استبقت اسرائيل نتائج الحوار الفلسطيني الجاري في القاهرة الذي يتناول التوصل الى "هدنة" تلتزم فيها فصائل المقاومة الفلسطينية "تحييد المدنيين" من كلا الطرفين في الصراع القائم، واعلنت رفضها مثل هذه الصيغة، مطالبة بوقف شامل لعمليات المقاومة، ليس فقط داخل "الخط الاخضر"، وانما تلك الموجهة ضد قوات الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنين في الاراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967. جاء ذلك في وقت تضاربت تصريحات ممثلي الفصائل المشاركة في شأن ما سيتمخض عنه حوار القاهرة من اتفاق في ظل عدم حصولها على ضمانات اسرائيلية ملزمة. وعقب الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية أفي بازنر على الانباء التي تحدثت عن موافقة الفصائل الفلسطينية المبدئية على تحييد المدنيين الاسرائيليين في العمليات العسكرية شرط ان تتوقف اسرائيل من جانبها عن المس بالمدنيين الفلسطينيين، بالقول: "هذا غير كاف، لا يمكن وقف الارهاب بنسبة 50 في المئة. يمكنني ان اقول عندما يتوقف الارهاب بشكل كلي، وعندما ينزعون اسلحة المنظمات ويفككونها، لن تكون هناك حاجة الى اي عمل عسكري من اسرائيل". ومع وصول رئيس الحكومة الفلسطينية احمد قريع الى القاهرة مساء امس كانت هوة الخلاف ما زالت على حالها بين حركة "فتح" التي تريد بيانا واضحا من الفصائل المشاركة بوقف النار تمهيدا لاستئناف المفاوضات مع اسرائيل، وبين "حركة المقاومة الاسلامية" حماس التي تريد فقط بحث وقف الهجمات ضد المدنيين من الجانبين. واكد مسؤولون في حركة "حماس" استعدادهم لوقف العمليات العسكرية التي تستهدف المدنيين الاسرائيليين اذا ما التزمت اسرائيل بالمثل. وتتحفظ خمسة فصائل فلسطينية في شأن ان يتضمن "بيان القاهرة" اعلانا واضحا بالموافقة على وقف للنار طالما لم تحصل على موافقة اسرائيلية واضحة لا لبس فيها بوقف اعتداءاتها على الفلسطينيين. وقالت مصادر فلسطينية مطلعة ل"الحياة" ان "الهدنة المقترحة مشروطة بالتزام اسرائيلي، والا فاننا سنعيد تجربة الهدنة الاولى التي توصلت اليها الفصائل في حزيران يونيو الماضي وخرقتها اسرائيل مدعية انها ليست طرفا في هذا الاتفاق". وقال مسؤولون ان الوسطاء المصريين الذين عملوا طوال الليل مع الجانبين فشلوا في تضييق هوة الخلاف، الامر الذي القى بظلاله على امكان التوصل الى نهاية ناجحة للمحادثات. وافاد مسؤول رفيع في "فتح" ان الفصائل ستحاول وضع مسودة بيان ختامي. ونقلت وكالة "رويترز" عن ديبلوماسي عربي قوله ان "حماس ابدت مرونة في المحادثات الثنائية مع المسؤولين المصريين"، مضيفا ان الحركة "يمكن ان تقبل وقفا مشروطا للنار مع اسرائيل، لكنها تريد صدور بيان علني بهذا الموقف". وقال: "من بين الخيارات التي ستطلب من رئيس الاستخبارات المصرية عمر سليمان وابو علاء ان يتم الحصول بهدوء على ضمانات اسرائيلية لقبول هدنة يتم بعدها اصدار اعلان بوقف متبادل للنار". انسحاب ممثل "فتح" من احدى الجلسات وعلى رغم انسحاب ممثل حركة "فتح"، التنظيم الرئيس في السلطة الفلسطينية زكريا الاغا من احدى جلسات الحوار، جاء رد السلطة الفلسطينية واضحا في شأن "توحد" الموقف الفلسطيني بوجوب التوصل الى هدنة ملزمة للطرفين الفلسطيني والاسرائيلي. وقال نبيل ابو ردينة، مستشار الرئيس ياسر عرفات: "لن تكون هناك هدنة من طرف واحد. الهدنة يجب ان تكون ملزمة للطرفين أو لا هدنة على الاطلاق". تضارب في موقف "الجهاد" وفي ظل التصعيد العسكري الاسرائيلي الذي تزايد في الايام الاخيرة في ضوء جلسات الحوار في القاهرة، اصدرت كتائب "سرايا القدس"، الجناح العسكري لحركة "الجهاد الاسلامي" بيانا اكدت فيه انها "لن تلتزم أي اتفاق او نتائج حوار يتخلى عن خيار المقاومة كخيار استراتيجي قادر على انتزاع الحقوق الفلسطينية ودحر الاحتلال". واكد البيان ان "سرايا القدس" ستقوم بعمليات عسكرية انتقاما للجرائم التي ارتكبها الاحتلال الاسرائيلي في رام الله ورفح ونابلس وجنين. غير ان احد قادة الحركة في غزة الدكتور محمد الهندي، اوضح في تصريحات اعقبت نشر البيان ان حركته ستلتزم كل ما يصدر عن حوار القاهرة طالما ستوقع هذه الحركة على البيان. "الشعبية - القيادة العامة" وعلمت وكالة "أنباء الشرق الأوسط" أن "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" القيادة العامة طلبت العودة إلى العمل تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية وممارسة عضويتها فيها. وقال مصدر فلسطيني إن عضو اللجنة المركزية للجبهة السيد طلال ناجي الذي يمثلها في الحوار أجرى اتصالاً هاتفياً من القاهرة أمس مع الرئيس عرفات في رام الله نقل إليه خلاله رسالة من الأمين العام للجبهة السيد أحمد جبريل تتضمن الرغبة في عودة الجبهة إلى ممارسة عضويتها في منظمة التحرير. وأضاف أن عودة الجبهة لا تحتاج إلى موافقة أو قرار، فالجبهة عضو في المنظمة منذ تسلم الفصائل الفلسطينية مسؤولية قيادتها عام 1968 وللجبهة مقاعدها في كل من المجلس الوطني واللجنة المركزية واللجنة التنفيذية، والأمر يتطلب قرارات إجرائية لممارسة دورها في المنظمة. ماهر: الجهود مستمرة من جهة أخرى، أكد وزير الخارجية المصري أحمد ماهر أن الأمور بالنسبة الى الحوار الفلسطيني الدائر في القاهرة حالياً تسير في اتجاه طيب، وطالب بعدم التعجيل في الأمور وأن يعلن كل شيء في حينه. وعما إذا كانت هناك ضمانات لالتزام إسرائيل أي هدنة مقبلة، قال ماهر: "إن الجهود مستمرة، ومن المهم أن يسود الهدوء ويتم تجنب العنف، والكل يعرف من هو الذي بدأ العنف ومن الذي استمر فيه أثناء الهدنة السابقة". وقال ان من الطبيعي أن تكون هناك مطالبة بالتزام متبادل بوقف أعمال العنف، وهو ما تعمل مصر على أساسه ومن أجله. وأعرب عن أمله في أن تسفر هذه الجهود المصرية عن "نتائج إيجابية لمصلحة الشعب الفلسطيني الذي ذاق من ألوان العذاب ما يجب أن نضع حداً له حتى يتولى أموره بنفسه ويقيم دولته المستقلة". وأكد أن أي هدنة هي شأن يهم الجانبين وأن انعدام الهدنة ليس في مصلحة أحد. وأكد مجدداً أن وقف العنف هو أمر لمصلحة الطرفين ولصالح الأمن والاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط. وكان ماهر اجتمع أمس مع عضو الكنيست الدكتور أحمد الطيبي الذي يزور القاهرة حالياً. وصرح الطيبي بأن الهدنة يجب أن تكون مقرونة بالتزام إسرائيلي متبادل وليس فقط هدنة من طرف واحد. وأكد أن مصر تسعى الى خلق جو إيجابي مناسب يكفل ضمان نتائج أي لقاء مستقبلي بين رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون ونظيره الفلسطيني. وأشار إلى تأكيد ماهر ضرورة أن تكون هناك نتائج لمثل هذا اللقاء وبالتالي ضرورة أن يكون هناك تحضير جيد وخلق أجواء مناسبة. وأكد أن العرب في إسرائيل يؤيدون المساعي المصرية الرامية إلى إبعاد أي خطر أو أي عدوان أو أي حملة إسرائيلية أو أميركية عن سورية بصفتها دولة عربية محورية. وقال الطيبي إن هناك تغيرا في الرأي العام الإسرائيلي، لكن التغيير الجذري في السياسات لم يحدث حيث ان السياسة الشارونية لم تتغير على رغم وجود محاور عدة أربكت شارون مثل تظاهرة المئة ألف إسرائيلي، وتصريحات موشيه يعالون رئيس الأركان وتصريحات أربعة رؤساء هي لجهاز الامن الداخلي "شاباك"، ورسالة الإسرائيليين الرافضين، وكذلك "وثيقة جنيف" على رغم تحفظ العرب في إسرائيل على بعض بنودها.