مع تنامي السرد الروائي في السعودية نمت معه الدراسات النقدية المتداخلة مع التجارب الروائية المتنوعة والتي تحتاج في مجملها الى وقفات نقدية متأنية ومتداخلة مع تلك الافرازات السردية التي غدت سمة الساحة الادبية في السعودية. وفي هذا السياق صدر للناقد معجب العدواني كتاب بعنوان "تشكيل المكان وظلال العتبات". هذا العنوان الشاعري كان يتماهى مع الروايات التي صدرت أخيراً ومعظمها يسعى الى العنونة الشاعرية. ومن هنا انطلق الناقد العدواني مؤكداً أن السيميائية الحديثة اهتمت بدراسة الاطار الذي يحيط بالنص، كالعنوان والاهداء والرسوم التوضيحية وافتتاحات الفصول وغير ذلك من النصوص التي أطلق عليها اسم "النصوص الموازية" التي تقوم عليها بنيات النص. يأتي الدور المباشر لدراسة العتبات متمثلاً في نقل مركز التلقي من النص إلى النص الموازي، وهو المسار الذي عدته الدراسات النقدية الحديثة مفتاحاً مهماً في دراسة النصوص المغلقة، حيث تجترح تلك العتبات نصاً صادماً للمتلقي، له وميض التعريف بما يمكن أن تنطوي عليه مجاهل النص. يجد المؤلف تبريراً اضافة الى هذا العنوان الشاعري من كون العتبة لدى العرب تعني كما يفيد فعل عتب: عتب لي في هذا الموضع إذا أراد ان يرقى الى موضع يصعد فيه. وعتب من مكان إلى مكان ومن قول الى قول إذا اجتاز من موضع إلى موضع". وعلى المستوى الواقعي كانت عتبات المعابد القديمة تفصل بين نمطين من انماط الوجود: الوجود الديني والوجود الدنيوي، لذا كانت العتبة تضع حداً للتمهيد بين الوجوديين، أو هي القنطرة الموصلة بين فضائين. يبرر معجب العدواني أن العنوان في مجاورته للنص الروائي نصاً موازياً يتطلب جهداً تحليلياً مضاعفاً قد يفوق النصوص الموازية الاخرى ولا سيما العناوين الشكلية التي تعتمد على البعد الشكلي ويتمثل ذلك في العنوان الذي نعجب بتركيبه وحسن صوغه، إلا أن المجيء إلى النص يدفعنا الى التساؤل عن الصلة المقامة بين المضمون وشكلية العنوان. يتضمن العنوان ذلك النظام المعقد المتشابك باحالاته داخل النص، ومن هنا يبدو العنوان كعتبة تربط الداخلي والخارجي، الواقعي والمتخيل، ولذا كانت دراسة العناوين حافلة بالاختلافات التي انبثقت بتفعيل التصنيف لبنية العنوان وتحديدها. يحمل العنوان إلى جانب ذلك وظيفة إعلانية مرسلة إلى المتلقي. فهو اول رسالة يواجهها القارىء ليكون المنظم المركزي لعمليات التلقي التالية، كما أن العنوان يتيح امكانات التأويل الذي ينبني على ثقافة المتلقي. وإذا كان العنوان المكان متصدراً النص الروائي زاد درجة إمكان التأويل لانبثاقه من عمق الثقافة والميثولوجيا والتاريخ، وزدات درجة علاقاته النصية الداخلية مع البنيات السردية الاخرى. ثم يتخذ المؤلف شواهد من خلال عدد من الروايات ذات العناوين الشاعرية، ف"شقة الحرية" للكاتب غازي القصيبي نرى فيها سلطة المكان التي انبثقت في النص وذلك في سطوة العنوان - المكان، ويؤكد ذلك حضور اندفاعات الشخصيات المحورية في العمل، إذ تختلف تلك الممارسات بعدما حلّت ذلك المكان. أما رواية "طريق الحرير" لرجاء عالم فهي نص يتبنى الشعرية المستوحاة من ثنائية العنوان - المكان وهذا العنوان الذي يحيلنا الى الواقعي وهو الطريق الذي ربط حضارات الشرق مع الغرب في العالم القديم، يدفعنا إلى تلمس صورة المكان مع الشخصية، فالطريق مكان مفتوح يمنح الشخصية حرية الحركة، غير أن تلك الحركة تخضع لسلطة الجماعة. لذا كانت علاقات العنوان تنصب في دوائر أسطورية من خلال تلك العلاقات التناصية للعنوان مع الافتتاحيات الداخلية، فضلاً عن حمل الطريق لبعض من الدلالات الرمزية حين يتحول الى قيمة تستوعب رحلة الانسان الى المكان الامثل، وهي الدلالة التي يفرزها العنوان ويدعمها النص. وفي رواية "الموت يمر" من هنا لعبده خال تظهر قرية السوداء كبديل لاسم الاشارة في العنوان الذي يشكل انزياحاً عن العناوين السابقة، كونه ينطلق من جملة اسمية تعبر عن صورة سردية مبسطة، حيث راهنية الحدث يمر والشخصية السردية المتميزة في الرواية الموت والمكان المتمثل في هنا. ويلحظ المؤلف ان الرويات التي يتناولها تتميز بالتدرج من سلطة الشخصية الى سطوة المكان وذلك عبر آليات عدة، منها منحه لمسات أسطورية او خيالية تجعل له وجوداً مستقلاً يحاور وجود الشخصيات ويخضعها لنفوذه. ويجد المؤلف ان التداخل التشكيلي للمكان له بعد أولي لدى الشخصية يتمثل في الجانب الرمزي الذي يحمله المكان بما ينطوي عليه عادة من إشارات رمزية نابعة من المغزى الديني للمكان وعلاقته بالتمركز في العمل ويتبع ذلك رؤية المركزية الكونية حين يرى كثير من البدائيين ان بيوتهم التي يقيمون فيها تقع في ذلك المركز. ويفسر المؤلف ذلك البعد الأولي للمكان لدى الشخصية من خلال المقولة التالية: انه خضوع التركيبة الكلية للمكان لبنية فكرية او شكلية، ظاهرة او متخفية تتحكم في أجزائه وفي وظائفه، وهذه البنى هي التي سماها المؤلف بالعنصر البدائي الأولي الكامن في أي مكان. وأخيراً لا بد من الاشارة الى ان الكتاب يتناول بالدرس الروايات الآتية : "رباط الولايا" لهند باغفار، "اللعنة" لسلوى دمنهوري، "آدم يا سيدي" و"غدا انسى" لأمل شطا، "مسرى يا رقيب" لرجاء عالم، "امرأة على فوهة البركان" لبهية ابو سبيت، "الغصن اليتيم" لناصر الجاسم، و"ريح الكادي" و"صالحة" لعبدالعزيز مشري، و"مدن تأكل العشب" لعبده خال، "العصفورية" و"سبعة" لغازي القصيبي، و"سقيفة الصفا" لحمزه بوقري.