يتسم الموقف الرسمي الفرنسي بمزيد من التشدد حيال العراق، ومطالبته بإلحاح بالعمل سريعاً لتقديم اجابات كاملة لرئيس المفتشين هانس بليكس في شأن غاز الأعصاب و"الانتراكس"، وكل الأسئلة التي طرحها في تقريره الأخير الى مجلس الأمن، بحيث يتسنى له أن يبلغ المجلس في 14 شباط فبراير الجاري تقدم مسيرة نزع التسلح العراقي. هذا ما أكده مسؤول فرنسي رفيع المستوى ل"الحياة"، مشيراً الى انه اذا لم يفعل العراق ذلك، سيضع نفسه في موقف خطير جداً، لأن الموقف النهائي لدول مثل فرنسا وروسيا والصين سيكون مرتبطاً بتعاون بغداد. وزاد ان هذا ما تؤكده فرنسا، سواء في الرسائل التي توجهها الى السلطات العراقية، عبر رئيس قسم رعاية المصالح العراقية في باريس، أو عبر رئيس قسم رعاية المصالح الفرنسية في بغداد، السفير اندريه جانييه. وذكر ان باريس تخشى أن يعطي عدم تجاوب العراق مع ما يطلبه بليكس، مبرراً شرعياً لتوحيد الأسرة الدولية في مجلس الأمن حول نزع التسلح العراقي عبر المواجهة العسكرية، وليس عن طريق المفتشين، وفي اطار الأممالمتحدة. وتطرق المسؤول الى رسالة الدول الأوروبية الثماني المؤيدة لموقف واشنطن، ورأى ان هناك تعبئة متزايدة في بعض مراكز القرار، لتوسيع دائرة الدول الأوروبية التي تدعم الموقف الاميركي من العراق. وزاد ان فحوى الرسالة، وبمعزل عن عنوانها يعيد تأكيد مواقف تؤيدها فرنسا، في ما يتعلق بالتعاون العراقي الضروري وبالتحرك ضمن اطار مجلس الأمن وبالمفتشين. وأكد ان فرنسا راغبة في "الحفاظ على علاقة ثقة مع الحليف والصديق الأميركي، وليس هناك داعٍ للخلط بين موضوع هذه العلاقة وبين معالجة الأزمة العراقية، بالتحذير مما يترتب على اسلوب المعالجة على أمن المنطقة واستقرارها". وأوضح ان الموقف الفرنسي يرتكز اليوم أكثر من أي وقت مضى الى ضرورة تعاون بغداد، وتقديم المسؤولين العراقيين اجابات سريعة وواضحة عن اسئلة بليكس. وأضاف: "إذا عاد بليكس في 14 شباط الى مجلس الأمن ليقول ان عمل المفتشين لم يتقدم لأنه لم يحصل على ما ينبغي من اجابات من الجانب العراقي، سيضع العراق نفسه في مرحلة شديدة الخطورة، في اطارها سيتعذر على الأسرة الدولية ألا تتحمل مسؤولياتها، ما يرجح الانتقال الى سيناريو المواجهة". وعن موعد 5 شباط الذي سيقدم فيه وزير الخارجية الأميركي كولن باول "أدلة" على التسلح العراقي، قال المسؤول الفرنسي ان المطلوب هو "التحقق مما سيقدمه على الأرض عبر مهمة بليكس، ومدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي، وعلى العراق الاستجابة لما هو مطلوب منه لئلا يصل الى طريق مسدود يجبر الأسرة الدولية على التوحد للبحث عن طريقة أخرى لنزع أسلحته" المحظورة. واشار الى أن الموقف الفرنسي من العراق "يستند الى خط واضح ومحدد، عبر القرار 1441 الذي رسم اطار التعاون العراقي، وألقى الضوء على بعض المعلومات خلال الاشهر الأخيرة وفقاً لما قاله بليكس والبرادعي، لكن المطلوب الذهاب الى ما هو أبعد من ذلك، وتوضيح كل النقاط التي لا تزال بحاجة الى توضيح". وذكر ان ما تريده فرنسا هو "اضفاء صدقية أكبر على عمل المفتشين، وإذا أتى يوم قالوا فيه ان عملهم وصل الى مأزق، لا بد من استخلاص النتائج، وهذا ما يتجه بعضهم الى تناسيه على صعيد الموقف الفرنسي الذي يقضي بتركيز الضغط على بغداد لحملها على تغيير استراتيجيتها وتقديم الاجابات المطلوبة". وتابع ان سياسة باريس إزاء بغداد تنطلق من محورين: "الأول هو الحزم والتشدد في مسألة التعاون، والثاني دعم المفتشين وتوفير كل الظروف التي تتيح لهم انجاز مهمتهم". وكرر ان اللجوء الى القوة يشكل من وجهة النظر الفرنسية "آخر الخيارات"، لكنه ليس مستبعداً تماماً، وذلك على عكس الموقف الألماني الرافض استخدام القوة. ولفت الى ان الموقف الروسي "ليس عديم الحساسية حيال ما تقوله الادارة الاميركية، لكن موسكو ستحدد موقفها بناء على ما سيفعله أو لا يفعله العراق، فهذا الاعتبار سيكون حاسماً بالنسبة اليها". وعن الموقف البريطاني قال المسؤول ان رئيس الحكومة توني بلير سيحاول مع الرئيس جورج بوش التحرك نحو قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن، وسيحاول اظهار حتمية الحرب على العراق. لكنه اشار الى أن مثل هذا التحرك متوقف على العراق "فإذا تبين في الأيام المقبلة ان هناك اعتبارات تساعد في طلب اصدار قرار جديد، سيضع العراق نفسه في موقف خطير جداً". وعبر المسؤول عن اعتقاده بأن هناك عدداً من الدول العازمة على خوض الحرب، ودولاً أخرى تتمنى تجنبها بأي ثمن. ونبه الى أن فرنسا لن تشارك في حال قررت الولاياتالمتحدة تنفيذ عملية عسكرية منفردة، وبمشاركة بعض الدول، على رغم تعاون العراق. ونبه الى ان "المسألة لن تطرح نفسها الا في اطار مجلس الأمن، عبر سيناريوين: الأول ان يستمر المفتشون في عملهم لأن التعاون العراقي جيد، والثاني أن يكون التعاون العراقي معطلاً، وعندها يصبح اللجوء الى القوة الحل الأخير". وزاد انه في حال نفذت اميركا ضربة منفردة، ستؤكد فرنسا مجدداً الأخطار التي ستنجم عن ذلك، لكنها ستمتنع عن انتقادها لتجنب اقحامها في وضع خطير، مشيراً الى أن الموقف الفرنسي في هذا الصدد "سيتسم بالمسؤولية". وعن مبررات معارضة فرنسا الحرب، قال المسؤول انها مرتبطة بالرؤية الفرنسية للعلاقات الدولية، كون ما يجري في العراق أساسياً على صعيد التعامل مع الأزمات الأخرى مثل الأزمة الكورية ومسائل الارهاب وغيرها من الشؤون الدولية. وختم محذراً: "إذا لم تكن لدينا قدرة على انشاء عالم جديد وادارته على أساس المسؤولية والأمن المشترك، سنجد أنفسنا في وضع خاضع لمشيئة الأقوى، وهذا في رأي فرنسا يشكل تراجعاً على الصعيد الدولي".