يقول محمود حسيب انه صياد سمك، لكن قاربه لم يكن يحمل سمكاً او شبكة صيد، في حين تنبئ رائحة الديزل والبقع الزلقة على القارب أن مهنته مختلفة تماماً. وتهريب النفط في العراق بعد الحرب عمل مربح جدا وعلى امتداد ساحل شط العرب الذي يقود الى الخليج يبدو ان الجميع يمارس هذا النشاط. وتقول القوات البريطانية التي تسيطر على الخط الساحلي الجنوبي القصير والممرات المائية الداخلية في جنوبالعراق انها تلاحق عمليات التهريب التي حدت بالفعل من عائدات تصدير النفط المطلوبة لاعمار البلاد. لكن على امتداد شط العرب يخرج صغار المهربين من دون ان يعترض طريقهم احد، في حين ينتظرهم التجار الكبار في ناقلات كبيرة في البحر لجمع الشحنات. وتهريب النفط ليس جديداً على العراق. فعلى امتداد 12 عاما من العقوبات التي فرضتها الاممالمتحدة على حكومة صدام حسين كانت عائدات النفط توجه الى تمويل شراء الغذاء والدواء وكان التهريب عملا ترعاه الدولة. والآن يملأ التهريب جيوب العصابات الاجرامية بما يزيد على مليون دولار يوميا. وقارب حسيب واحد من عشرات القوارب الملقاة على الساحل على ضفاف الممر المائي الذي يمثل القطاع الجنوبي من الحدود مع ايران. وهو لا يريد الحديث عن عمله لكن بعد بضعة قوارب كانت هناك شاحنة تفرغ حمولتها من البنزين في قارب آخر. وتخرج القوارب الى البحر متجاوزة الحطام الصدئ للسفن التي دمرت في الحرب العراقيةالايرانية في الثمانينات. وعندما تخرج الى المياه المفتوحة تفرغ شحناتها في سفينة اكبر تنقل بدورها الشحنات الى ناقلة في عرض البحر. وتقدر القوات البريطانية انه يجري تهريب ما بين الفين وثلاثة آلاف طن من النفط من جنوبالعراق، كل اسبوع، لكن المسؤولين العراقيين في بلدة الفاو المطلة على شط العرب يقولون ان الكمية تزيد على عشرة اضعاف هذه التقديرات. ومعظم ما يجري تهريبه منتجات نفط مكررة مثل الديزل والبنزين والكيروسين تنقلها شاحنات من المصافي من دون اذون رسمية او تسحب من خطوط انابيب يجري كسرها. وعلى مسافة بضعة اميال خارج الخليج ترسو "جاغوار 2" وهي ناقلة نفط تبلغ حمولتها 11 الف طن، ومسجلة في بنما تنتظر شحناتها. ويحدق اياد احمد في السفينة العملاقة من زورقه الصغير الذي اصطحب فيه الصحافيين لمشاهدة عملية التهريب. وقال: "حملت بالفعل خمسة آلاف طن وتنتظر بقية الحمولة". واصدرت محكمة عراقية الشهر الماضي احكاما على اثنين من البحارة الاوكرانيين بالسجن سبع سنوات لمحاولتهما تهريب الديزل الى خارج البلاد، ووصفت الادارة الاميركية الحكم بأنه سيكون بمثابة انذار لمن تسول لهم انفسهم تهريب النفط بعد ذلك. وتقول القوات البريطانية في جنوبالعراق انها اعتقلت 240 في اتهامات بتهريب النفط في الاسابيع القليلة الماضية وصادرت عشرات القوارب. وبالمقارنة بالصادرات المشروعة من حقول العراقالجنوبية والتي تبلغ نحو 2.1 مليون برميل يوميا، اي 165 الف طن تبدو الكميات المهربة ضئيلة. لكن عابد علي فضل رئيس بلدية الفاو، قال ان التجارة غير المشروعة تحقق ارباحاً كبيرة للمهربين المسؤولين كذلك عن تهريب المخدرات والكثير من اعمال العنف في الجنوب. وقال ان القوات البريطانية تجاهلت مطالباته بزوارق واسلحة لتتمكن قوات الامن العراقية من وقف التهريب. وتابع فضل: "يجب وقف هؤلاء الناس قبل ان يبدأوا في حكم بلداتنا... يمكنكم ان تروا بأعينكم ان العمليات ما زالت مستمرة".