آخر النهار، تقريباً، انتبه عبدالخالق من نومه من دون أن يفتح عينيه. وظل مستلقياً على الكنبة تحت النافذة بستارتها الخفيفة المدلاة... ستارتها التي تتحرك قليلاً من هواء مروحة السقف البطيئة البيضاء. عبدالخالق وحيد في الصالة شبه المعتمة. غير قادر على تذكر حلمه. إنه يفكر، وهو ما زال مغمض العينين، ان الناس الذين يعرفهم يتذكرون أحلامهم ويحكونها وهو، منذ سنوات، يظل مسترخياً بعد الصحو على مشهد، أوجه، لا يلبث أن ينطفئ هو الآخر ولا يبقى له شيء. عبدالخالق يعتدل متكاسلاً وينزل قدميه على الكليم المفروش ويريح ظهره إلى المسند الملاصق للجدار، يتمطى، ويفكر أنه سيقوم بعد قليل، يغتسل، ويرتدي ثيابه ويذهب إلى المقهى حتى نهاية السهرة. عند عودته سيمر على الفرن يشترى كيلو من العيش السن ثم يتجه إلى حسن البقال يأخذ دخاناً وجبناً أبيض وزبادي. لا بد أيضاً من أن يشتري عبوة من المبيد لأنه لمح صرصاراً دقيقاً يجري وراء علبة البن المركونة. لو تهاون، تتكاثر، وتصبح مشكلة. لا بد من أن يسجل ما يريده على ورقة اليوم من نتيجة الحائط المعلقة، وبحث بعينيه عن فردة الشبشب الأخرى وحانت منه نظرة إلى قدميه الحافيتين وهو يمدها أمامه على الكليم ولاحظ كأن قدمه اليمنى تسبق اليسرى قليلاً. عبدالخالق مد ساقيه على آخرهما وهو يثبت كعبيه ويضم قدميه. كانت اليمنى أطول من اليسرى. قام واقفاً وشعر أن وقفته ليست مريحة كما كانت عليه من قبل. حينئذ خلع بنطلون البيجامة وجلس مرة أخرى ومد ساقيه العاريتين أمامه وقرب بينهما. لا شك في أن اليمنى صارت أطول من اليسرى فعلاً. راح يدعك فخذيه ويضغط عليهما من أعلى إلى أسفل ويستشعر العظم تحت اللحم العاري ويجده سليماً كما يجد أن الضغط، ما دام في الحدود المعقولة، لا يؤلمه في شيء. عبدالخالق فكر في هؤلاء الذين يمكن أن يفاتحهم في هذا الموضوع، ولكن خاطره لم يسعفه لكي يجد بين معارفه الكثيرين صديقاً واحداً يمكنه أن يسر له باطمئنان أن ساقه اليمنى صارت أطول من اليسرى، لكي يسمع رأيه في هذا الأمر، ويفهم. وهو قام واقفاً ليجرب نفسه بأن مشي حتى دورة المياه وعاد، فعل ذلك بإحساس إنسان عنده ساق أطول من الأخرى. ولم يضيع وقتاً. اتجه من فوره إلى حجرة النوم وأضاء النور وارتدى البنطلون وهو يستند بظهره إلى الدولاب. أغلق هذا البنطلون جيداً على سرواله الطويل وفانلته الداخلية ذات الأكمام وعاد إلى الصالة. جلس وارتدى الحذاء وربطه بعناية، ثم وقف مستقيماً، ومال ينظر إلى أسفل. كانت رجل البنطلون مضبوطة على سطح قدمه اليمنى، بينما الرجل الأخرى بها ثنية زائدة على سطح قدمه اليسرى. عبدالخالق خلع البنطلون وطواه وقاس طول رجليه إلى بعضهما وجذبهما حتى آخرهما ووجدهما متساويتين تماماً. عبدالخالق جلس وفكر بطريقة مختلفة. بعد وقت غير طويل شعر بما يشبه الرضاء، لأنه فهم أن ساقه اليمنى لم تصبح أطول من اليسرى كما كان يظن في الأول. بل أن اليسرى هي التي صارت أقصر من اليمنى.