عومل الكاتب الاسرائىلي عاموس عوز على مدار تاريخه الأدبي من المؤسسة الثقافية الغربية بصفته ممثلاً للاعتدال السياسي في المؤسسة الثقافية الاسرائىلية، وللرغبة العميقة في التوصل الى حلّ دائم للصراع الفلسطيني - الاسرائىلي. وهو اضافة الى ما كتبه من قصص وروايات على المخاوف التي تهزّ كيان الفرد الاسرائىلي نشر مئات من المقالات السياسية التي تصدر عن منطق سجالي في الدعوة الى ضرورة انسحاب اسرائيل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وقع عوز أخيراً على إعلان مدفوع الأجر في صحيفة هآرتس يطالب المؤسسة السياسية الاسرائىلية بالانسحاب من الارض الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 لوضع حد لنزيف الدم في صفوف الفلسطينيين والاسرائىليين. كتابات عاموس عوز ومواقفه السياسية المعلنة تجعل منه مدلل اليسار في الغرب، خصوصاً أنه عضو في جماعة "السلام الآن" ويعد مقرباً من اليسار الاسرائىلي بصورة من الصور. وهي أمور تؤهله لكي يعد، من منظور المثقفين في الغرب، صوتاً عقلانياً وداعية سلام. بل ربما ضميراً ثقافياً اسرائىلياً. وقد سُوقت هذه الصورة، التي أضيفت على عوز ومواقفه، في الدوائر الثقافية الغربية وفي الصحافة والاعلام، حتى ليصعب على المثقفين في العالم التنبه الى الانتهازية الثقافية، والسياسية كذلك، التي يمارسها أكبر مثقف وكاتب اسرائيلي خلال السنوات العشرين الأخيرة. آخر مقالات عاموس عوز يكشف هذه الانتهازية، التي يمارسها منذ سنوات طويلة، ويضع على المحك عماه السياسي والانساني، وأصوليته اليهودية، وخضوعه التام للمحرمات اليهودية حول موضوع الهولوكوست. فهو في مقاله الذي نشره في صحيفة يديعوت أحرونوت الاسرائىلية 26/3/2002 رداً على جوزيه ساراماغو الذي زار فلسطين الاسبوع الماضي وشبه ما تفعله اسرائيل في الارض الفلسطينية بأنه يشبه ما فعلته النازية في أوشفيتز شنّ هجوماً عصابياً على الكاتب البرتغالي الحاصل على نوبل للآداب، واتهمه بأنه "مجند لخدمة نظام الدعاية التوتاليتارية لياسر عرفات" كما كان من قبل "مجنداً لخدمة نظام الدعاية التوتاليتاري للنظام الشيوعي سابقاً!". ولم يكتف عوز بهذه التهم بل قال ان ساراماغو "أظهر عماء أخلاقياً، لأن من لا يميز بين المستويات المختلفة للشر يصبح خادماً له"، في اشارة الى رواية ساراماغو "العماء". ويستنتج عاموس عوز، بعصابية مريضة، ان "الذي يساوي بين مظالم الاحتلال وبين الجرائم النازية يدعو في الحقيقة الى معاملة اسرائيل كما عاملت دول التحالف النازيين، أي إبادتهم". وينهي عوز مقالته المسعورة ضد ساراماغو قائلاً: "لأنني ناشط في اليسار، ومناضل من أجل حق الشعب الفلسطيني بالاستقلال الى جانب اسرائيل، أرى في أقوال ساراماغو بصقة في وجه ضحايا النازية، وبصقه في وجه معسكر السلام في اسرائيل، وبصقة في وجه الانسانية جمعاء". من الواضح مما اقتبسته من مقالة عوز ان الكاتب الاسرائىلي، المناضل في صفوف اليسار كما يدعي !، لا يحيد كثيراً في اتهاماته لساراماغو عن الرد الذي وجهته وزارة الخارجية الاسرائىلية ضد تصريحات ساراماغو بخصوص الجريمة الانسانية البشعة التي ترتكبها اسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. فهو يلتقي مع ردّ وزارة خارجيته في تهديد ساراماغو واتهامه باللاسامية والدعوة الى إبادة اليهود ! ويحاول كمّ فم الكاتب البرتغالي النبيل عن الحديث عن محرم فرضه اليهود على الغرب في ما يتعلق بموضوع الهولوكوست ومعسكرات الاعتقال النازية. لكن ساراماغو لم ينكر الهولوكوست، ولا قلل من حجم الكارثة اليهودية على أيدي النازية، بل شبه الوضع الرهيب في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بأوشفيتز. فهو رأى بعينيه حجم الكارثة الفلسطينية فشبه هذه الكارثة بكارثة اليهود. لكن السيكولوجية العدوانية الاسرائىلية، وجنون التمييز العرقي الراسخ في العقلية اليهودية، استفزّتهما تصريحات ساراماغو التي ضربت الوتر الحساس في داخل عاموس عوز، وكشفت انتهازيته الثقافية والسياسية ولجوءه الدائم الى الحديث بلسانين: واحد للغرب وواحد لأبناء جلدته من الاسرائىليين!