وجدت حماس غير متحمسة لهدنة جديدة، ووجدت الجهاد الاسلامي في مثل موقفها. المقاومة الإسلامية تقول ان جورج بوش يواجه أزمة، وان آرييل شارون يواجه أزمة، أما المقاومة فتواجه معاناة، وفي حين أن المعاناة شديدة، إلا أن قادة المقاومة الإسلامية يعتقدون ان خياراتهم أوسع وأرحب من الخيارات الأميركية والاسرائيلية. الرئيس الأميركي يريد تهدئة الوضع حتى ما بعد الانتخابات الأميركية، بسبب مشكلات الاحتلال في العراق، ومن دون أن يعد بشيء، فهو يقول تعالوا في سنة 2005. أما شارون فعليه ضغوط أمنية واقتصادية، ومعها مبادرات من المعارضة للسلام تفضح عدم وجود أفكار للحل مع الفلسطينيين عنده. الأخ خالد مشعل قال لي ان الأخوان المصريين اقترحوا ان تدرس القيادات الفلسطينية في القاهرة البرنامج السياسي والتحرك المطلوب، والمشاركة في القرار، وفي حين أن حديث الهدنة متوقع، إلا أن حماس ليس عندها قرار مسبق بهدنة وإنما تحرص على إنجاح الحوار. أما الدكتور رمضان شلّح فذكرني بالهدنة السابقة التي دمرها شارون، وقال لي انني سمعت أبو مازن يقول ان الاخوان ويقصد حماس والجهاد "حلبوا صافي"، غير ان حكومة شارون ارتكبت خروقات يومية حتى انهارت الهدنة نهائياً بعد 59 يوماً. والمقاومة الاسلامية اليوم لا تثق اطلاقاً بوعود شارون او نياته وليست مستعدة لمساعدته على الخروج من الوضع الصعب الذي وضع نفسه فيه، مع معارضة ضباط وجنود وقادة أمن سابقين سياسته وتمردهم عليها، ومع شعور الاسرائيليين بأن المعارضة تحاول ايجاد حل في حين أن شارون لا يزال مصراً على حسم عسكري لن يتحقق. وكان رئيس الأركان إيغال يعالون قال في بداية 2003 انها ستكون سنة الحسم العسكري، إلا أن السنة انتهت من دون حسم، ومن دون أمن لإسرائيل. حماس والجهاد تقولان انهما لا تفكران في هدنة الآن، لأن الهدنة ستعتبر خطوة أولى نحو تنفيذ "خريطة الطريق" التي تعارضها المقاومة الاسلامية، كما تعارض وثيقة بيلين. وسمعت من الاخوان في المقاومة الاسلامية ان وثيقة جنيف لا تتحدث عن سيادة فلسطينية، بل تتلاعب في وضع المستوطنات، وتتحدث عن وجود عسكري اسرائيلي على نهر الأردن، وعلى المعابر وقت الحاجة، ثم ان الوثيقة تعطي اليهود حقوقاً في الحرم الشريف، وهذا ما يستحيل ان تقبل به الفصائل الاسلامية. وذكّرني الاخوان بأنهم قبلوا الهدنة الأولى، من دون أن يُهزموا عسكرياً أو يخضعوا لضغط اسرائيلي أو أميركي، وإنما كان السبب منع تفجر الوضع الفلسطيني الداخلي، والحؤول دون خلافات فلسطينية - فلسطينية تستفيد منها اسرائيل وحدها. وذكّروني أيضاً بموضوع الأسرى وقالوا ان بعضهم حكم عليه بالسجن المؤبد عشر مرات أو عشرين أو أكثر، ما يعني أن يقضي في السجن أربعمئة سنة أو نحوها، والمقاومة لن تدير ظهرها لرجالها في السجون، وسيكون الافراج عنهم طلباً أساسياً في أي مفاوضات. قال الاخوان ان النضال الفلسطيني يعمل في مجالين، أحدهما سياسي، والآخر المقاومة المسلحة. وقد فشلت الجهود السياسية، ولم يبق سوى المقاومة وسيلة لتحقيق الهدف الوطني. وتنفيذ العمليات مربوط بالقدرة فقط، وهو متروك للجناح العسكري، لكل فصيل، في الميدان. ولم يستثن الاخوان العمليات الانتحارية من بين أنواع المقاومة المسلحة على رغم انني رجوتهم تكراراً ان يوقفوا هذه العمليات ولا أزال أفعل. وهم ردوا بأنهم عندما أوقفوا جميع العمليات العسكرية بموجب الهدنة الأولى رد شارون باغتيالات واجتياحات وخروقات يومية حتى اضطرت المقاومة الى الرد. والآن؟ الآن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، والمقاومة الاسلامية تقول انها لا تقبل أن تقول الادارة الاميركية للفلسطينيين، وبقية العرب، ان افعلوا المتوجب عليكم واحكوا معي بعد تشرين الثاني نوفمبر من السنة المقبلة. وقادة المقاومة الاسلامية لا يعتقدون ان جورج بوش سيكون أفضل في ولاية ثانية، بل سيكون أسوأ بكثير، وسيزيد تأييده لشارون شخصياً، لفرض هزيمة عسكرية على الفلسطينيين يستحيل تحقيقها. أما شارون فكان أكبر نقطة ضعف في الهدنة الأولى ان الجانب الفلسطيني لم يلزمه بشيء، فكان ان نفذ خطة مرسومة لتدمير الهدنة، ويبدو حتى الآن ان شارون لا يزال يعتقد انه يستطيع طلب هدنة جديدة من دون أن يلتزم بشيء، إلا أن المقاومة الاسلامية لن تلعب هذه اللعبة، وهي مرتاحة الى موقف أبو العلاء في طلب تعهدات، على رغم انها في نهاية المطاف لا تثق بنيات شارون أو وعوده، وتسجل ان ادارة بوش لم تفعل شيئاً لردعه وهو يدمر الهدنة الأولى. كنت كتبت مع الهدنة الأولى انها لن تتحقق، وإذا اتفق عليها فلن تستمر، والهدنة الجديدة لن تقوم ناهيك عن ان تستمر. غير انني أريد أن أختتم بفكرة سمعتها من بعض أركان المقاومة هي ان ادارة بوش تعرف مكان وجود أسامة بن لادن والملا عمر وصدام حسين، وانها تخطط لقتل هذا أو ذاك قبل أسابيع من انتخابات الرئاسة الأميركية في أول ثلثاء من تشرين الأول اكتوبر المقبل، وتحيط ذلك بوهج اعلامي فيفوز جورج بوش بولاية ثانية. هذا موضوع ليس لي به علم كبير، فما أعرف يقيناً هو أن المقاومة الإسلامية غير متحمسة لهدنة ثانية.