التقت "الحياة" في لبنان عدداً من عائلات الأسرى اللبنانيين المعتقلين في السجون الاسرائيلية وذويهم الذين أبدوا تفاؤلهم بحتمية الافراج عن هؤلاء نتيجة وعود تلقوها من الأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله. وروت عائلات ثلاثة من الأسرى هم: الشيخ عبدالكريم عبيد وسمير القنطار وجواد قصفي، واقع معاناتها في ظل غياب كل من الثلاثة عنها. وسجلت "الحياة" تفاصيل انسانية ومؤثرة عن طريقة الأمهات والزوجات والأبناء والأشقاء مع المعتقلين في اسرائيل وعن توقعاتهم للحظة العاطفية عند اتمام صفقة التبادل التي يقود المفاوضات في شأنها نصر الله وينتظر ان تشمل 17 أسيراً لبنانياً افرج عن أحدهم قبل أيام لانتهاء محكوميته و400 فلسطيني وعدداً من الأردنيين والسوريين والمصريين... في مقابل ثلاثة جنود اسرائيليين أسرهم الحزب في منطقة مزارع شبعا، والضابط في الاحتياط الحنان تننباوم. وكانت قضية الأخير طفت بقوة على السطح في المدة الأخيرة، إذ افردت وسائل الاعلام الاسرائيلية مساحات واسعة لتسرد معلومات عن طريقة أسره في روايات متعددة بعدما اصدرت المحكمة المركزية في تل أبيب قراراً يسمح بنشر تفاصيل عنه، كان محظراً كشفها في السابق حول ظروف وقوعه في يد "حزب الله" بموجب امر قضائي. وأجمعت هذه الروايات على ان اسرائيلياً من أصل عربي اسمه قيس عبيد، أغوى، بالتعاون مع تاجر مخدرات لبناني اسمه كايد برو، تننباوم بابرام صفقة بالملايين، دبرت للإيقاع به بعد السفر الى أبو ظبي لاتمامها، وان عملية خطفه تمت بمساعدة الأخيرين وان تننباوم وصل الى بروكسيل بعدما أقنعه عبيد بذلك بحجة تنظيم لقاء مع رجال اعمال، ومن هناك سافر الى ابو ظبي ونقل منها في طائرة ايرانية الى بيروت بعد تخديره. الا ان نصر الله نفى كل الروايات الاسرائيلية واصفاً ما نشر عن طريقة الأسر بأنه "سخافات والأكثر سخفاً هو ادخال العنصر الايراني فيها". يذكر ان نصر الله قال عند الاعلان عن أسر تننباوم في 17 تشرين الأول اكتوبر عام 2000 ان الأخير "دخل الى لبنان بعد استدراجه في شكل قانوني". وكشف في وقت لاحق بعض تفاصيل عملية الأسر معلناً انها تمت في لبنان لا في الخارج وانه كان في مهمة تجسسية وان العملية بدأت حينما بادرت جهة امنية استخبارتية بالاتصال بأحد كوادر الحزب المقربين من شخصية أساسية فيه وتبين لاحقاً انها اسرائيلية تتلطى وراء عنوان اجنبي... وحاولت "الحياة" استقصاء معلومات عن مدى صحة الروايات من مصادر مختلفة، فعلمت من مصادر عربية رفيعة تسنى لها الاطلاع على جانب من وقائع خطف تننباوم ان الرواية الاسرائيلية غير دقيقة ولا تستند الى الواقع، أولاً لأنه لم يخطف، وانما جاء بملء ارادته واقتناعاً منه بأنه سيحصل على مبتغاه من معلومات ووثائق على مقدار من الأهمية. وأوضحت هذه المصادر ان "ما ولّد لديه هذه القناعة صدقية تعاطي اشخاص معه ربطته بهم علاقات وثيقة من خلال تزويده بعض المعلومات التي طلبها. وقد وثق تننباوم بمن استدرجوه للمجيء الى بيروت بعد حصوله منهم على هذه المعلومات". وبحسب إحدى الروايات، فإن تننباوم "التقى في الخارج أحد الاشخاص وأطلعه على معلومات اضافية لديه ذات طابع امني حساس، لكنها لم تكن تضر بالمقاومة وأقنعه بالمجيء الى لبنان. وهذا اللقاء عزز من ثقته بنجاح مهمته وصدقية المتعاونين معه. وكان ذلك حافزاً له للقدوم على عجل الى لبنان فوقع في المصيدة". لكن القصة الكاملة لتفاصيل عملية الاستدراج التي استغرقت وقتاً طويلاً من الألف الى الياء لا يعرفها سوى نصر الله وأفراد لا يتجاوزون عدد اصابع اليد الواحدة. وهي لغز من ألغاز قليلة مفتاحها في يد نصر الله وحده، منها عملية استدراج الكوماندوس الاسرائيلي الى بلدة أنصارية الجنوبية عام 1997 والتي قتل فيها 13 عسكرياً اسرائيلياً جرت على أثرها عملية تبادل بأشلاء هؤلاء في مقابل اطلاق عدد كبير من الأسرى والمعتقلين وجثث المقاومين. واعتبرت مصادر أمنية لدى محاولة التدقيق معها في بعض المعلومات ان من العبث الحصول على اضافات عن ظروف أسر تننباوم وأن جهات عدة حاولت معرفة معطيات، لكن هذه المعطيات هي في يد نصر الله، الذي يحرص بدوره على بقائها طي الكتمان لأسباب عدة منها اعطاؤه الأولوية لانجاح صفقة التبادل، اضافة الى حساسية القضية وما قد ينتج منها من تداعيات ليست في مصلحة الصفقة، اذ ان هناك تحركاً اسرائيلياً ضاغطاً في شكل غير مسبوق، لافشال عملية التبادل لتوظيفها سياسياً وانتخابياً في اسرائيل. وقالت المصادر الأمنية المحايدة: "لا شك في ان نصر الله يتعاطى مع الصفقة كمن يسير في حقل ألغام".