في ظاهرة لافتة تتوشح بغداد كما مدن العراق الأخرى، بيافطات سوداء وبعضها رمادية او زرقاء باهتة يتوسطها لون ابيض او اصفر أحياناً للإعلان عن مواطنين فارقوا الحياة. وتعود ظاهرة انتشار هذه اليافطات التي تُعلق عادة على واجهات المساجد والجوامع والكنائس وعلى جدران المنازل المحاذية للطرق والساحات العامة وجذوع النخيل والشجر الذي ينتشر بكثافة، إلى العام 1994... حين منع صدام حسين تداول أنباء الوفيات في جميع الصحف العراقية. وجاء ذلك اثر نشر صحيفة الجمهورية الحكومية إعلاناً في نعي الشيخ حسن السهيل، السياسي المعارض الذي اغتالته استخبارات النظام السابق في بيروت. ومنذ ذلك الوقت اضطر العراقيون إلى اللجوء إلى وضع اليافطات السوداء على جدران المباني للإعلان عن أسماء المتوفين ومكان إقامة العزاء وتاريخ الوفاة، والتي انتشرت في شكل كثيف عقب سقوط نظام صدام، لاكتشاف عدد كبير من المقابر الجماعية واعداد من المغيبين في سجون النظام الذين لم يجد ذووهم أي اثر لهم لا في السجون ولا في المقابر الجماعية مما حدا بهم الى إعلان وفاتهم من خلال اليافطات واقامة مجالس العزاء. ويقترن اللون الأسود في ذاكرة العراقيين، بالحزن والألم والأسى بسبب الأعداد الغفيرة للشهداء والمعدومين وعدد القتلى الهائل الذي تصاعد بسبب الحروب التي خاضها النظام السابق ضد جيرانه. وزيادة عدد اليافطات التي تعلن عن وفاة الناس على الجدران باستمرار، توحي وتعلن للمجتمع أن الناس يموتون من دون مبالاة! ويقول المهندس وليد جميل في أمانة بغداد انه لا يوجد قانون محدد يمنع تعليق هذه اليافطات على الجدران، ويعتقد ان المواطن اعتاد عليها مما تسبب في انتشارها، مشيراً الى ان دائرته تدرس إمكان التخفيف منها او حصرها في أماكن محددة. وتوفر الصحف العراقية التي انتشرت بكثرة في أعقاب تغيير النظام حرية نشر الإعلان عن الوفاة، لكن أسعار نشرها ما زالت مرتفعة نسبياً، كما يقول مدير قسم الإعلان في جريدة "الزمان" كاظم الدوحي موضحاً "ان أجور الإعلان في الجريدة ثابتة ومقدارها 1500 دينار أي ما يعادل 75 سنتاً أميركياً للسنتمتر الواحد، الأمر الذي لا يمكن إلا الطبقات الميسورة من ترتيب ذلك. أما الأشخاص غير القادرين على دفع أجور الإعلان، فيلجأون إلى اليافطات السود التي تراوح كلفتها بين 4 و5 آلاف دينار بين دولارين ودولارين ونصف الدولار. واللافت انه مضى على تعليق بعض هذه اليافطات سنوات طويلة من دون ان ترفع، واقدمها قطعة قماش سوداء تنعي شاباً علقت على جدار منزل في حي الأمين جنوبي شرقي بغداد، ويعود تاريخها إلى عام 1983 وتذكر انه استشهد في قاطع عمليات البصرة إبان سني الحرب العراقية - الإيرانية 1980 - 1988.