ما الذي يخيف أوروبا من الحجاب؟ ذاك هو التساؤل الذي يطرحه كثيرون في العالم العربي والإسلامي، بعد انتشار الأخبار في الفترة الأخيرة حول حظر الحجاب ثم النقاب في كثير من الأماكن العامة والمدارس في دول أوروبية شتى، وسعي تلك الدول المستميت لإصدار القوانين التي تجرم المحجبات والمنتقبات، وتفرض عليهن عدم ارتداء تلك الملابس. لا تقتصر الحملة التي تتعرض لها المحجبات على أوروبا، بل هناك دول إسلامية تمنع انتساب المحجبات إلى مؤسسات التعليم العام بدعوى علمانية تلك الدول ومنع دساتيرها من إظهار أي شعارات أو ملابس تدل على الهوية الدينية، وهي إحدى الحجج التي تذكرها الدول الأوروبية لمنع الحجاب، المحير في الأمر أن تلك الحجة لا تنطبق على لبس الصلبان أو ارتداء الطاقية اليهودية، التي تجد تسامحا مع مرتديها بعكس التشدد مع المحجبات. وفي الآونة الأخيرة وصل الأمر إلى الساحات الرياضية، بعدما أصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» قرارا بمنع اللاعبات المحجبات من الاشتراك في المباريات الرياضية النسائية لكرة القدم، بحجة أن الحجاب ربما يتسبب بإيذاء لاعبات الفرق الأخرى جسديا، ولكن احتجاج بعض الدول الإسلامية على ذلك القرار أدى إلى تجميده. وكانت البداية في أوروبا بزعامة فرنسا عندما صدرت عدة قوانين وتوصيات تمنع الطالبات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية بحجة أنها ذات دلالات دينية، وهو ما يتناقض في زعمهم مع مبادئ الدولة العلمانية، وقوبلت تلك القرارات بالتأييد من قوى اليمين المتطرف التي رأت في حجاب المسلمات غزوا لأوروبا يجب وقفه عند حده، بينما أدانت قوى اليسار والمعتدلون، وبالطبع كثير من أبناء الجالية المسلمة، تلك القرارات، وكان المفاجئ في الأمر هو تأييد بعض القيادات المسلمة لتلك القرارات وتبريرهم لها بأنها تحمي مبادئ الجمهورية من المد الأصولي، وبعد ذلك بدأت دول أخرى في سن القوانين التي تمنع الحجاب في بعض الأماكن، مثل بلجيكا وبعض المقاطعات الإيطالية، ولاحقا تبعتهم كندا التي أصدرت وزارة العدل فيها قرارا بمنع دخول المحجبات للمباني التابعة لها، وزادت الخلافات ووصل الأمر إلى ساحات المحاكم، خاصة من طالبات المدارس والجامعات، وطالبن بممارسة حقهن في الحصول على التعليم كما تكفله دساتير تلك الدول، من دون مضايقة أو تمييز، وأخيرا موظفات المؤسسات والشركات اللاتي تم فصل بعضهن من أعمالهن بحجة ارتداء الحجاب. وبدأت تختلف الحجج في إصدار القوانين، وظهرت على السطح أسباب مختلفة لمنع الحجاب والنقاب، منها أن ارتداء الحجاب والنقاب يتم تحت ضغوط ذكورية، ومن دون رغبة حقيقية من النساء، والحرص على السلامة العامة، والخوف من الإرهاب، ومنع الحجاب لتسهيل الاندماج في المجتمعات الأوروبية، ووصل الأمر إلى تغريم قائدات السيارات اللاتي يرتدين النقاب، مثلما حدث مع المواطنة الفرنسية آن، التي اعتنقت الإسلام وتزوجت من مهاجر جزائري، وتم توقيفها من قبل شرطة السير وتحرير مخالفة لها لارتدائها النقاب. وعلل الكثيرون تلك المواقف التي تناهض المحجبات والمنقبات، بالخوف من الإسلام وانتشاره، وأنه سيصبح في يوم ما الدين ذا الغالبية الكبرى في القارة العجوز، وهو ما يعزوه المتخوفون إلى زيادة أعداد المسلمين ونسلهم في أوروبا، سواء من المهاجرين أو من الأوروبيين الذين اعتنقوا الإسلام. فيما صدر أول تعليق من الرئيس الفرنسي ساركوزي بعد توصية منع النقاب في فرنسا في تصريحاته الموجهة لمسلمي فرنسا، حيث أشار إلى أنه لا يريد أن يشعر المسلمون بالحرج أو الأذى من إصدار تشريع يحظر ارتداء النقاب في الأماكن العامة. وقال ساركوزي خلال اجتماع لمجلس الوزراء: إن تاريخ فرنسا لا يسمح بأن يرى كرامة المرأة والنظام العام ينتهكان بسبب النقاب. وأضاف: «لا ينبغي أن يشعر أحد بالأذى أو الحرج. إنني أفكر في أبنائنا المسلمين على الأخص، الذين وطنهم فرنسا، ويجب أن يشعروا بالاحترام». وأكد ساركوزي على كلامه قائلا: «نحن أمة قديمة متحدة حول قيم معينة للكرامة الإنسانية، وخاصة كرامة المرأة، وحول مبدأ معين من كيفية التعايش معا». وتابع: «إن ارتداء النقاب الذي يخفي الوجه تماما، يضر بتلك القيم، التي تعد من قيمنا الأساسية والهامة جدا في التعايش داخل الجمهورية» .