سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
صدام عرض القبول بإشراف "إف بي آي" على التفتيش عن الأسلحة وتسليم عبدالرحمن ياسين . القيادة العراقية السابقة توسلت الأميركيين حتى اللحظة الأخيرة وعرضت تنازلات لا سابق لها عن طريق وسيط لبناني
كشف النقاب أمس عن أن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش رفضت كل المحاولات التي بذلها النظام العراقي السابق للتوصل إلى تفاهم متعهداً بتقديم تنازلات بعيدة المدى لإنقاذ نفسه من الضربة التي كان واضحا أنها واقعة لا محالة. وأهملت توسلات النظام المتتالية التي أرسلها عبر وسطاء لعقد لقاء بين مسؤولين من البلدين، أبرزها وربما كانت الأخيرة وساطة رجل الأعمال اللبناني عماد الحاج. واعترف ريتشارد بيرل، أحد كبار مستشاري وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون لصحيفة "نيويورك تايمز" بأنه بالفعل تلقى رسائل نقلها له الحاج من رئيس الاستخبارات العراقية طاهر جليل حبوش التكريتي، ورئيس العمليات الخارجية حسن العبيدي اللذين طلبا الاجتماع به شخصياً، لكنه لم يستجب لطلبهما. وبرر عدم استجابته بأن المسؤولين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي آي إي لم يتحمسوا لهذا العرض، وأبلغوه أن لديهم اتصالات مع القيادة العراقية عبر قنوات أخرى، بالإضافة إلى أن الوساطة الأخيرة التي قام بها الحاج بدت غريبة، وأثارت شكوكاً في مدى صدقية النظام العراقي ورغبته في التفاهم. لكن مسؤولاً أميركياً كبيراً في الاستخبارات فضل عدم كشف هويته أبلغ الصحيفة أن الوساطة التي قام بها الحاج ليست غريبة وأن القادة العرب عموماً يفضلون مثل هذا الأسلوب في الاتصالات بينهم وبين الدول الأخرى. وروى رجل الأعمال اللبناني للصحيفة قصة الوساطة بين المسؤولين العراقيين والأميركيين وتفاصيل الاتصالات واللقاءات التي جرت بينه وبين المسؤولين من الجانبين، وقال أن العراقيين بدوا مرعوبين من التهديد العسكري الأميركي، لذلك بذلوا محاولات جدية لإبعاد شبح الحرب، وقدموا تنازلات لم يكونوا مستعدين لتقديمها لولا رؤيتهم الاستعدادات العسكرية التي بدأت تتجمع حولهم. وألقت الصحيفة الضوء على شخصية الحاج والدور الذي لعبه، مبينة أنه من مواليد بيروت عام 1956، هاجر إلى الولاياتالمتحدة عام 1976، أي خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وأكمل دراسته الجامعية وبدأ يزاول عمله وكيلاً لشركات التأمين، وفي الوقت ذاته أقام علاقات مع الدوائر السياسية المهتمة بالعلاقات الأميركية - اللبنانية. وسرعان ما تحسنت أوضاعه فانتقل مع عائلته إلى بيروت وأسس مركزا فيها. في بيروت تعرف الحاج الى السوري محمد ناصيف، الضابط الكبير في الاستخبارات السورية وأحد مساعدي الرئيس بشار الأسد. وفي وقت لاحق تعرف خلال زياراته الى واشنطن الى الأميركي من أصل لبناني ميشال معلوف الذي كان يعمل محللا استخباراتيا في البنتاغون برئاسة دوغلاس فيث، نائب وزير الدفاع للشؤون السياسية والتخطيط، وتخصصت المجموعة التي عمل فيها معلوف في البحث عن الروابط بين تنظيم "القاعدة" ونظام الرئيس العراقي صدام حسين. وكان معلوف عمل في الماضي لدى بيرل في عهد الرئيس رونالد ريغان وأقام صلات وثيقة مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيين، خصوصاً المجموعة التي يطلق عليها إسم "المحافظين الجدد". وأكد مسؤولون في البنتاغون أن الحاج اجتمع في واشنطن مع بيرل وجيمي دورنان، أحد كبار مساعدي بول ولفوفيتز في كانون الثاني يناير الماضي بترتيب من معلوف، وحمل رجل الأعمال اللبناني رسالة من مساعد الرئيس السوري مؤداها أن دمشق تشعر بخيبة أمل كبيرة من محاولاتها إجراء اتصالات مع المسؤولين الأميركيين. وعندما اكتشف محمد ناصيف قدرة الحاج في الوصول إلى بيرل لدى عودته من واشنطن إلى بيروت اقترح عليه أن يلتقي مسؤول عراقي كبير كان يفتش عن وسيلة للتحدث مباشرة الى الأميركيين. وقال الحاج أن مسؤول الاستخبارات الخارجية العراقي العبيدي شعر بعد وصوله إلى مكتب رجل الأعمال اللبناني بضيق وما لبث أن أغمي عليه، وأضاف أنه كان تحت ضغط كبير، وبدا كمن يخاف على نفسه. وبعد إسعافه شرح له أنه يحمل رسالة إلى الأميركيين من أعلى المستويات في بغداد، وأضاف أن العراقيين يريدون التعاون مع الأميركيين، لكنهم لا يفهمون لماذا التركيز عليهم بالذات، بدلا من بلدان أخرى ترعى الإرهاب مثل إيران. وأوضح العبيدي أن العراقيين مستعدين لعقد أي صفقة تفاديا للحرب، فإذا كانت الحرب من أجل النفط فهم مستعدون لمنح واشنطن امتيازات، وإذا كانت من أجل عملية السلام مع إسرائيل فهم أيضا مستعدون للبحث، وإذا كانت من أجل أسلحة الدمار فلا وجود لها إطلاقا في العراق. وطلب أن يبعث الأميركيون ألفي عميل للشرطة الفيديرالية الأميركية إف بي آي للتفتيش أينما شاؤوا في كل أنحاء العراق. لكن الحاج قال للعبيدي أن الأميركيين ربما يرغبون في أن يتنازل صدام عن الحكم، فقال مسؤول الاستخبارات العراقي أن ذلك يعني الاستسلام. وفي وقت لاحق عاد العبيدي وقال ردا على هذا المطلب أن العراقيين يوافقون على إجراء انتخابات خلال السنتين المقبلتين. ويقول الحاج أنه نقل الرسالة إلى واشنطن عن طريق صديقه معلوف، لكنه لم يتلق ردا. في هذه الأثناء بدت علامات الضيق واضحة على العبيدي في بيروت. واقترح على الحاج أن يسافر معه إلى بغداد لإجراء مزيد من المحادثات هناك، حيث التقى رئيس الاستخبارات الذي كان الرقم 16 على قائمة المطلوبين في القائمة الاميركية. واهتم حبوش جداً بمعرفة إذا كان الحاج يعرف بيرل شخصيا، وقال أنه لا يدري ماذا يريد الأميركيون بالضبط، مشيرا إلى أنه أبدى استعداده للتعاون معهم لمكافحة الإرهاب وتسليمهم عبدالرحمن ياسين، المطلوب في الولاياتالمتحدة لعلاقته بالمجموعة التي فجرت عام 1993 مركز التجارة العالمية في نيويورك. وكان ياسين هرب إلى العراق بعد الحادث وأعلنت السلطات الأميركية جائزة لتسليمه مقدارها 25 مليون دولار. ووعد الحاج بنقل عرض تسليم ياسين إلى الأميركيين. وأكد حبوش خلال اللقاء أن القيادة العراقية تجري اتصالات مع المسؤولين الأميركيين لشرح موقفها وعرضها للتعاون في مختلف المجالات. وقال الحاج أنه تأكد من صحة أقوال حبوش عن الاتصالات مع الأميركيين، وعلم أن أحدها تم في روما بين مسؤولين من "سي آي إي" والاستخبارات العراقية، الأمر الذي أكده للصحيفة مسؤولون أميركيون، وقالوا أن هذا الاتصال فشل لأن العراقيين الذين التقوهم كانوا مسؤولين سابقين، وكشفوا أن محاولات لاحقة جرت لترتيب لقاء بين حبوش ومسؤولين أميركيين في المغرب، لكن اللقاء لم يتم لسبب غير مفهوم. وبعد زيارته بغداد، بعث الحاج في 19 شباط فبراير 2003 رسالة من ثلاث صفحات بالفاكس إلى معلوف أبلغه فيها أن حبوش ونائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز يرغبان بلقاء مسؤولين في الإدارة الأميركية، وفيها المجالات الخمسة التي أبلغه العراقيون عن استعدادهم لتقديم تنازلات فيها للأميركيين وهي: مكافحة الإرهاب، والنفط، وعملية السلام، والمصالح الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، ونزع أسلحة العراق تحت إشراف مباشر من الولاياتالمتحدة. ووفقا للصحيفة لاقت رسالة الحاج اهتماما كبيرا في أروقة البنتاغون وعلم من دورنان أن بيرل كان على استعداد للقاء العراقيين، لكنه ينتظر موافقة من "المبنى"، أي البنتاغون. وبالفعل بدأ دورنان بجمع المعلومات للتأكد من شخصية الحاج، فاكتشف أن الشرطة الفيديرالية أوقفته في إحدى رحلاته إلى الولاياتالمتحدة في مطار دالاس في تكساس عندما عثرت على مسدس في حقيبة سفره، لكن ما لبثت أن أطلقت سراحه عندما تحققت من شخصيته والهدف من حمله المسدس. وكشفت وثائق اطلعت عليها الصحيفة أن معلوف كتب رسائل عدة الى المسؤولين في البنتاغون بعد تسلمه رسالة الحاج شدد فيها على أن العراقيين يتوسلون للقاء الأميركيين وأشار إلى أن هذه ربما هي الفرصة الأخيرة للاتصال مع بغداد. ويبدو أن معلوف نجح أخيرا في ترتيب لقاء للحاج مع بيرل. وتم اللقاء بعد أيام قليلة في بريطانيا في مكتب لم يحدد في حي نايتسبريدج الفاخر وسط لندن، واستغرق قرابة الساعتين، أوضح خلاله المسؤول الأميركي أن "سي آي إي" أبلغته أن الأميركيين ليسوا معنيين بمقابلة المسؤولين العراقيين وأن لديهم اتصالات أخرى مع العراقيين وطلب منه أن يقول لهم "سنلتقي معكم في بغداد". وأبلغ بيرل الصحيفة أنه لا يصدق أن صدام اختار الحاج وسيط له مع الأميركيين في حين كانت مفتوحة أمامه فرص أخرى من خلال الروس والفرنسيين والسعوديين. مع ذلك واصل حبوش والعبيدي الاتصال مع الحاج وعرضوا عليه مجددا في منتصف آذار مارس الماضي، أي قبل الحرب بأيام، الاجتماع مع بيرل في بيروت، وأنهم حصلوا على موافقة مباشرة من صدام نفسه لإجراء اللقاء. ويقول أنه واصل تمرير هذه الرسائل باستمرار إلى معلوف الذي فقد في وقت لاحق في أيار مايو الماضي مركزه كشخص مؤتمن في البنتاغون فأوقف عن العمل، لكن راتبه ما زال يصرف له، وأوضحت مصادر في وزارة الدفاع الأميركية أن الخطوة لا علاقة لها باتصالات معلوف مع الحاج.