مئوية السعودية تقترب.. قيادة أوفت بما وعدت.. وشعب قَبِل تحديات التحديث    «الأمم المتحدة»: السعودية تتصدر دول «G20» في نمو أعداد السياح والإيرادات الدولية    279,000 وظيفة مباشرة يخلقها «الطيران» في 2030    «ميترو قول» يواصل صدارة هدافي روشن    في كأس الملك.. الوحدة والأخدود يواجهان الفيصلي والعربي    «التعليم»: منع بيع 30 صنفاً غذائياً في المقاصف المدرسية    وداعاً فصل الصيف.. أهلا بالخريف    دام عزك يا وطن    بأكبر جدارية لتقدير المعلمين.. جدة تستعد لدخول موسوعة غينيس    اكتشاف فصيلة دم جديدة بعد 50 عاماً من الغموض    لا تتهاون.. الإمساك مؤشر خطير للأزمات القلبية    الابتكار يدعم الاقتصاد    نوابغ المستقبل.. مبرران للفخر    قيادة وريادة    تعزيز أداء القادة الماليين في القطاع الحكومي    «الخواجات» والاندماج في المجتمع    لعبة الاستعمار الجديد.. !    «متحالفون من أجل إنقاذ السودان» تطالب بحماية المدنيين ووقف الهجمات في الفاشر    فأر يجبر طائرة على الهبوط    حل لغز الصوت القادم من أعمق خندق بالمحيطات    نسخة سينمائية من «يوتيوب» بأجهزة التلفزيون    يوم مجيد لوطن جميل    أحلامنا مشروع وطن    وزير الخارجية ونظيره الجزائري يبحثان تطورات الأوضاع في غزة    أمر ملكي باعتماد النظام الأساسي لمؤسسة الملك سلمان غير الربحية.. خادم الحرمين الشريفين: نهجنا الدائم الاستثمار في الإنسان وتنمية ثقافته واعتزازه بهويته    هنأت رئيسي مالطا وأرمينيا وحاكم بيليز.. القيادة تعزي ملك البحرين    خيسوس: المستوى الذي وصلنا له صعب على أي فريق أن يتغلب علينا.. والهلال بحاجة ملعب خاص به    «سلام الخير» يهدي «عذبة» كأس الطائف    بايرن يحكم قبضته على الصدارة    القيادة تعزي ملك البحرين في وفاة الشيخ خالد بن محمد بن إبراهيم آل خليفة    نائب أمير الشرقية يشيد بمضامين الخطاب الملكي السنوي    مركز الملك سلمان: 300 وحدة سكنية لمتضرري الزلزال في سوريا    ضبط 22716 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    فلكياً.. اليوم آخر أيام فصل الصيف    "الداخلية" توضح محظورات استخدام العلم    "الداخلية" تحتفي باليوم الوطني 94 بفعالية "عز وطن3"    صور مبتكرة ترسم لوحات تفرد هوية الوطن    الملك سلمان.. سادن السعودية العظيم..!    خمسة أيام تفصل عشاق الثقافة والقراء عنه بالرياض.. معرض الكتاب.. نسخة متجددة تواكب مستجدات صناعة النشر    تشجيع المواهب الواعدة على الابتكار.. إعلان الفائزين في تحدي صناعة الأفلام    مجمع الملك سلمان العالمي ينظم مؤتمر"حوسبة العربية"    مصادر الأخبار    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. تنظيم المسابقة المحلية على جائزة الملك سلمان    مسيرة أمجاد التاريخ    إقامة فعالية "عز الوطن 3"    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالفيحاء في جدة يستأصل بنجاح ورماً ضاغطاً على النخاع الشوكي    معزّي.. عز وعزوة    مصر تعرب عن تضامنها مع لبنان    أوكرانيا وروسيا.. هجمات وإسقاط مسيرات    شرطة الشرقية: واقعة الاعتداء على شخص مما أدى إلى وفاته تمت مباشرتها في حينه    بلادنا مضرب المثل في الريادة على مستوى العالم في مختلف المجالات    لقاح على هيئة بخاخ ضد الإنفلونزا    بشرى سارة لمرضى ألزهايمر    أبناؤنا يربونا    خطيب المسجد النبوي: مستخدمو «التواصل الاجتماعي» يخدعون الناس ويأكلون أموالهم    رئاسة اللجان المتخصصة تخلو من «سيدات الشورى»    «النيابة» تحذر: 5 آلاف غرامة إيذاء مرتادي الأماكن العامة    "تعليم جازان" ينهي استعداداته للاحتفاء باليوم الوطني ال94    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أربعة مشاهد مختلفة للحجاب
نشر في الحياة يوم 14 - 12 - 2003

1- يجري في فرنسا الآن سجال تشريعي، غايته التوصّل الى قانون يمنع ارتداء الحجاب أو يسمح به، أو يحصر إرتداءه في أماكن محدّدة. والسجال هذا استفزّ الجميع من كنيسة واحزاب وجمعيات وبرلمان ونسويات، فضلا عن المسلمين والمسلمات الفرنسيين: هل يُمنع الحجاب او يُسمح بالقانون؟ وأية قيم تتضرّر من أحدهما: العلمانية؟ الديموقراطية والتعدّد؟ المساواة المطلقة بين النساء والرجال؟
2- تونس: الدولة العربية الوحيدة التي خاضت حملات متتالية على الحجاب في المدارس والجامعات والمؤسسات الرسمية. لم تساير إلا قليلا الإجماعات الذائعة في بقية العواصم العربية، بل واجهتها في الكثير من أوجهها. والنتيجة ان التونسيات هنّ اقل العربيات تحجّباً. إلا ان تونس تشهد من مدة قصيرة عودة موسمية للحجاب "الشامل". خصوصاً على شواطئها البحرية. من هن هؤلاء المحجبات؟ تونسيات مقيمات في فرنسا، جئن الى بلادهن لتمضية إجازة الصيف.
3- شيرين عبادي، المحامية الايرانية التي حصلت على جائزة نوبل للسلام هذا العام. كانت في باريس عندما تلقّت نبأ فوزها، وكانت سافرة، غير مرتدية الحجاب. سألها صحافي عن مدى التزامها به فأجابت بأنها تلتزم بالحجاب في ايران فقط إحتراما لقانون بلادها، وليس إقتناعاً به" وبأنها تخلعه عندما تسافر الى فرنسا او غيرها من البلدان التي لا تفرض على النساء الحجاب. وعندما سُئلت إن كانت سترتدي الحجاب أثناء حفل تسلّمها الجائزة أجابت بحزم: "لا".
4- العالم العربي: آخر شحنات الحجاب صرخة الشيوخ المسلمين العراقيين، السُّنة منهم والشيعة، ومنذ اللحظة الاولى لإحتلال العراق: "يا نساء العراق! ضَعنَ الحجابَ على رؤوسكن! ولا تنهزمن!"... وكأنهم بذلك يعلنون عن أولى طلقات المقاومة ضد المحتلين الاميركيين. فكان الجواب النسائي، العراقي والعربي، أن هرعنَ الى الحجاب.
في الموقعة نفسها، ولكن في زمن آخر، بداية العشرينات من القرن الماضي، كانت مواجهة الاستعمار الأوروبي تستدعي السفور. كانت الزعيمة المصرية هدى شعراوي ومعها سيزا نبراوي تعلنان السفور علامةً من علامات السعي نحو الاستقلال الوطني. فهل انقلب معنى الحجاب رأسا على عقب؟
في الحالة الاولى: الأسس العريقة للتنويرية والعلمنة، للديموقراطية والمساواة بين الجنسين، كلها تهْتز في فرنسا. هل تكون فرنسا براغماتية، متسامحة فتصدر قانونا يسمح بارتداء الحجاب؟ وتطلق العنان للتطرف الاسلامي؟ أم تكون مدافعة عن ثوابتها الجمهورية، فتمنعه؟ ومهما كانت النتائج، هل تبقى فرنسا على ما كانت عليه قبل مناقشة "قانون الحجاب" وإصداره؟
في الحالة الثانية: السلطة السياسية التونسية المتشدّدة في مسألة الحريات السياسية والمدنية، والغارفة "شرعيتها" الايديولوجية البورقيبية من مصادر الغرب. يأتي من بناتها من هذا الغرب نفسه ليعُدْنَ الى الذاكرة اياماً غابرة، "تقليدية"، كانت فيها النساء خلف حجاب. اذا كان مصدرُ الشرعية السياسية للسلطة التونسية يصدر هكذا نقضاً ل"ايديولوجيتها" الحداثية، فبم عساها تجيب؟
في الحالة الثالثة، أي الايرانية، فإن المرأة ترتدي الحجاب بحكم القانون الصريح. وما تتوق اليه شيرين عبادي، خصوصاً وانها قانونية بالاختصاص والنضال، هو الغاء هذا القانون، ومن منطلقات امرأة مسلمة وعلمانية. فهل تكون الاسلامية "الواقعية" المجرَّبة على الأرض، منطلقا لإعادة النظر بالاسلامية نفسها، بالحجاب ووجوبه؟
أخيراً، اذا كان السفور يعني منذ نصف قرن رفضا للاستعمار، فيما يعني اليوم محاباة له، أو على الاقل لثقافته، بل في بعض الحالات القصوى يُقصد به التخوين والتكفير. فهل يكون لاستقلالها المنشود الآن معنى مختلف عما سبقه؟ وما هو يا ترى؟
أما الذي يجمع بين الحالات الاربع، وقد يشمل نظائر كثيرات، فهو ما يلي:
الحجابُ والسفور زوجان متلازمان: لتتحجّب النساء يجب ان يكون هناك سافرات. وإلا فلا معنى خاصاً لتحجّبهن إلا المعنى الديني الذي يخْفت أو يعلو بحسب النظر الذي نؤول به الدين: الآن هو اصولي، وأمس كان منفتحا. وهكذا بحسب احوال أبنائه. وهذا التلازم ليس محليا فحسب: أي لا يقتصر على التضاد الصارخ بين الحجاب والاحتشام من جهة، وبين التعري والابتذال والفن الهابط المنتشر بقوة في ساحة المخيّلة العربية. بل يتعدّاه الى المستوى العالمي: فكلما أمعنَ الغربُ بتصدير المزيد من فنون العري للجسد النسائي، توسّعت دائرة المحجبات. بمعنى آخر أيضا: لو كانت الاميركيات والاسرائيليات محجّبات، هل كان الحجاب سيرتدي المعنى نفسه؟
هذا الحجاب المعاصر بالتالي، لم يعد مفيداً مناقشته على ضوء الثنائي الكلاسيكي الذي شبّت عليه اجيالٌ منا: حداثة / تقليد. فقد تشابكَ الاثنان، وخرجت المحجّبة من المجال التقليدي الخاص، للتبضّع، او للعمل او التعلم، أو مجرّد التنزّه. لكن المهم ان محجّبات اليوم لا يشبهن محجبات الأمس، حتى في الزيّ الحاجب نفسه.
وبوسعكَ ان تلاحظ هذا ببساطة عند الكلام مع المنقّبات: كلهن حتى الآن يجمعن على ان نقابهن يمنحهن "حرية" مطلقة. ومعنى الحرية المقصودة هنا هو التفلّت من الشُّبهة الاخلاقية.
ولم يَعُد مفيداً كذلك، بل صار عقيما، وصف الحجاب بالارتداد عن مكتسبات الحداثة. فهذا ايضا وصف ايديولوجي، يُرى الزمن من خلاله كأنه مسار واضح
وصارم يأتي معه "التقدم" يسيراً بالضرورة. وهذا لا يلغي، بل يضاعف الاحساس بانعدام الوزن التاريخي، وبانعكاسه على العلاقة بين الجنسين. ويؤطَّر للإنعدام هذا جهاز ديني وشخصيات تلفزيونية، ثابتون على ذكوريتهم وأصوليتهم.
كل هذا يفرض على النساء المعنيات الانكباب على المعرفة الدينية، ليس استهلاكيا، بل كمعرفة تضع بين ايديهن قدرات الاجتهاد بالنص وتسمح لهن بالإفتاء في أمور الدين. لكن هذا يحتاج الى أجيال بأكملها من النساء، تتزوّد بالمعرفة الدينية" كما تزوّدت بالمعرفة الغربية الاجيال التي سبقتها في المدارس في بداية القرن. ولكن من دون ان تهمل الاولى على حساب الثانية، بل بالعكس.
تصوّر امرأة عربية مسلمة تفتي في الدين وتجتهد وهي، في الآن عيْنِه، مزيجٌ من ثقافة دينية وثقافة زمنية، شرقية وغربية، حديثة وتقليدية. فكيف ستؤول الحجاب والسفور؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.