كانت فاجعة عندما طالعت إحدى الصحف المصرية بخبر انتحار أحد الأطفال في حي المعادي حيث قفز الطفل ذو السبعة أعوام قفزة الموت تحت تأثير مشاهدة الأفلام الأجنبية من نوعية النينجا ترتلز وهوجان وبانجا التي كان يختارها بنفسه عندما يصطحبه والده إلى نادي الفيديو. ورغم أن هذا الموضوع تم بحثه، إلا أننا ما زلنا نعاني آثار الدوافع الإعلامية التي تكمن خلف ارتكاب جرائم الأطفال في الآونة الأخيرة بنسبة 14 في المئة وبواقع 65 حالة تقمص وتقليد الشخصيات الإعلامي في السينما والتلفزيون حيث تتضمن وسائل الإعلام قدراً كبيراً من العنف والرعب ويميل الأطفال والمراهقون إلى تمثيل المشاهد التي يشاهدونها على الشاشة وينتقلون بسهولة من اللعب إلى الحقيقة. وبعد فترة ليست بقصيرة طالعتنا إحدى الصحف الأخرى بحادث آخر وهو قيام طفل آخر بشنق نفسه فوق شجرة بعد أن شاهد فيلم الكرتون الشهير "الملك الأسد" حيث تولدت لديه الرغبة في أن يموت ويعود للحياة في صورة الأسد الكرتون الذي أصبح ملكاً للغابة، وقد كشفت التحقيقات أن الطفل وقع في أسر الفيلم بعد مشاهدته أربع مرات وأعجب بشخصية الأسد، وفي سذاجة تامة اعتقد أن الموت يمكن أن يؤدي إلى تحويله إلى شخصية جديدة وهي ملك الغابة. هكذا اصبح البطل في معظم المواد التلفزيونية الذي يعلق بأذهان الأطفال فهو البطل الذي يضرب ويطلق الرصاص ويستخدم أساليب العنف ببراعة وقسوة للقتل أو الهرب من الشرطة والعدالة. وكما جاء في بحث مقدم للحصول على درجة الماجستير في الإعلام على الكارتون واتلفزيون وعلاقته باتجاهات الاطفال نحو العنف - مقدم من الدكتورة هويدا محمد رضا الدر - فإن أفلام الكارتون التي يشاهدها الأطفال من خلال التلفزيون تحتوي على العديد من مشاهد العنف. وأكدت دراسات جورج غريبنر 1967 الخاصة بدراسة مؤشر العنف في برامج التلفزيون أن متوسط ساعة من أفلام الكرتون الموجهة للطفل تحتوي على أضعاف العنف من ساعة دراما موجهة للكبار وحوالي 12 ضعفاً لمعدل العنف من فيلم سينمائي. ومن الناحية العلمية فهناك اعتراف بنقل العنف بواسط التلفزيون إلى الأطفال وانفعالهم به وتلوث شخصياتهم به خصوصاً أن العديد من الدراسات الميدانية تشير إلى الاقبال المتزايد للأطفال وبخاصة في مرحلة الطفولة المتأخرة 8 - 12 سنة على تفضيل الكارتون بنسبة 3،86 في المئة إذ تصور هذه الأفلام عادة ابطالاً في رداء خدّاع ومضلل يضاهي الخيال ويعرضه من خلال صور وهمية لبطولات زائفة هدفها العنف في أقصى صوره وإعلان شأن الجريمة فالبطل يقفز من أماكن مرتفعة ويضرب أعداءه ويقضي عليهم بمفرده، فضلاً عن المخلوقات الغريبة العدوانية التي تتكرر في مشاهد أفلام الكارتون وتصل نسبتها، كما حددتها احدى الدراسات التحليلية لزفلام الكارتون إلى 5،36 في المئة من مجموع النماذج التي تظهر في الفقرات الكارتونية المقدمة في التلفزيون المصري. أما الدكتور صفوت العالم الاستاذ في كلية الإعلام - جامعة القاهرة فيرى أن الصوت في افلام الكارتون يعد من أهم عوامل التأثير على المشاهدين من الاطفال فهو يعد شكلاً من أهم أشكال المحاكاة والمعايشة والمتابعة، فإذا حللنا الصوت فإنه هو الذي يؤكد صدقية الشخصيات التي يراها الطفل بجانب صوت الاشخاص الذين يتحدثون. ولذا نجد أن مشاهد الكرتون تنتج عنها أصوات تتسم بالارتفاع والحدة في استخدام العنف بأشكاله المختلفة من خلال صوت الضرب أو الألم أو الانفجارات أحياناً أو تأثير الصفعات أحياناً وحتى بعض الكلمات التي تلازم وتنطق مع الضربة أو الحركة مثل طخ - طوخ هيه - هاه، أو صوت التألم والأنين وهذه الأصوات تعد دافعاً لمحاكاة الأطفال لنا. وإذا نظرنا إلى كيف تتكون مدركات الطفل وانتباهاته سنجد أنها تتأثر دائماً بالعلاقة الناتجة عن المنبهات. وحينما يشاهد الطفل الكارتون بشكل منتظم ومتكرر وإذا أتى من خلال لعب معينة تم استعمالها في الكارتون أو أشخاص معينة في قصص مقروءة مثل ميكي وسمير وعلاء الدين فيبدأ الطفل في اقتناء نفس أدوات الشخصية وملابسها وأدواتها مثل سوبر مان وملابسه أو حب الفتيات الصغيرة لاقتناء باربي العروسة وملابسها وأدواته إلخ. يذكر أن دراسة الاتجاهات لدى الأطفال يمكن أن تساعد على فهم شخصياتهم وأساليب تفكيرهم من أجل تصميم أفلام كارتون تخاطب الحاجات النفسية والسلوكية لديهم كما تسهم أيضاً في تكوين الاتجاهات السوية لديهم وإحداث عملية التكوين الاجتماع وإكاسبهم القيم الاجتماعية الصحيحة إذ يعد الجمهور المتلقي "الطفل" أحد مكونات عملية الاتصال الجماهيري فهو المستهدف من النشاط الإعلامي ولذا على القائم يالاتصال دراسة فئات الجمهور من جوانب عدة إذ يمكن أن توجه الجهود الاتصالية إليها بمستوى عال من الفاعلية والكفاءة، وأخيراً يمكن أن تساهم هذه الدراسة في محاولة وضع توصيات لترشيد انتاج الكارتون الموجه للأطفال بما يتفق مع خصائصهم النفسية والاجتماعية. وفي دراسة تحليلية لأفلام الرسوم المتحركة 1993 دراسة محمد الجيوشي - فوزية بدوي طبقت هذه الدراسة على عينة من أفلام الرسوم المتحركة التي يعرضها التلفزيون المصري إذ تم تحليل خمس حلقات من كل مسلسل بهدف التعرف على القيم والعادات الأجنبية والسلوكية التي تحث عليها هذه الأفلام وقد تحصّل الباحثان إلى أن هناك ثلاث فئات من أفلام الرسوم المتحركة وهي: أفلام كارتون شخوصها حيوانية ولا تتضمن عنفاً ظاهراً، ورسوم متحركة شخوصها كائنات انسانية وحواراتها تنحو نحو الواقعية، ورسوم متحركة شخوصها كائنات بشرية وآلية وحيوانات ضخمة. وفيما يخص "المظاهر العدوانية في أفلام الكرتون الأجنبية" جاء في دراسة لسامية رزق إذ توصلت الباحثة إلى تركز المظاهر العدوانية في سلسلة أفلام سلاحف النينجا في العنف اللفظي في: "السب والشتائم، التهديد والتحريض الاستهزاء ثم القذف بصفات غير أخلاقية"، أما مظاهر العنف البدني فقد تجسدت في الضرب بالأيدي أو إلقاء الأشياء أو التقييد بالحبال أو الشروع في القتل ثم الخطف فالسرقة بالإكراه وأخيراً الحبس، أما بالنسبة للأدوات المستخدمة فقد برز استخدام الاسلحة النارية وتدمير الأملاك والمطاردة. يذكر أنه من المعايير الأساسية التي تحدد مستوى التقدم الحضاري في أي مجتمع من المجتمعات المعاصرة ما يبديه هذا المجتمع من اهتمام وحرص بأطفاله، فالتركيز على الطفولة وحاجاتها واعطائها أولولية في تخطيط التنمية القومية يعد ركيزة للتنمية البشرية. من هنا نجد أن أي مجتمع في حاجة إلى ثقافة خاصة تميزه عن غيره من المجتمعات لمواكبة المتغيرات المستقبلية، فمن العسير مواكبة التقدم إلا عن طريق التنشئة والتربية الثقافية لأفراد المجتمع ابتداء بالطفل، ولأن التلفزيون يعد إحدى المؤسسات الثقافية المهمة في المجتمع لما يتميز به من مميزات كوسيلة اتصال جماهيرية والتي كان لها أثر تعديل سلوك الأفراد على اختلاف أعمارهم ومستوى التعليم ما أدى إلى اكتسابهم انماطاً جديدة من السلوك نتيجة لقضاء الساعات الطويلة في مشاهدة البرامج المتنوعة التي يبثها. من هنا كان واجباً ظهور العديد من النداءات المتعددة في المؤتمرات والندوات العربية والعالمية التي تعقد حول موضوع الطفل وأهمية تنشئته في أمان من جميع النواحي خصوصاً الناحية الإعلامية والتي من مخاطرها أفلام العنف التي يتعرض لها الطفل - المناداة بضرورة تحقيق أمن الطفل العربي واستشعار ما يحيط به من أخطار في هذه الفترة بالذات في ظل الاختراق الإعلامي والعزو الثقافي وترويج قيم الغرب والاغتراب عن الواقع العربي وتصدير أفكار التطرف وأدوات العنف والجريمة وبخاصة من خلال الرسوم المتحركة والكارتون المستورد. والسؤال المطروح الآن: إلى متى سنظل مستقبلين سلبيين وندع الإعلام يوجهنا؟ متى نستطيع تولي قيادة الإعلام الموجه؟