تطغى عروض الفيديو على ظاهرة "أشغال داخليّة" التي تنظّمها "أشكال ألوان" هذه الأيّام في بيروت. وهذا طبيعي بالنسبة إلى جمعيّة تستقطب أشكال التعبير الجديدة في المنطقة، والفيديو من أبرزها كلغة قائمة بذاتها، لها منطقها وايقاعها ومواضيعها الخاصة. الفيديو هنا فنّ قائم بذاته، لا وسيلة بديلة من السينما، كما هي النظرة السائدة إليه حتّى اليوم في العالم العربي. وفي هذا السياق اكتشف الجمهور في الأيّام الماضية أعمال غسان سلهب "جسدي حياً، جسدي ميتاً"، وجوانا حاجي توما وخليل جريج "الفيلم المفقود"، وشريف واكد "شيك بوينت" وكلّها تستعمل خصوصية الفيديو وإمكاناته لاقتحام دوائر حميمة، أو فضاءات مختلفة، تبدأ بالغوص في الذاكرة والجسد وهواجس الذات، ولا تنتهي عند استعمال السخرية في مواجهة البطش الاسرائيلي في الأراضي المحتلّة. كما شاهد الجمهور عملاً تجريبياً على حدة في هذا المجال هو عرض المصري شريف العظمة "مضيفة مصريّة: تمثيليّة" الذي يجمع إلى السخرية من المسلسلات الرائجة، استعمالاً مميّزاً لمناخات غرائبيّة تطمح إلى تفكيك العالم، وتنتمي إلى المسرح في تكثيفها الدرامي وتعبيرها عن حالات عبثيّة وكابوسيّة هاذية. وغداً سيعرض فيديو على درجة من الغنى والخصوصيّة هو "هذا اليوم" لأكرم الزعتري الذي يسائل فيه الحدود وإمكانات الصورة وقدرتها على السفر وعبور الحواجز والعصور بين الصحراء السوريّة، وجزء من فلسطين المحتلّة مناطق الحكم الذاتي وبيروت الحرب الأهليّة... من خلال ذكريات ويوميات وصور وانطباعات مراهق هو الزعتري نفسه. فيلم "سجل اختفاء" لكن "أشغال داخليّة" تفسح للسينما أيضاً موقعاً أساسياً... فقد دعت كريستين طعمة، مديرة "أشكال ألوان"، السينمائي الفلسطيني إيليا سليمان إلى بيروت لتقديم فيلمه الروائي الأوّل "سجل اختفاء" 1996. يعرض الفيلم اليوم عند الثامنة والنصف في المركز الثقافي الفرنسي في بيروت، بحضور المخرج الذي سيواجه الجمهور بعد العرض في جلسة نقاش بحضور الكاتب الفلسطيني أنطون شمّاس. وكان صاحب "أرابسك" تألّق بمحاضرة استثنائيّة قبل أيّام، في سياق التظاهرة نفسها "عائد إلى بيروت: الحنين مدائن اللغة وعواصم الوهم". ومن المتوقّع أن يدور سجال استثنائي ونادر ومثير هذا المساء بين أنطون شمّاس وإيليا سليمان اللذين تجمع بينهما قواسم مشتركة عدّة، ثقافيّة وابداعيّة وجماليّة وفكريّة. وتجدر الاشارة إلى أن فيلم إيليا سليمان الأوّل ينطوي على ملامح وعناصر الأسلوب الذي سيتجلّى لاحقاً في "يد إلهيّة"، فيلمه الثاني الذي برز في "مهرجان كان" وعرض تجارياً في مدن عربيّة قليلة بينها بيروت. وكان "سجلّ اختفاء" أثار ضجّة غير مبررة أثناء عرضه في تونس والقاهرة، بسبب تفسير سطحي ومجزوء لبعض مشاهده. لكن النقاد وأهل المهنة احتفلوا به، بصفته اعلاناً عن ولادة سينمائي من جيل جديد يتميّز بأدوات مغايرة، ونظرة مختلفة إلى العالم.