تنادى طلاب كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة القديس يوسف اليسوعية الى "المناظرة". سألوا بعضهم بعضاً عن القاعة، وتدافعوا للوصول. امتلأ المكان بلمح البصر، حتى تندر احدهم بالقول: "اين الاساتذة ليروا القاعة مكتظة ولو لمرة في حياتهم!". اعتلى المنصة ثلاثة شبان: رئيس الهيئة الطلابية السابق نبيل ابو شرف، والمرشحان الى الرئاسة أمين اسود مدعوماً من "الكتائب" و"القوات اللبنانية"، وحنا شلهوب يدعمه "التيار الوطني الحر" و"التيار الشمعوني" احرار ومناصرو كميل شمعون. طلب ابو شرف من الحاضرين وضع الهواتف "سيلانس" والتخفيف من التدخين، وعدم الجلوس على الطاولات، مشدداً على انه ليس بحاجة لتذكيرهم بأصول اللياقة! بدأ امين اسود تلاه حنا شلهوب في المناظرة التي كانت اشبه بمونولوج. شدد المرشحان على انهما لن يعيدا ما جاء في البرامج الانتخابية لانها واضحة للجميع ولكنهما الاثنان على حد سواء كررا الكليشهات التي تسترعي التصفيق. لوهلة اولى يشعر المراقب بأن المرشحين ليسا متنافسين ولكنهما على لائحة واحدة. فالخطاب واحد وان كان شلهوب اكثر اقتراباً من اللغة الشبابية الطلابية، فيما اختار اسود لغة تميل الى "الديبلوماسية". اكثر ما أثار التصفيق في الخطابين الوجود السوري في لبنان الذي اعتبر اسود ان "خطره يكمن في انه متغلل في البنية المؤسساتية اللبنانية"، وهو ما اكده شلهوب بقوله ان "السوري يعين المسؤولين اللبنانيين من اكبرهم الى اصغرهم". واتفق الاثنان على ان المسؤولية الاكبر تقع على عاتق "المجتمع المدني الخاضع". يدعي المرشحان انهما من المستقلين، ولكن الداعمين لشلهوب يتهمون اسود بأن "خطه معروف! لماذا اذاً اسمه أمين؟ ليست صدفة" وهي اشارة الى امين الجميل شقيق بشير. ويقول ماهر بطرس وهو طالب ماجيستير: "لن انتخبه لمجرد ان اسمه امين ويدعي انه مستقل. اصلاً الرئاسة العام الماضي كانت لهم ورأينا فشلهم حتى على المستوى الترفيهي". ويتابع ممازحاً: "لو كان اسمه ميشال مثل دولتو وزير الداخلية السابق ميشال المر لكنت ربما فكرت!". ويقول يوسف جبر خريج العلوم السياسية من اليسوعية، ومسؤول التيار الشمعوني فيها، ان "90 في المئة من الطلاب مستقلون و10 في المئة فقط متحزبون". ويعتبر جبر ان "السبب في ذلك لا يعود فقط الى ان الاحزاب والتيارات السياسية فشلت في توسيع قواعدها الشبابية واستقطاب شباب جدد اليها، بل لأن الانتماء السياسي لا دور كبيراً له بقدر ما للعلاقات الشخصية من دور". ويضيف جبر: "الواقع معاكس تماماً لما ننادي به. فالحياة السياسية الفعلية تبدأ من حرم الجامعة والطالب الذي يتعلم كيف ينتخب على اساس برنامج انتخابي وعمل حزبي منظم يعرف لاحقاً كيف ينتخب ويحاسب كمواطن". ويقول جبر ان "الحياة السياسية الطلابية الفاشلة وحالة القرف التي يعانيها الطلاب انما هي انعكاس لحال الاحزاب في الخارج". اللافت في الخطاب الانتخابي هذا العام، هو الانفتاح على الجامعات الاخرى خصوصاً تلك التي ينتمي طلابها الى تيارات مخالفة تماماً للتيارات المسيطرة في اليسوعية وهي في غالبها مسيحية. ويعترف الجميع بأن هذا الحوار "بات اليوم ضرورة ملحة وخطوة اساسية في مسيرة الانصهار الوطني". وان يصدر كلام كهذا من حرم اليسوعية ومن طلاب يعتبرون أنفسهم نخبويين، فهي نقلة نوعية من دون شك! والواقع ان المرشحين اسود وشلهوب طالبا ببدء حوار مع جامعات من الطرف الآخر "ولا سيما العربية واللبنانية بفروعها الاولى" حيث الاختلاف في وجهات النظر معروف. فطلاب هاتين الجامعتين ينتمون الى تيارات اسلامية ويسارية وهم غالباً يؤيدون الوجود السوري في لبنان او على الاقل لا يعتبرونه خطراً محدقاً. كذلك يختلفون مع زملائهم في اليسوعية في قضية تجنيس الفلسطينيين الى جانب عدد من القضايا الاساسية الاخرى. ولكن الدعوة الى الحوار ركزت على قضايا تهم الشباب بكل طوائفهم وانتماءاتهم مثل خدمة العلم وفرص العمل بعد التخرج كنقطة لبداية حوار. واللافت اكثر ان هم الجامعة اللبنانية والتضامن مع طلابها بدا واضحاً ان من خلال حديث المرشحين او من خلال التصفيق الحاد والطويل الذي أثارته في القاعة كلها بلا استثناء. وقال شلهوب: "اذا كان اهلنا قادرين على تسديد تكاليف جامعة خاصة فهذا لا يعني اننا لن نتخذ اجراءات لنتضامن مع زملائنا الذين يجلسون اليوم في منازلهم بسبب الاضراب المستمر". انتظر المرشحان من يناقشهما في ما عرضاه، من يعترض او يسأل، او حتى يؤيد. وحاول مدير النقاش المفترض ان "يحمّي الاجواء" فقال "واحد واحد يا شباب. لا تتدافعوا لطرح الاسئلة". لكن القاعة كانت بدأت تفرغ قبل ان ينهي كلامه، وانهمك الطلاب باللحاق بمحاضراتهم. يبدو جلياً للناظر الى الحركة الطلابية في لبنان ولم تكن اليسوعية سوى مثال، ان اعضاءها اخذوا "استراحة المحارب" قبل اوانهم. فبعد دخول قوي وبارز الى الساحة السياسية عام 1998، وبعد ان عقدت آمال كبيرة على عودة الطلاب كمحرك اساسي للشارع اللبناني وعنصر ضغط على مراكز اتخاذ القرار، جاءت انتخابات الهيئات الطلابية الاخيرة في مختلف الجامعات لتثبت العكس. بدا الطلاب بمختلف انتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية تائهين كمن يعاني مشكلة هوية تماماً كما هي حال احزابهم خارج الحرم الجامعي. فالمتحالفون في انتخابات الجامعة الاميركية متنافسون في اليسوعية وغائبون عن الجامعة اللبنانية الاميركية مثلاً. اما الجامعة اللبنانية "غير الجامعة"، فوضعها خاص جداً. في الاميركية خاض "التيار الوطني الحر" الانتخابات وحيداً فيما انخرط طلاب "القوات اللبنانية" و"الاحرار" و"الكتائب" تحت لواء ما سموه "رابطة الطلاب". وفي الوقت نفسه، كانت التحالفات في انتخابات كلية الحقوق في اليسوعية مناقضة تماماً، اذ تحالف التيار الوطني الحر مع التيار الشمعوني الذي يضم الاحرار ومناصري كميل شمعون في دعم المرشحين مارك ساسين سنة اولى وسيلين بسيبس سنة ثانية مثلاً. كذلك دعم الشمعونيون والكتائب المرشح طارق جميل سنة رابعة فيما تحالف الكتائب نفسهم مع القوات اللبنانية لدعم المرشحة السا غريّب. التحالفات والعداوات غير مفهومة. فمن ناحية يؤكد الطلاب ان الهيئات الطلابية هي هيئات سياسية بالدرجة الاولى وتعكس الحياة الحزبية الخارجية، وتراهم من ناحية اخرى يبررون تحالفاتهم التي تناقض تحالف احزابهم، بأنها مجرد تحالفات انتخابية آنية لايصال مرشح غالباً ما يكون مستقلاً. حتى الذين يُصنفون في "خط المعارضة" منقسمون على أنفسهم ومعارضتهم. ويقول جيلبير رزق رئيس خلية القاعدة الكتائبية في اليسوعية ان "الركود يطاول الجميع وليس فقط القاعدة الكتائبية. كل التيارات تعاني جموداً واضحاً وذلك لأن الدولة عرفت كيف تستغل اختلافاتنا. فوضعوا علينا مثلاً صبغة طائفية وحصرونا فيها على رغم اننا منفتحون على جميع الطوائف". وفي الاطار نفسه يقول جبر: "الطلاب منقسمون، بمن فيهم المعارضون، لأن لا خطاب موحداً على مستوى القيادات. فلننظر الى قرنة شهوان. عندما بدأت كاد الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي ان ينضم اليها! اليوم القرنة منقسمة على نفسها". ويضيف: "الكلام الذي سمعناه في المناظرة جميل، ولكنه حوار طرشان خصوصاً اذا اردنا محاورة زملائنا في الجامعات الاخرى من خلاله. لأننا متمترسون وراء افكارنا ونريد من الآخر ان يأتي الينا. لا بد من حوار معتدل لكي نكسب الاخر". الطلاب منقسمون لا يجمعهم إلا "عدو مشترك"... الاجهزة الامنية!