1 هذا يوم له تاريخ، لكنه تاريخ مشؤوم بالنسبة لفلسطين خاصة والعرب عامة. هو يوم وثيقة قصيرة أصدرتها الحكومة البريطانية يومها فيها أمران: الأول ان الحكومة البريطانية تنظر بعين الرضى الى انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، والأمر الثاني تؤكد الوثيقة ان هذا الأمر يجب ألا يؤذي حقوق الطوائف غير اليهودية في فلسطين الدينية والمدنية. فما معنى هذين الأمرين: 1 - عطف الحكومة البريطانية كانت عبارة مرتبكة لا توضح طبيعة هذا الوطن القومي اليهودي ولا شروط قيامه ولا مخطط له. وقد يبدو مثل هذا الأمر، ولعله بدا للبعض يومها، شيئاً بسيطاً ما دام لا يحدد هذا الكيان. والواقع ان هذه الوثيقة وضعت بهذا الشكل بعد مداولات ومباحثات بين الحكومة البريطانية والمؤسسات الصهيونية كي لا يبدو منها هدفها الأصلي واضحاً: وهو اقامة دولة يهودية في فلسطين. والأمر الثاني هو ان لا يؤدي ذلك الى المساس بالحقوق الدينية والمدنية للطوائف غير اليهودية في فلسطين. هذه العبارة كانت تعني عملياً ان اليهود، وهم 7 في المئة من السكان يجب أن يتم لهم انشاء الوطن القومي الثوب الخارجي للدولة اليهودية على أن لا يتأذى الباقون من الطوائف غير اليهودية وهم 93 في المئة من سكان فلسطين. في مؤتمر سان ريمو المنعقد في ايطاليا سنة 1920، تقرر ان يمنح الانتداب على فلسطين الى بريطانيا ولها أيضاً انتداب على شرق الأردن والعراق، ولفرنسة انتداب على سورية ولبنان. كان ذلك في 25 نيسان ابريل. ولما انشئت عصبة الأمم، وعرض الأمر عليها، أقرت في نهاية الأمر صك الانتداب على فلسطين في تموز يوليو 1922 على أن يوضع موضع التنفيذ في أيلول سبتمبر 1923. وضمن صك الانتداب وعد بلفور وأضيف اليه انه يترتب على الحكومة المنتدبة ان تضع البلاد في ظل أوضاع سياسية واقتصادية من شأنها أن تؤمن نشأة الوطن القومي اليهودي. الوثيقة الأولى - الوعد، والوثيقة الثانية صك الانتداب كانتا الدليل الذي يجب ان يهتدي به من يقوم بتنفيذ الأمرين. والرجل الذي اختير أول مندوب سام على فلسطين كان هربرت صامويل، وهو المندوب الوحيد الذي عين لخمس سنوات 1920 - 1925. يلاحظ انه كلف القيام بالمهمة حتى قبل وضع صك الانتداب. 2 وهربرت صامويل سياسي بريطاني مخضرم، تولى وزارة الداخلية في بريطانيا قبل 1916. وأهم من هذا أنه كان من كبار السياسيين اليهود - الصهيونيين، وكان له دور بارز في المفاوضات التي انتهت بوعد بلفور. وقد زار فلسطين في ربيع 1920، أي قبل أن وُلّي المنصب بوقت قصير. والأمر واضح ان الغاية من توليته كانت ان يبدأ بوضع الأسس اللازمة لنجاح الوطن القومي! لست هنا في معرض السير بتاريخ الفكرة الصهيونية وتذكير القراء بما تم. فالقصة معروفة. لكن الذي حفزني الى كتابة هذا المقال كتاب جديد بعنوان "التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي فترة هربرت صامويل 1920 - 1925 وضعته سحر الهنيدي. الكتاب الذي يحتوي على 413 صفحة هي النص يتحدث في فصل عن وعد بلفور ثم تنتقل المؤلفة الى درس مفصل دقيق لما تم على يد صامويل خلال السنوات الخمس. وفي ص 157 نعثر على بيان بالأمور التي تمت على يد صامويل خلال فترة شهور ثلاثة من بدء ادارته انه سن قانون للهجرة وانشئت الدائرة الخاصة بذلك وتم الاعتراف باللغة العبرية لغة رسمية وتم الاعتراف بيوم السبت اليهودي يوم راحة وتم اتاحة وصول ممثلي اللجنة الصهيونية الى المندوب السامي وعقد لقاء أسبوعي معه وتم تعيين لجنة دائمة للأراضي للتثبت من مساحة الأراضي المتاحة للاستيطان المكثف. ومن أجل دعم الصناعة خفضت الرسوم الجمركية على مواد البناء مدة عامين من 11 في المئة الى 3 في المئة بحسب القيمة. وتقول سحر الهنيدي ص 175 "تجاوز دور صامويل في تسليح السكان اليهود في فلسطين الشروط التي تعهد بها صك الانتداب نفسه... ومساهمة صامويل في نهوض القوات المسلحة ومولد علاقة غامضة بين تلك القوات السرية والإدارة لا يمكن اغفالها". كانت الوكالة اليهودية هيئة سياسية مركزها الفلسطينيالقدس. وقد نص صك الانتداب انه على حكومة فلسطين ان تستشير الوكالة في الأمور المتعلقة بالوطن القومي. لذلك كان ثمة تفكير في انشاء الوكالة العربية. لكن لما جاء وقت الجد في الأمر تبين ان الحكومة هي التي تعين أعضاءها، وان مهمتها استشارية، ولما رفض العرب ذلك بحث في أمر انتخاب الأعضاء لكن ثبت في النهاية انه ليس ثمة نية عند المندوب السامي والذين يؤيدونه ان يكون للوكالة العربية دور فعال، فترك الأمر ص 229 - 232. وكانت ثمة أمور كثيرة عمل المندوب السامي جهده في سبيل الوطن القومي اليهودي. من الأمور التي عني بها ان المستشار القانوني للحكومة نبتوتش كان يهودياً وهو الذي وضع القوانين الرئيسية للبلاد. كما كان مدير الهجرة ومدير دائرة الأراضي والمساحة يهوديين، وطبعاً بريطانيو الجنسية. وعني صامويل في قضية اليهود الى وضع قانون للطائفة اليهودية ولو انه لم يعين رسمياً إلا سنة 1928 الذي أعطاها مركزاً متميزاً في البلاد أساسه الدور السياسي لها ص 232 - 237. ليس من اليسير تعداد الأمور التي تمت على يد صامويل - المندوب السامي - 1920 - 1925 في سبيل تأسيس الوطن القومي اليهودي على انه البناء المهم والأصلي لانشاء ادارة صهيونية للبلاد. ويتضح ذلك في أمور كثيرة أهمها الاستيطان والاقتصاد والأرض. لا يتسع المجال في مثل هذه العجالة. ولعل الجملة التي ختمت بها سحر الهنيدي الفصل الذي تتناول فيه هذه الأمور تلخص سياسة صامويل وعمله التأسيسي في سبيل انشاء الوطن القومي اليهودي. تقول: "وباختصار شديد فان صامويل بعد اتخاذ الترتيبات الضرورية الخاصة بالأرض والهجرة وكذلك بالجنسية الفلسطينية من أجل اعطاء المهاجرين اليهود الحق في التصويت في المجلس التشريعي وأيضاً في المجالس البلدية، مضى قدماً في تعزيز التنمية الاقتصادية لفلسطين عن طريق الرأسماليين اليهود من دون سواهم. وكان لديه في أثناء انشغاله الكامل هذا هدف واحد فقط: تعزيز الاقتصاد كي تستطيع فلسطين اعالة عدد باستمرار من المستعمرين اليهود" ص 289. الكتاب هو أصلاً عن عمل صامويل في فلسطين. وفي الكتاب يقول وليد الخالدي والقول ما قالت حذام عنه "وبحسب علمي فإن هذا الكتاب هو أول كتاب عن هذا الموضوع يجمع بين دفتيه مثل هذا التنوع الواسع والخصب للمصادر الأساسية... وفضلاً عن ذلك فقد دمجت المؤلفة بنجاح في كتابها النتائج التي خلص اليها أجيال من الباحثين فيما يتعلق بالموضوع الذي تناولته" ص 1. وأنا وقد أفدت من الكتاب ولو أنني لم أستطع ان أقرأه كله، فإنني أرى ان فترة صامويل هي التي وضعت الأسس القانونية والهيكلية الإدارية ونظمت قضية الأراضي والامتيازات الكبيرة مثل روتنبرغ وبوتاس البحر الميت للوطن القومي المستقبلي كما كان يراه ويتصوره الصهاينة من بادئ الأمر. * "التأسيس البريطاني للوطن القومي اليهودي - فترة هربرت صمويل"، سحر الهنيدي، بيروت، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2003. والكتاب وضع أصلاً بالانكليزية A Broken Trust: Herbert Samuel, Zionism and the Palestinians. وقد نقله الى العربية عبدالفتاح الصبحي.