تواجه السياسة النقدية في مصر اختباراً صعباً مع التغيير الذي طرأ على قيادة البنك المركزي المنوط به وضع هذه السياسة بالتوافق مع الحكومة وتحديد اولوياتها وثوابتها. وسيكون على المحافظ الجديد للمركزي فاروق العقدة في المرحلة المقبلة التحرك ازاء قضايا بالغة الاهمية للدفاع عن دور "المركزي" في الوصول الى سوق مستقرة ونشطة. وعلى رغم ان المهمة لن تكون بالأمر اليسير إلا انه يتعين على العقدة أن يكبح جماح الارتفاعات المرتقبة في اسعار صرف القطع الاخرى امام الجنيه خلال الفترة المقبلة، اضافة الى بدء طلب فعال داخل سوق النشاط التجاري لاستيعاب فوائض السيولة من جهة وزيادة معدلات نمو الانتاج المحلي. وترتبط المهمتان معاً فالاستقرار النقدي يحفز النمو ويسمح بحساب دقيق للخسائر والارباح. لكن ما يُخشى منه هو رد فعل المضاربين وفق مرونة السوق في مواجهة الازمات. ويُعد العقدة، المحسوب على المدرسة الاميركية في الادارة المصرفية، أكثر تطلعاً الى مواصلة سياسة تحرير اسعار الصرف بل وتفادي اللجوء الى الملاحقات الامنية لتجار العملة والمضاربين على اسعار الصرف، الا انه قد يضطر الى قبول منطق التضييق الأمني إذا ما تجاوز الدولار حاجر الجنيهات السبعة بعشرات من القروش مع حلول آجال تسوية الحسابات الختامية وموازنات الشركات بما ينطوي عليه ذلك من طلب زائد على العملة الاميركية، وكذلك قرب حلول موسم الحج والضغط على ارصدة النقد الاجنبي عموماً ما يمثل تحدياً بالغ الصعوبة خصوصاً وان موارد الدولة من النقد الاجنبي التي سجلت ارتفاعات ملحوظة في الشهور الثلاثة الماضية مرشحة للتراجع مع حلول آجال مدفوعات الدين العام الخارجي، التي يتوقع ان تكون في حدود 480 مليون دولار ما يعني ان محافظ المركزي الجديد ربما يبدأ ولايته مكتوف الأيدي تجاه احتمالات المضاربة إذا اقدم عليها سماسرة العملة. ويزداد الوضع صعوبة إذا استمرت الحكومة في موقفها الرافض لتنفيذ "الانتربنك" بالدولار بين المصارف المصرية عن طريق المركزي ما يجعله مُقيداً في التعامل مع فوائض بعض المصارف من النقد الاجنبي وهو ما يمثل التحدي الأكبر. وهناك تحد خاص بخلق الطلب الفعال على النشاط في الاسواق ويزداد ضغطه بدوره على العقدة بسبب الصعوبات التي تواجهها السياسة الائتمانية داخل الجهاز المصرفي التي تميل الى الانكماش والتحفظ، ما ادى الى تراجع معدلاتها كنسبة عامة الى نمو حجم الاصول والودائع داخل المصارف وهي الظاهرة التي زادت من تراجع النشاط في الاسواق وقللت من مبادرة القطاع الخاص تجاه الاستثمار، وهذا ما يؤثر في النهاية في فرص خلق طلب فعال، لان ذلك لا يتأتى في ظل هذه الاوضاع. وسيكون على العقدة إذا ما اراد التدخل في هذه القضية ان يجرؤ على فتح ملف اعادة النظر في اسعار الفائدة سواء الدائنة او المدينة، في ما يتعلق بالعائد على الودائع او اسعار الفائدة على القروض وهذا الملف وحده هو الذي يمكن في حال فتحه ان يعطي زخماً لمحاولات خلق طلب فعال وتنشيطه. ويتفق مع هذه القناعة نائب المدير العام في "البنك العربي الافريقي الدولي" احمد سليم الذي يؤكد أن انتعاش السوق وتعاملاتها الاقتصادية معلق بإعادة النظر العاجلة في هذه القضية التي تتحمل المصارف بدورها مسؤولية كبيرة عنها. ويؤكد طارق حلمي الرئيس الاقليمي لمصرف "المؤسسة العربية المصرفية" ايه بي سي مصر على أن بعض المصارف اقدم على خطوة في هذا الاتجاه وعلى المصارف الباقية ان تسير في الطريق نفسه.