سيدخل كوفي أنان الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، تاريخ هذه المنظمة الدولية باعتباره احد الأمناء الذين حرصوا على ان يعكسوا بدقة توازنات النظام الدوي الذي عاشوا فيه، وألا يتحدوا تلك التوازنات، أو يقدموا بأي عمل يشتبه في انه منحاز الى ميثاق الأممالمتحدة على حساب تلك التوازنات، فالأمين العام للأمم المتحدة يعرف أن العالم يمر بمرحلة القطبية الأحادية المتمثلة في هيئة القوة العظمى الأحادية الأميركية، وهو يفعل كل ما في وسعه للتوافق مع هذه الحقيقة حتى ولو كان ذلك على حساب قرارات المنظمة الدولية ووظائفها، ولذلك فإنه ليس مستغرباً أن تعلن الولاياتالمتحدة مبكراً ترحيبها بإعادة تعيين أنان أميناً عاماً للأمم المتحدة، بينما خاضت حرباً ضروساً لمنع إعادة تعيين بطرس غالي الأمين العام السابق بعد أن تحدى إرادتها ونشر تقارير قوة المراقبة الدولية في جنوبي لبنان، والتي تثبت أن إسرائيل تعمدت قصف معسكر الأممالمتحدة في قانا الذي احتمى به المدنيون اللبنانيون. وفي خلال الشهرين الماضيين طبق كوفي أنان هذا النمط من السلوك على تعاملاته مع قضيتي كشمير وفلسطين فما الذي حدث؟ في خلال شهر آذار مارس قام كوفي أنان بزيارة لباكستانوالهند، وفي باكستان قال إن قرار مجلس الأمن الخاص بإجراء استفتاء في كشمير لم يعد قابلاً للتطبيق لأن الموقف تغير بشكل كبير، وليس هناك اتفاق بين الاطراف المعنية على تنفيذه، اضافة ان هذا القرار "هو قرار مهم ولكنه ليس ملزماً في حد ذاته"، وأوضح ان على باكستانوالهند أن تسويا قضية كشمير طبقاً لإعلان لاهور الصادر سنة 1999 بدلاً من قرار مجلس الأمن الصادر في 1948. واضاف ان الأممالمتحدة ليس لها دور تدخلي في قضية كشمير. إذ ان القضية من وجهة نظره يتم تناولها في التصنيف الخاص وتلك المنازعات التي لا تملك الأممالمتحدة تفويضاً بالتدخل فيها، بينما تندرج قضية تيمور الشرقية تحت تصنيف المنازعات التي يجب على الأممالمتحدة التدخل فيها. وبذلك أعلن أنان من طرف واحد أن القرار الرقم 47 الصادر سنة 1948 بشأن إجراء استفتاء حول مستقبل كشمير لم يعد ملزماً، وهو تصريح تنبع خطورته من أنه صدر من جانب الأمين العام الذي تدور وظيفته حول السهر على تعليق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة. وتمسك في الوقت نفسه بإعلان لاهور الذي لم يصدر عن الأممالمتحدة، كذلك فإن قرار مجلس الأمن لا يلغية الا قرار اخر لمجلس الأمن تماماً كما حدث في قرار الجمعية العامة الصادرة سنة 1974 باعتبار الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية. فالقرار ظل سارياً حتى ألغته الجمعية العامة ذاتها. وهذه بديهية يعلمها الأمين العام بالتأكيد. واخيراً فقد صنف الأمين العام المنازعات الدولية الى منازعات يحق للأمم المتحدة التدخل فيها مثل تيمور الشرقية واخرى لا يحق للأمم المتحدة التدخل فيها مثل كشمير رغم وجود قرارات من الأممالمتحدة بشأنها. وربما كان أنان يقصد أن قرار مجلس الأمن الرقم 47 الخاص بكشمير لم يصدر في إطار الفصل السابع من الميثاق ومن ثم فإنه لا توجد جزاءات على عدم تطبيقه. ولكن هذه الحجة لا تنهض على قدمين، لأن كون عدم وجود جزاءات لا يعني ان مجلس الأمن ليس ملتزماً بالسعي الى تنفيذ قراره. كل ما في الامر هو انه لا توجد جزاءات تترتب على عدم احترام احد الأطراف للقرار، والا فإن كل قرارات مجلس الأمن الصادرة خارج إطار الفصل السابع هي مجرد توصيات لا حجية لها ويعتمد تنفيذها على قبول الطرفين. ولعله يكون من المهم ان نعرف لماذا يصدر مجلس الأمن قرارات معينة في اطار الفصل السابع مثل كل القرارات المتعلقة بالعراق، ويصدر قرارات اخرى متعلقة بالفصل السادس مثل قرارات كشمير والصراع العربي - الإسرائيلي. ومن المعروف أن مجلس الأمن أصدر القرار الرقم 47 في 21 نيسان ابريل سنة 1948 يتعلق بإجراء استفتاء في كشمير لتقرير مصير الولاية ولم ينفذ القرار حتى الآن رغم أنه كان مقدماً من الولاياتالمتحدة وبريطانيا والصين، وبلجيكا وكولومبيا وكندا. ومازالت باكستان تعتبر ان قرار مجلس الأمن هو الإطار القانوني الوحيد لحل قضية كشمير، وترى ان صدور إعلاني سيملا ولاهور لا يلغي ذلك القرار. وأتت تصريحات كوفي أنان المتعلقة بكشمير في سياق التحولات التي تشهدها السياسة الأميركية تجاه الهندوباكستان في العامين الأخيرين. فبينما تحدث الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون في خطابه امام الجمعية العامة سنة 1993 مشيراً الى كشمير باعتبارها أحدث قضايا ما بعد الحرب الباردة، فإنه مع نهاية رئاسته شرع في تغيير دقة السياسة الأميركية نحو بناء تفاهم استراتيجي مع الهند في إطار سياسة احتواء الصين من ناحية، وحركة "طالبان" الافغانية من ناحية اخرى، وهو ما تمثل في زيارته للهند سنة 2000. ورغم أنه قام بزيارة لباكستان الا انها كانت زيارة محدودة اقتصرت على تحذير هذا البلد من دعم المقاتلين الكشميريين. وفي العام ذاته قام فاغباي، رئيس وزراء الهند، بزيارة للولايات المتحدة كذلك فإن الولاياتالمتحدة لم تعد تتحدث عن كشمير باعتبارها احدى قضايا ما بعد الحرب الباردة ومن ثم فإن الأمين العام استشعر البوصلة الأميركية واصدر تصريحاته متوافقاً معها. ومن ناحيتها فإن الهند تؤكد بدورها عدم سريان قرار مجلس الأمن الصادر سنة 1948 بخصوص كشمير، ولذلك لم يكن غريباً ان تلقى تصريحات أنان ترحيب المسؤولين الهنود، واستنكار المسؤولين الباكستانيين الذين أدهشهم أن يدافع الأمين العام عن تدخل الأممالمتحدة في تيمور الشرقية ورفضها التدخل في كشمير، وهو ما أسهم في إذكاء التوتر بين الدولتين. بل إن بعض الصحف الهندية دعت الى انتهاز فرصة صدور تصريحات أنان لإعلان إلغاء قضية كشمير نهائياً. وربما كان من الأنسب للأمين العام أن يعرض وساطته بين الدولتين للسعي الى تطبيق القرار الصادر من المنظمة الدولية التي يمثلها، وأن يقترح الآليات التي تكفل تطبيقه ليس فقط لحل النزاع المزمن ولكن لتأكيد دور الأممالمتحدة في تسوية المنازعات الدولية. إن تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بشأن قرار مجلس الأمن الصادر سنة 1948 بخصوص كشمير، لا بد أن تثير قلق الدول العربية لأنها مؤشر على احتمال أن يصدر أنان تصريحات مماثلة بخصوص قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة الخاصة بالمشكلة الفلسطينية، وبالذات القرار القرم 242 الصادر من مجلس الأمن وقرار الجمعية العامة الرقم 193 بخصوص عودة اللاجئين، خصوصاً أن قرار مجلس الأمن الرقم 242 لم يصدر ايضاً في إطار الفصل السابع من الميثاق، وهناك من المؤشرات ما يدل على أن ذلك أمر محتمل. فقد قدم كوفي أنان تقريرين الى مجلس الأمن في 24 نيسان ابريل الماضي بشأن سبل حماية المدنيين اثناء الصراعات المسلحة وتجاهل الإشارة الى حماية المدنيين الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي رغم أنه يعلم أنه مطلب عربي، بل إنه تجاهل الاشارة الى القضية الفلسطينية برمتها مما كان محل انتقاد السفراء العرب المعتمدين لدى الأممالمتحدة. ومن ثم فإن من واجب الدول العربية مع بدء حملة إعادة ترشيح كوفي أنان للمنصب أن تقوم بحملة ديبلوماسية وإعلامية دولية على مستويات عدة. المستوى الأول هو طرح تصريحات أنان على الرأي العام العالمي لبيان مدى توافقها مع ميثاق الأممالمتحدة ومدى اختصاص الأمين العام في إصدار تلك التصريحات. والمستوى الثاني إثارة القضية في الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن بهدف نقل رسالة الى الأمين العام والدول الأعضاء في الأممالمتحدة بأن الدول العربية لن تتسامح مع محاولة إلغاء دور الأممالمتحدة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. * كاتب مصري.