتدان يوماً بعد يوم، ولا أذكر قيادياً يهودياً من اليسار أو اليمين زار صبرا وشاتيلا أو واحدة من المقابر المليئة بجثث الفلسطينيين. وهناك ما يكفي من القياديين في العالم ممن يعبرون عن تماثلهم مع الشعب اليهودي في كل ما يخص المحرقة". وقال الدكتور عزمي بشارة للصحيفة ان اسرائيل قلبت التماثل الى أداة: "هناك جريمتان كبيرتان تتعلقان بالمحرقة: الأولى انكارها والثانية تسخيرها الفرضي، وفي الأمرين عنصر من الإنكار لأنه في اللحظة التي توازي فيها بين المحرقة وبين كل شيء فإنك في النهاية تقزمها". وتابع انه يخشى ان تكون وراء المبادرة لزيارة المعسكر محاولة لأن يثبت الزائرون انهم "جيدون"، وكأن من شأن الزيارة ان تفتح القلب وتؤثر على الرأي العام عند اليهود "بأنهم في اللحظة التي يروننا مهتمين فإنهم سيبدأون بالاهتمام بنا". "عقدة البحث عن دور" ويعتبر الكاتب والناقد انطوان شلحت المبادرة "انضواء تحت الموضة الجديدة الآخذة في التشكل كعقدة نفسانية عند العرب في اسرائيل وهي عقدة البحث عن دور"، لافتاً الى ان عدداً من المبادرين لا يجد له دوراً في الاحزاب او في أي مشهد ثقافي آخر، ولذا تجده يبحث عن دور وأدوات. وتابع في حديث لموقع "المشهد" على الانترنت ان تناول موضوع المحرقة الآن هو "لعب في ساحة الآخر بأدواته من دون قدرة على التأثير، وهو ايضاً تعزيز للشرعية التي تربط قيام اسرائيل بما حصل في اوروبا". وزاد انه ينبغي معالجة "الهولوكوست" بطريقة مغايرة بحيث يتم درسها ضمن سياق تاريخي ومن دون الربط مع اقامة الدولة العبرية لأن مثل هذا الربط صهيوني تجب مناقشته في شكل اخلاقي وسياسي وتاريخي. وزاد ان الفلسطينيين لم يصادروا حق اسرائيل في الوجود كتعبير عن تعويض لما لحق بهم، مضيفاً ان المطروح الآن هو ان يعترف الطرف القوي، اليهودي، بالنكبة ككارثة فلسطينية وان ينفذ الاستحقاقات المترتبة على هذا الاعتراف. انتقادات من اليسار الاسرائيلي ويبدو ان الانتقادات ليست محصورة في المذكورين اعلاه، اذ سارع احد اقطاب اليسار الصهيوني البروفسور آمنون روبنشتاين الى التقليل من شأن الزيارة للمعسكر، ورأى ان لا حاجة للسفر الى "اوشفيتس" للتعرف على جذور الخوف اليهودي "وتكفي اطلالة الى بغداد او طهران او حتى الى غزة للاستماع الى قياديي حماس الذين يريدون ابادة دولة اسرائيل". "عمل عربي وطني"! ويرفض مجلي الاتهامات واعتبار المبادرة تملقاً "بل انها عمل عربي وطني من الدرجة الاولى هدفه ابراز انسانيتنا". ويضيف: "نحن نعيش في جهنم ونريد ان نستنشق القليل من الهواء النقي. ان نكون طاهرين اكثر. انا آتي لتنقية نفسي وشعبي من الكراهية الموجودة اليوم".