يتصاعد السجال في "اتفاق جنيف" بين قيادات فلسطينية معتدلة وأخرى اسرائيلية من معسكر السلام واليسار في اسرائىل. وتختصر الاعتراضات من الفريق العربي - الفلسطيني عليه بفتحه الباب للتخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين ومن فريق التطرف ورئىس الحكومة في اسرائىل آرييل شارون بأنه يدعو الى ازالة المستوطنات التي تعوق التسوية. قد يتضمن "اتفاق جنيف" بعض الجديد عما انتهت اليه محادثات كامب ديفيد بين الرئىس الأميركي بيل كلينتون ورئىس الحكومة الاسرائىلية ايهود باراك والرئىس الفلسطيني ياسر عرفات، ثم محادثات طابا التي لم تشهد توقيعاً نظراً الى تردد باراك في الموافقة النهائىة على القدس وغيرها من المواضيع بسبب انفكاك الاكثرية الاسرائىلية من حوله في ذلك الحين. وقد يكون الجديد الذي يتضمنه اتفاق جنيف صياغة للمواضيع القليلة التي لم تكتمل في تلك المحادثات ومنها حق العودة للفلسطينيين. وهي صياغة لا تلزم المفاوض الفلسطيني في كل الاحوال، لكنها تكرس مقولة ان اي مفاوضات فلسطينية - اسرائىلية ستنطلق مما انتهت اليه محادثات كامب ديفيد وطابا في العام الفين. الى هذا الحد تبقى وظيفة هذا الاتفاق نظرية اعلامية ونفسية، والتأييد الذي يلقاه من اطراف دولية حتى من وزير الخارجية الأميركي كولن باول في صراعه مع الجناح المتشدد في دعم شارون في واشنطن يريده لاثارة نقاش داخل اسرائىل يعيد الى الواجهة امكان اعطاء فرصة للعملية السياسية مقابل فشل العملية الأمنية التي يقودها رئىس الحكومة الاسرائيلية التي اخذت تسبب تململاً لدى بعض الرأي العام والنخب العسكرية والسياسية... لا أوهام بالمراهنة على أي تسوية، على قاعدة هذا "الاتفاق". فمثلما اعتبر الاميركيون وسائر الدول الاوروبية ان وظيفة "خريطة الطريق" بعد الافراج عنها في أيار مايو الماضي كانت ابقاء الأمل بعملية السلام حياً، من دون توقع إحياء حقيقي للعملية السياسية، فإن ما نشرته "الحياة" الاثنين الماضي نقلاً عن مستشارة البيت الابيض للأمن القومي كوندوليسا رايس لنظراء اوروبيين لها عن ان "الاولوية لنشر الديموقراطية في الشرق الاوسط ومن ثم يأتي حل الصراع العربي - الاسرائىلي" لا يضيف جديداً الى سياسة الادارة الحالية اهمال الحل السياسي للقضية الفلسطينية. وجاء ذلك في سياق شرحها لأفكار جديدة توقعت ان يعلنها بوش قريباً من أجل "الشرق الاوسط الأوسع" الذي تخطط واشنطن لنشر الديموقراطية فيه... كيف يمكن الأمل بحل للقضية الفلسطينية في ظل إمعان حكام واشنطن في السياسة التي أطلقوها، المرتكزة الى اعادة صياغة الشرق الاوسط بالقوة تحدثت رايس عن اشراك الناتو في اعادة الصياغة هذه على رغم الصعوبات التي تواجههم في العراق؟ ويسعى الفرقاء العرب الذين يخضعون، كل حسب ظروفه، لضغوط هذه السياسة الاميركية الى "الانحناء امام العاصفة" الهوجاء المستمرة، والهادفة الى تقويض استقرار كل دولة باستفرادها. اتفاق جنيف قد يأتي في هذا السياق اضافة الى انه رسالة الى الرأي العام الاميركي بأن هناك غير شارون مستعد للسلام. وحديث الرئىس السوري بشار الأسد الى "نيويورك تايمز" بدعوة واشنطن الى بذل جهودها لاستئناف مفاوضات السلام بما فيها على المسار السوري، يأتي في هذا السياق أيضاً، فضلاً عن انه يخاطب الرأي العام الاميركي، لعل يعلق في ذهنه ان ما روّجه اللوبي الاسرائىلي ضد دمشق ليس صحيحاً... وقد نشهد مبادرات عربية أخرى من هذا النوع، حتى الانتخابات الرئاسية الاميركية بعد اقل من سنة. والهدف تجنب المزيد من الشر الاميركي، الذي ما زال القادة الاوروبيون يتخوفون من توسعه... بدل انحساره.