حطم المؤرخ الالماني جورج فريدريش المحاذير السائدة منذ نحو نصف قرن، في ما يتعلق بتفادي مواطنيه التساؤل عما اذا كان قصف الحلفاء لبلادهم في الحرب العالمية الثانية جريمة حرب، واعتبارهم ان الخوض في هذا الشأن محرم. وأصدر فريدريش اخيراً كتاباً عنوانه: "النيران... ألمانيا والقصف من 1940 الى 1945"، ندد فيه بتلك الهجمات ووصفها ب"جرائم حرب"، ولمّح الى امكان مقارنتها بمحرقة اليهود. ويتزامن الكتاب مع اجواء معارضة لحرب محتملة ضد العراق، وما نجم عنها من توتر في العلاقات الاوروبية -الاميركية. وصعد الكتاب الى لائحة أكثر الكتب توزيعاً في المانيا، وبلغت مبيعاته اكثر من 120 ألف نسخة. وفيه يعتبر المؤرخ ان الهجمات على المدن الالمانية بقيادة بريطانيا كانت لا اخلاقية، ويتساءل عما اذا كان هدف تلك الغارات اثارة الشعب ضد ادولف هتلر. ورأى مراقبون ان اقبال الالمان على الكتاب، سببه تقارير قديمة تقشعر لهولها الابدان، عن موت نحو 40 الف مدني في غارة واحدة على درسدن في شباط فبراير 1945، ما يعطي دفعاً اكبر لحركة السلام الحالية المتنامية والمناهضة للحرب على العراق. وفجرت هذه التقارير جدلاً ساخناً بين المؤرخين في المانياوبريطانيا، اذ انتقد كثيرون فريدريش ووصفوا كتابه بأنه حكايات من جانب واحد اغفلت حقيقة ان ألمانيا النازية هي التي بدأت بشن غارات جوية على المدنيين في وارسو وروتردام وبلغراد ولندن وكوفنتري. وعلى جانب آخر، أشاد مؤرخون كثيرون وصحف مثل "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" المحافظة، بالكتاب كجهد رائد لالقاء ضوء جديد على الموضوع الذي يتجاهله الالمان، علماً بأن غارات الحلفاء على بلادهم، أسفرت عن تدمير 130 مدينة وقتل 635 ألف مدني. وعلى رغم حجة الحلفاء ان غاراتهم أضعفت الصناعات الحربية النازية وعجلت بنهاية الحرب، فان كلاوس نيومان القائد السابق للقوات المسلحة الالمانية والرئيس المتقاعد للجنة التخطيط في حلف شمال الاطلسي، انضم الى دائرة الجدل قائلاً انه لا يمكن تبرير الهجمات على اهداف مدنية. وأشار فريدريش في كتابه الى ان قصف المدن الالمانية الذي استمر خمس سنوات اثناء الحرب العالمية الثانية، "لا مثيل له في التاريخ، اذ تعرضت اكثر من ألف مدينة وقرية للقصف. واسقط نحو مليون طن من المتفجرات على .3 مليون مدني غالبيتهم من النساء والاطفال والعجائز". وفند المؤرخ الالماني مزاعم الحلفاء ان قصفهم الذي بدأ في 1940 جاء رداً على غارات المانيا على بريطانيا، وقال انه سبقت هذه الغارات ابحاث علمية مكثفة لتطوير اكثر النيران فتكاً بأكبر عدد من المدنيين. ووصف تلك الغارات التي كلفت الحلفاء حياة 55 ألف طيار ومساعديهم بأنها "ابادة جماعية"، مشيراً الى ان اختناق اعداد كبيرة في مخابئ تحولت الى ما يشبه المحارق. وانصب الاتهام الرئيسي الذي ساقه المؤلف على ان هذه الغارات المكثفة في 1945، أنها جاءت في وقت اقتربت فيه الحرب من نقطة الحسم. وأشار الى ان نصف الضحايا المدنيين ال635 الفاً، ماتوا في الاشهر التسعة الاخيرة من الحرب. ولاحظ ان الانتاج الحربي الالماني بلغ ذروته في منتصف 1944. وقال ان الجدل حول ما اذا كان رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل مجرم حرب، لا يمكن حسمه لأن المنتصر لا يمكن محاكمته".