حققت موسيقى عمر خيرت انتشاراً مهماً وأسهمت في تحويل ذوق المستمع العربي الى الموسيقى الخالصة بعد أن كان متوجهاً فقط الى الأغنية والكلمة المغناة. "الحياة" حاورته عن فنه، واستهل حديثه عن نشأته فقال: "كان عمري 5 سنوات عندما بدأت العزف على البيانو، وشجعني وجودي في أسرة موسيقية على الالتحاق بمعهد الكونسرفتوار وكنت ضمن أول دفعة تخرجت منه. وبلا شك كان عمي الموسيقار ابو بكر خيرت الذي درس الموسيقى في اوروبا وألف أول قطعة موسيقية وعمره 10 سنوات وهو موسيقار عالمي، صاحب تأثير كبير فيّ، فهو استاذي ومثلي الاعلى، كما أن كثيرين تأثروا به خصوصاً انه انشأ معهد الكونسرفتوار وأسهم في إنشاء أكاديمية الفنون". كيف اثرت دراستك الأكاديمية في موهبتك؟ - لدي قناعة راسخة بأن موهبة موسيقية بلا دراسة اكاديمية لا تساوي شيئاً فلا يوجد موسيقار يستحق هذا اللقب من دون ان يكون دارساً الموسيقى لأن الموسيقى فن له أصول وقواعد. إدمان اللون الواحد ألم تجد صعوبة في تقبل الجمهور العربي لموسيقاك وهو الذي اعتاد على الاغنية ولا يهوى الموسيقى الخالصة؟ - عندما كنت صغيراً اكتشفت موهبتي في التأليف الموسيقي وساعدني على ذلك استاذ البيانو المايسترو الايطالي كارو الذي كان رئيساً لقسم البيانو في معهد الكونسرفتوار، ووجهني لدراسة التأليف الموسيقي، والمستمع العربي الذي أدمن لوناً واحداً من الموسيقى هو الاغنية كان صعباً جداً عليّ أن أجعله يستمع الى الموسيقى فقط من دون غناء، لذلك حاولت ان أقدم موسيقى تطريبية فيها الخط اللحني الذي يميز الاغنية والأصوات الموسيقية المتعددة. ومن خلال هذا المزج استطعت أن أوجد جمهوراً للموسيقى الخالصة وقدمت عدداً كبيراً من الألبومات الموسيقية الخالصة من دون غناء وحققت هذه الألبومات نجاحاً. هل تكمل الرسالة التي بدأها عمك الموسيقار ابو بكر خيرت؟ - طبعاً عمي عاش حياته كلها يتمنى أن يجعل المستمع العربي يتذوق الموسيقى الخالصة ويستمتع بها وأعتقد أنه هو الذي وضع أساس البناء في هذا الاتجاه من خلال مؤلفاته الموسيقية الكثيرة التي استمع اليها العالم شرقاً وغرباً. أنت من أشهر العازفين على البيانو في العالم العربي ما هي أهمية البيانو لمؤلف الموسيقى؟ - لا غنى للمؤلف الموسيقي عن البيانو، وكل المؤلفين الموسيقيين العظماء كانوا في الاصل عازفي بيانو، فالبيانو هو الآلة الأم للآلات كلها ومن خلاله يلعب الموسيقار على كل الأصوات. التطور مع العصر من خلال متابعة ما يحدث في ساحة الغناء العربي حالياً، ألا ترى أن الحال العامة ليست على المستوى المطلوب وان هناك انحداراً؟ - نحن كأمة ما زلنا نعتز بتراثنا الموسيقي وكان من المفروض ان نعتبر ان هذا التراث هو الأساس الذي سنبني عليه ونطوره، لكن ما حدث هو ان الاجيال الحالية على مستوى الموسيقى والغناء ليست لديها خلفية موسيقية كاملة عن هذا التراث ولا تدرك أبعاده بل إن بعضهم يرفضه بدعوى انه لا يناسب العصر وهذا قمة الخطأ. ومن أهم أسباب المرحلة الانتقالية التي تمر بها حركة الغناء العربي أنها انفصلت عن تراثها على رغم أن من الممكن جداً أن أقدم الجديد الذي يناسب العصر من خلال تراثي الغنائي. وأين دور كبار الموسيقيين؟ - من جانبي أحاول التطوير بما يناسب العصر من خلال التراث، وقدمت ألبومين "وهابيات 1 و2" اعدت فيهما توزيع اغاني عبدالوهاب القديمة بما يناسب الحال مع المحافظة على روح الموسيقى واللحن في هذه الاغاني لأنها تراث يجب المحافظة عليه، ايضاً أحاول تقديم الموسيقى المعاصرة من دون التخلي عن تراثنا الشرقي، فالذي ليس له قديم ليس له جديد، لكن مشكلة الاجيال الحالية، كما ذكرت، انها تفتقد لاستيعاب القديم. ما أشهر ألبوماتك؟ - انها تتجاوز 12 ألبوماً نجحت جميعها كما ذكرت ومنها "وهابيات 1 و2" و"ليلة القبض على فاطمة" و"وطنيات" و"المرأة المصرية" و"حبايب" و"لقاء آخر". من وجهة نظرك ما هي البداية الحقيقية للأغنية العربية؟ - اعتقد أن البداية الحقيقية كانت من خلال أم كلثوم وعبدالوهاب وألحان السنباطي وزكريا احمد والقصبجي وغيرهم من القمم. وهل خدم الغناء القصيدة الشعرية؟ - هذا اكيد بدليل اننا نجد أنصاف المتعلمين، بل وغير المتعلمين يرددون قصائد شوقي وحافظ ابراهيم وابراهيم ناجي ونزار قباني وهذا بلا شك يُعد نجاحاً هائلاً لما كتبوه من قصائد ساعد في انتشارها انها أصبحت مغناة. كثر الحديث عن الوصول الى العالمية فكيف تصل موسيقانا اليها؟ - العالمية، من وجهة نظري، نصل اليها من خلال ألحان وموسيقى شديدة المحلية شديدة التميز مشبعة بالجوانب الاكاديمية، ولو فعلنا ذلك بصدق فإن موسيقانا ستكون لها شخصيتها التي تجذب المستمع في أماكن كثيرة من العالم. اهتممت في الفترة الأخيرة بوضع الموسيقى التصويرية للاعمال الدرامية، فهل وجدت نفسك في هذا الجانب؟ - هذا المجال يسعدني كثيراً واجد متعة عندما اشارك بموسيقاي في توصيل معاني ومشاعر انسانية من خلال العمل الدرامي الى المتلقي، فالموسيقى التصويرية اصبحت جزءاً مهماً ورئيساً من العمل الدرامي وكل مخرجي العالم المتميزين سواء في السينما أو في التلفزيون يعقدون جلسات عمل مكثفة مع المؤلف الموسيقي لايمانهم الشديد بأهمية الموسيقى في اعمالهم الدرامية. قدمت موسيقى أفلام ناجحة مثل "الارهابي"، "ليلة القبض على فاطمة"، "النوم في العسل" وغيرها، هل يمكن ان ترفض وضع الموسيقى لفيلم لا يعجبك مستواه الفني؟ - حدث هذا كثيراً واعتذرت من دون أن احرج مخرج العمل او المسؤولين عنه. كيف تقوم تعاونك مع المخرج يوسف شاهين؟ - قدمت موسيقى اكثر من فيلم لشاهين وأرتاح جداً للعمل معه، فهو الى جانب كونه مخرجاً سينمائياً متميزاً وعالمياً فهو ايضاً صاحب حس موسيقي رائع، وفي فيلمه "سكوت هنصور" الذي وضعت موسيقاه وضع شاهين نفسه لحن اغنية قدمتها لطيفة بطلة الفيلم وقمت بتوزيع اللحن واعجبت به جداً وأنا لا أتفق مع الكثيرين الذين يرون أن العمل مع شاهين متعب ومرهق، بل على العكس هو ممتع للغاية بدليل ان كل الذين يعملون معه يحبون تكرار التجربة. ما الاصوات التي ترتاح وانت تقدم ألحانك لها؟ - انا مقل في تلحين الاغاني لانني اعتبر نفسي مؤلفاً موسيقياً في المقام الأول، لكنني اعتز كثيراً بألحاني لمحمد منير وعلي الحجار ولطيفة وانغام. كما تأثرت بعمك ابو بكر خيرت فهل تأثر أولادك بك وورثوا موهبتك؟ - لدي بنت وصبي، شيرين عمرها 24 عاماً وعمر 17 عاماً، والاثنان يعزفان على البيانو، لكن علاقتهما بالموسيقى لا تتعدى التذوق، ولهما مواهب في أمور أخرى، فشيرين درست المسرح وعمر يريد أن يكون مخرجاً سينمائياً ولم أحاول ان أفرض عليهما شيئاً لا يريدانه أو أقف ضد ميولهما.