سرت، طرابلس - أ ف ب، رويترز، أ ب - عُلق أمس الهجوم الذي شنته قوات النظام الجديد في ليبيا على سرت، أحد آخر معاقل العقيد معمر القذافي، بأمر من حلف شمال الأطلسي الذي كان ينفذ سلسلة غارات على المدينة، فيما قُتل ثمانية في مدينة غدامس على الحدود مع الجزائر في هجوم شنه موالون للقذافي، بينهم مرتزقة أتوا من الجزائر ومقاتلون من الطوارق. وانسحبت قوات المجلس الوطني الانتقالي أمس، غداة الهجوم الذي شنته على سرت (360 كلم شرق طرابلس) وسمح لها بالتقدم بضعة كيلومترات في عمق المدينة. وعاد مقاتلو النظام الجديد إلى مواقعهم في غرب سرت على الخطوط الخلفية للمدينة في حين كان يستعد آخرون على الجبهة الشرقية لخوض معارك في الأيام المقبلة. وسُمع هدير طائرات حلف الأطلسي صباح أمس تحلق فوق المنطقة ونفذت غارات على المدينة. وقال أحمد محمد تاجوري، وهو مقاتل على الجبهة الغربية: «لا تدور معارك. لا أحد في المدينة. تلقينا أوامر بمغادرة وسط سرت لأن حلف الأطلسي يجب أن يواصل مهمته. غادرنا المدينة في الساعة السابعة مساء (أول من) أمس»، في حين قال آخرون إن المعارك ستستأنف اليوم. ووفق تقريره اليومي، نفذ الحلف أول من أمس 34 غارة في ليبيا أصيب خلالها مركز قيادة ورادار ومبانٍ عدة لتخزين الذخائر و29 آلية في ضواحي سرت. وكانت قوات المجلس شنت هجمات جديدة بالمدفعية على أهداف داخل سرت صباح أمس، قبل وقف العمليات. وتحرك المقاتلون قرب قرية بوهادي مسقط رأس القذافي على بعد حوالى ستة كيلومترات من وسط سرت بشاحناتهم الصغيرة المزودة بمدافع آلية. وعلى الجبهة الشرقية، توقفت المعارك إلا أن مقاتلين انتشروا على جانبي الطريق الرئيسي المؤدي إلى وسط المدينة بحثاً عن ألغام قد تكون قوات القذافي زرعتها. وقال مقاتل يدعى عبدالحميد: «الوضع هادئ بعد المعارك العنيفة» أول من أمس، موضحاً أن قوات المجلس الوطني الانتقالي تقدمت 13 كلم داخل المدينة السبت قبل أن تعود إلى مواقعها السابقة. وعلى بعد 20 كلم، استفاد المقاتلون من الهدوء لتنظيف الرشاشات وبنادق الكلاشنيكوف. وقال معتز سعد: «أبلغنا قادتنا بتحضير أسلحتنا. نتوقع حرب شوارع ضارية بعد دخولنا سرت». وأكد أستاذ جامعي محاضر في علوم الكومبيوتر فرّ صباح أمس من سرت أن مرتزقة أفارقة في المدينة يرتكبون تجاوزات ضد السكان رداً على هجوم أول من أمس، لكنه رفض كشف اسمه خوفاً من أعمال انتقامية تتعرض لها أسرته التي بقيت في سرت. وأشار الحلف إلى «إعدامات وعمليات احتجاز رهائن وتعمد استهداف أشخاص وأسر ومجموعات في المدينة». وأكد أنه رصد مرتين خلال الأسابيع الثلاثة الماضية المعتصم بالله القذافي أحد أبناء الزعيم الليبي الفار في مركز قيادة تحت أرض مستشفى المدينة الرئيسي. وكان مقاتلون على جبهة سرت أكدوا أن المعتصم موجود في ضواحي جنوبالمدينة. وعلى جبهة بني وليد، حيث قتل ثلاثون مقاتلاً من قوات المجلس الوطني الانتقالي منذ بدء المعارك قبل أسبوعين في محيط هذا المعقل الآخر للقذافي على بعد 170 كلم جنوب شرقي طرابلس، كانت مواقع المقاتلين المتمركزين عند مدخل المدينة لا تزال تتعرض للصواريخ التي يطلقها الموالون للقذافي من داخل المدينة. وقال القيادي في قوات المجلس الانتقالي عمر مختار: «لن نشن هجوماً»، مؤكداً أن قواته ستتجمع في بني وليد «فور الانتهاء من معركة سرت». وأضاف: «نعلم أن سيف الإسلام (القذافي) في بني وليد وتحديداً أين هو موجود» من دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل. الهجوم على غدامس إلى ذلك، شن موالون للقذافي فجر أمس هجوماً على مدينة غدامس (600 كلم جنوب غربي طرابلس)، ما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وجرح أكثر من 50 آخرين. وقال نائب رئيس المجلس المحلي لغدامس مهندس سراج الدين: «تعرضنا لهجوم فجر (الأحد) من قبل موالين للقذافي ومجموعات من الطوارق». وأوضح أن «الاشتباكات التي قتل فيها ثمانية أشخاص وأصيب أكثر من خمسين بجروح، متواصلة». وأضاف أن «الهجوم الذي بدأ عند الساعة الخامسة والنصف يشارك فيه حوالى مئة من الموالين للقذافي بينهم مرتزقة أتوا من جهة الجزائر ومجموعات من الطوارق، إضافة إلى خلايا نائمة تحركت لدى بدء الهجوم». ولفت إلى أن «الثوار وعددهم حوالى 400 تمكنوا من إخراج المهاجمين من المدينة، إلا أن الاشتباكات مستمرة وتنقصنا معدات عسكرية وطبية كثيرة». وقال عيسى بريكة (41 عاماً) الذي يعمل في شركة لحفر الآبار إن «المدينة تتعرض للقصف من قبل كتائب القذافي بالصواريخ والقذائف، وتدور اشتباكات بالرصاص بين عناصر هذه الكتائب والثوار». كما ذكر محمد طه، وهو أحد سكان غدامس، أن «الوضع متأزم والمدينة تحتاج إلى الدعم والمساعدة لصد الهجوم المستمر». وتظاهر العشرات أمام أحد الفنادق في وسط طرابلس مطالبين المجلس الوطني بإرسال دعم عسكري إلى غدامس. وقال إبراهيم مختار، وهو أستاذ جامعي: «نطالب بدعم الثوار في غدامس بالسلاح والمعدات والتنسيق مع السلطات الجزائرية للقبض على الهاربين وتسليمهم إلى ليبيا». وحمل المشاركون لافتة كبيرة كتب عليها: «نطالب المجلس العسكري والمجلس الانتقالي بالتدخل العاجل لإنقاذ مدينة غدامس من هجوم كتائب القذافي ومن الطوارق أذناب النظام». مقبرة جماعية وفي طرابلس، أعلن المجلس العسكري للمدينة أمس العثور على مقبرة جماعية تضم رفات أكثر من 1200 سجين قتلوا عام 1996 على أيدي حراس سجن بوسليم في العاصمة الليبية. وقال الناطق باسم المجلس خالد الشريف في مؤتمر صحافي: «توصلنا إلى خيوط ثم إلى مكان دفن هؤلاء الشهداء... نحن متأكدون من الناحية الجنائية والبحث الأمني ولدينا الأدلة على ذلك». وأضاف أن «اللجنة الفنية المكلفة التعرف إلى أصحاب الجثث تنتظر التأكد من هذا الأمر في شكل علمي وهي ستحتاج إلى وقت لذلك». وأكد أن «أفعالاً شنيعة مورست ضد هذه الجثث التي سكبت عليها السوائل المذيبة لإزالة معالم الجريمة». وتؤكد منظمات حقوقية أن السجن شهد في 1996 مجزرة قتل خلالها مئات من السجناء في ظروف لم تتضح ملابساتها. وقال عضو اللجنة الفنية سالم الفرجاني: «دعينا إلى زيارة المكان الذي يعتقد أن الجثث الموجودة فيه تعود إلى سجناء بوسليم ووجدنا بقايا عظام بشرية متناثرة... نناشد المنظمات الدولية والمجتمع الدولي مساعدتنا، إذ نحتاج إلى خبراء في هذا المجال فنحن نتعامل مع رفات أكثر من 1200 شهيد».