ماذا يعني ان تقول غالبية الاوروبيين بأن اسرائيل تشكل اكبر تهديد للسلم العالمي، لتتقدم بذلك على اميركا والهند وباكستان وكوريا الشمالية وايران والصين واسلحتها النووية؟ ليس هناك من شك بأن نتائج الاستطلاع تعكس حقيقة ان الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين، وهو اطول احتلال عسكري في القرن العشرين، والاحتلال الاخير في القرن الحادي والعشرين على افتراض ان الاحتلال الاميركي للعراق انتقالي وموقت، مسؤول عن هذه النتائج. ويعزو الاسرائيليون هذه النتيجة الى تنامي اللاسامية في اوروبا، ويشيرون الى المطالبة البلجيكية بمحاكمة شارون، وصعود كل من كورت فالدهايم ويورغ هايدر الى السلطة في النمسا خلال السنوات الاخيرة. اللافت هو ان صورة اسرائيل القاتمة لدى الرأي العام الاوروبي، والتي يرى بعض الاسرائيليين انها تمثل فشلاً في العلاقات العامة اكثر منه انعكاس للسياسات الاسرائيلية في فلسطين، توازيها صورة سلبية مماثلة للحليف الاميركي الذي يشكو ايضا من فشل "الديبلوماسية العامة" في ايصال صورة دقيقة للاميركيين في العالم. الواقع هو ان اسرائيل أصرت، على مدى نصف قرن، ان تبقى فوق الشرعية الدولية في اطار النظام العالمي الذي تم التوافق عليه بعد الحرب العالمية الثانية. وفيما قدمت الولاياتالمتحدة غطاء سياسياً لهذين التمرد والازدراء الفاضحين للقرارات الدولية، من خلال احباط تلك القرارات باستخدام حق النقض في مجلس الامن، بدأت واشنطن، في عهد الادارة الحالية، وبخاصة بعد احداث ايلول 2001، اتباع سياسات وصفت بأنها تعكس "اسرلة" للسياسات الاميركية. فالحروب الاستباقية او الاجهاضية هي اختراع اسرائيلي بإمتياز، وكذلك الازدراء الذي واجهت وتواجه به واشنطنالاممالمتحدة في عهد المحافظين الجدد. وفي غياب التكافؤ في موازين القوى بين كل من اسرائيل واميركا من جهة، ودول العالم المدافعة عن النظام العالمي الذي تسعى تل ابيب وواشنطن اليوم الى تقويضه، تتخذ المواجهة طابعا غير تقليديا، في إطار محاولة استعادة توازن استراتيجي على اسس مغايرة. وفيما تخوض دول متقدمة مثل دول الاتحاد الاوروبي حروباً سياسية مع واشنطن وتل ابيب، ترقى احياناً الى مستوى الحرب الباردة، تشن مجموعات متطرفة، غالبيتها انطلقت من الشرق الاوسط، حروبا تعتمد الارهاب وسيلة لتحقيق اهدافها، في ضوء شلل الانظمة الشرق اوسطية وعدم قدرتها على تأطير تلك المعارضة للسياسات الاسرائيلية او الاميركية في سياق سياسي فاعل. ويعكس الحالين في فلسطين والعراق، من بين امور اخرى، فشل دول الشرق الاوسط في معالجة مشاكلها الاقليمية، سواء من طريق اتباع استراتيجيات كان من الممكن ان تقود الى تسوية سلمية للصراع العربي - الاسرائيلي، او احتواء ظاهرة الارهاب الذي قاد الى اعتداءات ايلول 2001 وأعطى دفعة للمحافظين المتطرفين في اميركا، تماما كما فعلت الهجمات الانتحارية ضد اسرائيل منذ اواسط التسعينات. تبدو دول المنطقة العربية اليوم كأنها وقعت بين مطرقة اميركا واسرائيل من جهة، وسندان القوى التي ازدادت تطرفا في الشارع العربي الذي يرفض ان يكون الضحية مرتين: مرة على يد الانظمة العربية الحاكمة، ومرة على يد اميركا واسرائيل. وفي هذا السياق، يبدو الحديث عن اصلاحات ديموقراطية في المنطقة، تحت مطرقة اميركا وسندان الرفض الشعبي للتدخل الخارجي، مأزقاً للطرفين الحاكم والمحكوم. هذا على افتراض ان اميركا جادة في سعيها الى دمقرطة المنطقة، وهو ما لم يقنع احداً حتى الآن.