توقعت مصادر وزارية ان يسيطر جو من التهدئة على العلاقة بين رئيسي الجمهورية اميل لحود والحكومة رفيق الحريري سيكون له تأثيره المباشر في الجلسة الأسبوعية لمجلس الوزراء التي تعقد صباح بعد غد الأربعاء بدلاً من الخميس موعد بدء الزيارة الرسمية للرئيس البرازيلي لويس انياسو لولا داسيلفا لبيروت. وتغيب عن جدول أعمال الجلسة العادي أي بنود خلافية يمكن أن تتسبب في خرق الهدنة التي ترعاها دمشق وتتمنى الحفاظ عليها. وتتزامن الرغبة السورية في استنفار الجهود المحلية الآيلة الى التهدئة مع لقاء يعقد في بحر هذا الأسبوع بين الحريري ورئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية العاملة في لبنان العميد الركن رستم غزالة بعدما جرى التمهيد له في أكثر من اتصال هاتفي بينهما في اليومين الأخيرين. واعتبرت المصادر نفسها ان مجرد اللقاء هو بمثابة مؤشر الى ان علاقة الحريري بدمشق الى انفراج وتحسن بعدما نجح أصدقاء مشتركين وبينهم وزير يتعاطى من حين الى آخر في ملف العلاقة الثنائية في توضيح كل الأمور التي تسببت في الفتور الذي شابها أخيراً، ليشكل الاجتماع المرتقب بين الحريري وغزالة محطة لتأكيد انها استعادت حيويتها وان الشوائب التي اعترتها أخيراً أصبحت من الماضي. وفي هذا السياق تؤكد أوساط رئيس الحكومة انه ماض في خياره الاستراتيجي في تحالفه مع دمشق انطلاقاً من قناعته بدورها الفاعل في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر فيها المنطقة، وعدم اشغالها في الأمور التفصيلية الداخلية في لبنان... ولفتت المصادر الى الدور الكبير الذي لعبته القيادة السياسية السورية من خلال غزالة، ليس في تهدئة النفوس فحسب، وانما في مساعدتها عبر الاشارات التي أطلقتها في كل الاتجاهات على سحب ملف التغيير الحكومي من التداول لمصلحة تحصين الساحة المحلية وتفعيل دور المؤسسات والتوجه نحو ايجاد حلول للمشكلات الاقتصادية الطاغية على الوضع العام في البلد. وفي هذا السياق أكد وزير بارز ل"الحياة" أن الجهد السوري انصب في الآونة الأخيرة على اراحة المناخ العام على رغم "برودة" العلاقة بين الرئيسين وخلافاً لكل التقديرات التي كانت تتحدث عن أن التغيير حاصل لا محالة وان طرحه ليس مجرد فكرة لجر المعنيين الى مناوشات داخلية. وكشف النقاب عن أن "الضخ" الإعلامي في شأن تسريع الخطوات على طريق تغيير الحكومة اخترق جدول أعمال العشاء الأسبوعي لسفراء المجموعة الأوروبية في لبنان الذين يلتقون مساء كل أربعاء للتداول في الأمور العامة وتبادل الرأي في المعلومات المتوافرة لديهم عبر قنوات الاتصال التي تربطهم بكبار المسؤولين اللبنانيين أو المقربين اليهم. ونقل عن بعض السفراء أنهم اضطروا الى ارسال تقارير أعدوها على عجل الى بلدانهم أوردوا فيها معلومات تتعلق بالتغيير الذي وضع على نار حامية نقلاً عن لسان وزير فاعل أكد لهم حصول التبديل في سرعة تفوق تصورهم. وذكر بعض السفراء انه استقى المعلومات الخاصة بالتغيير قبل 24 ساعة من توجه لحود الى دمشق للقاء نظيره السوري الدكتور بشار الأسد، لكنه فوجئ من خلال فرز المعلومات التي في حوزته في هذا الخصوص مع سفراء آخرين بأن الوزير نفسه - لم يشأ أن يفصح عن اسمه بدل موقفه وراح يشن حملة على الذين استحضروا ملف التغيير، معتبراً ان تسريبه كان بقصد التقليل من أهمية القمة اللبنانية - السورية واغراقها في تفاصيل لم تكن مطروحة على بساط البحث. لكن الوزير اعتبر ان استبعاد التغيير الحكومي لا يعني أن الوضع داخل السلطة التنفيذية بألف خير، وأن الأمور سائرة حكماً الى التحسن، فحل المشكلات يستدعي تكثيف الجهود لتأمين جو من التوافق على القضايا التي لا تزال مستعصية... وعلى رغم انه تجنب تناول ما آلت اليه العلاقة بين لحود والحريري، فإنه في المقابل يتوقع ان تتواصل الجهود بهدوء لخلق المناخ الذي يساعد على تطرية الأجواء بينهما، داعياً الى الافادة من انشغال لحود والحريري، الأول في استقبال الرئيس البرازيلي ومن ثم نظيره الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة، السبت المقبل قبل أن يتوجه الاثنين في 8 كانون الأول ديسمبر الجاري على رأس وفد موسع للاشتراك في قمة للمعلوماتية تعقد في جنيف، والثاني في الاعداد لرئاسة وفد آخر الى برشلونة في 19 الجاري لحضور "الأسبوع اللبناني" الذي ينظمه المنتدى الأوروبي - المتوسطي وتعقد خلاله ندوات فكرية وسياسية وثقافية واقتصادية يشارك فيه عدد من الوزراء والنواب اضافة الى حشد من المتعاطين في الشأن السياسي العام... ولم يستبعد تعليق بعض جلسات مجلس الوزراء بسبب انشغال الرئيسين لكنه يتوقع ان تعقد جلسة أثناء وجود الأول في جنيف برئاسة الحريري، مشيراً الى ان الاتصالات جارية بصمت وبعيداً عن الأضواء لتبريد الأجواء بين الرئيسين، خصوصاً ان محاولة في هذا الخصوص كانت جرت في السابق وتولاها مسؤول أمني لبناني رفيع لكنها توقفت في منتصف الطريق ليطيح بها الحديث عن وجود فكرة للتغيير الحكومي. وأكد أن الرهان على عقد لقاء بين الرئيسين متروك لعامل الوقت مشترطاً لتحقيقه تبديد الأجواء التي تعتري العلاقة الشخصية باعتبار ان محاصرتها والتغلب عليها سيساعدان على ان يخصص لتبادل الرأي بهدوء في القضايا الراهنة وصولاً الى طرح الأفكار التي تستعجل ضمان استمرار حد أدنى من التواصل إذ لا يعقل ان تقتصر لقاءات الرئيسين على حضور جلسات مجلس الوزراء، واعتبار أي لقاء ثنائي بينهما وكأنه يهدف الى مصادرة دور الوزراء خصوصاً ان التواصل يساعد على تنفيس أجواء الاحتقان ويمهد الطريق امام التوافق الذي يتيح من دون أي خلفية مسبقة طرح المواضيع التي يتعامل معها الرأي العام على انها خلافية يحظر ادراجها على جدول الأعمال.