"العدائية الجديدة ضد الإسلام" عنوان كتاب جديد للكاتب الفرنسي فنسان جيسير، الباحث في معهد الدراسات الخاص بالعالم العربي والإسلامي والتابع لمركز البحوث العلمية في فرنسا CNRS، والأستاذ المحاضر في معهد العلوم السياسية في مدينة "أكس" جنوبفرنسا. ويثير هذا الكتاب منذ صدوره في الآونة الأخيرة سجالاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية لأنه يتطرق إلى موضوع شديد الحساسية في المجتمع الفرنسي اليوم. يرصد المؤلف في كتابه النزعة العدائية الجديدة الموجهة اليوم ضد الإسلام والمسلمين في الغرب في شكل عام، وفي فرنسا بالأخص. ولا يتوقف عند خطاب بعض السياسيين حيال الموضوع، بل يتجاوزه إلى موقف بعض المثقفين والإعلاميين أنفسهم في فرنسا ومنهم من يمتلك سلطة إعلامية أكيدة من خلال ظهورهم الدائم في وسائل الإعلام المختلفة لا سيما الإعلام المرئي. في تناوله الكتابات العدوانية والاستفزازية في أوساط هؤلاء يكشف المؤلف عن طبيعة هذا الخطاب العدائي وأسسه، وكيف يحاول أصحابه تقديمه من خلال منطق يرتكز إلى التمويه بتبنّيه قيم الحرية والعلمانية والديموقراطية. كأن الموقف السلبي والمطلق من الإسلام هو، في رأيهم، جزء من هذه القيم. ويلاحظ الكاتب، ومنذ البداية كيف أن هذه النزعة العدائية كانت موجودة أصلاً ويعبر عنها سراً أو علانية ولكن ضمن أطر محدودة وضيقة، بينما اتخذت هذه النزعة، على لسان بعض السياسيين والمثقفين والإعلاميين، بعداً آخر أكثر عنفاً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر. في تصديره الكتاب، يعتبر فنسان جيسير أن ما دفعه الى كتابة هذه الدراسة هو الصمت الذي خيّم على المثقفين الفرنسيين في الآونة الأخيرة وتركهم ساحة النقاش لمصلحة كليشهات تشوه حقيقة الإسلام كدين، وتخليهم أيضاً عن ممارسة النقد والنقد الموضوعي إزاء ظاهرة العداء هذه والتي قد تكون لها عواقب خطيرة في المجتمع، خصوصاً أنها تنطلق من تخيلات واستيهامات لا علاقة لها بالواقع الموضوعي الاجتماعي والثقافي. ولفته أن بعض هؤلاء المثقفين ممن يعتبرون أصحاب نزعة إنسانية، وممن ينتصرون لقضايا الشعوب بعامة، ظلوا هم أيضاً قابعين في خانة الصمت، بل حتى عندما خرجوا من هذه الخانة وأدلوا بآرائهم في الموضوع جاءت مواقفهم لتصب الزيت، هي الأخرى، على نار الحقد تلك. وفي هذا السياق يذكر الكاتب أسماء عدد من هؤلاء منهم على سبيل المثال كلود أمبير، ميشال تريبالا وألان فنكيلكروت وجان دانيال... وإذا استثنينا كل الكتابات الاستفزازية والعنيفة التي انتشرت في السنتين الأخيرتين ككتاب الصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي والكاتب الفرنسي ميشال ولبك، يظل الخطاب السياسي والإعلامي السائد مثيراً كثيراً من القلق والاستغراب. فباسم محاربة التطرف الديني والإرهاب، يفصح هذا الخطاب عن أيديولوجية تلتقي مع خطاب أمني شعاره "الرد على الخوف بالتخويف". وهنا يستعرض الكاتب ظواهر العداء للإسلام في كل القضايا التي تمس المجتمع كقضية الحجاب ونشاط الجمعيات الإسلامية ومسألة تنظيم الديانة الإسلامية في فرنسا. وأكثر ما يلفت الكاتب في هذا المجال هو طريقة بعض الوسائل الإعلامية في تناول هذا الموضوع وفي تهميشها أصوات المتخصصين وأصحاب الرأي الموضوعي فيه، والباحثين في موضوع الظاهرة الدينية، وكذلك في تغييب الرأي الآخر، والاكتفاء بالاستماع إلى الصوت الواحد والتركيز على الكتب والمقالات المتواطئة مع الرأي السائد الذي يدعم فكرة التخويف والترهيب من الإسلام ومن المسلمين. في موازاة هذه المواقف العدائية والدور الذي يمكن أن تلعبه في تعميم الصورة السلبية اللاحقة بالإسلام، يشير المؤلف إلى الاعتداءات التي تزايدت، في السنوات الأخيرة، ضد الإسلام والمسلمين بما فيها الاعتداءات على أماكن العبادة والمساجد. ويصل الكاتب إلى حدّ المقارنة بين هذه الظاهرة من جهة، وظاهرة معاداة السامية في الثلاثينات من جهة ثانية، ويرى أنّها تتجاوزها اليوم. ويشير إلى أن ظاهرة معاداة الإسلام تشكل انزلاقاً خطيراً وخلطاً بين مسائل مختلفة كالإسلام والإرهاب والتطرف على رغم تعقّد كل منها. بعد تطرقه إلى موقف المثقفين والإعلاميين والدور الذي يلعبونه في تعميم الصورة المعادية للإسلام، يلتفت الكاتب إلى الموقف السياسي كما يظهر عند عدد من السياسيين الفرنسيين نواباً ورؤساء بلديات، وكيفية تعاملهم مع الشأن الإسلامي عموماً وبصورة لم يسبق لها مثيل. يشجعهم على ذلك الوضع الأمني السائد، خصوصاً في "الضواحي الساخنة" حيث تعيش غالبية عربية وإسلامية. من المواضيع التي تكشف عن موقف هؤلاء السياسيين بناءُ المساجد ومسألة الحجاب التي عادت الى الظهور بقوة وكانت للبعض مناسبة لتسجيل موقف سياسي أكثر مما استدعت استيعاب هذه المسألة والرد عليها موضوعياً، خصوصاً أن ثمة من اعتبر أن مسألة الحجاب تشكل تهديداً للعلمانية والجمهورية في فرنسا. في رأي الكاتب فنسان جيسير ان إعادة قضية الحجاب إلى النقاش في الساحة السياسية والإعلامية بعد أربع عشرة سنة من إثارة القضية للمرة الأولى يفصح عن خوف بعض عناصر المجتمع من حضور الإسلام في فرنسا، ثقافياً واجتماعياً. صحيح أن هناك نوعاً من الانكفاء على الذات عند بعض فئات الشباب من أصل مسلم وهي ظاهرة نلمسها أيضاً عند بقية الشباب من الديانتين المسيحية واليهودية، لكن تناول بعض المسؤولين والإعلاميين هذا الموضوع لا يند عن تفهم وعقلانية، بل يدفع بعض هؤلاء الشباب إلى الذهاب أبعد في سلوكهم المنغلق والمحافظ. من جهة ثانية يذكر المؤلف أنه لاحظ، خلال بحث ميداني أجراه في مدينة مرسيليا، أن إجراءات خاصة تم الاتفاق عليها في المؤسسات التربوية الحكومية لإعفاء التلاميذ من ذوي الديانة اليهودية من الدراسة يوم السبت. وهنا تساءل قائلاً: "لماذا ظلت هذه الإجراءات سرية؟ لماذا لا يطبق مثلها على التلاميذ المسلمين؟ ولماذا لا تناقش مثل هذه الأمور المهمة في وضح النهار بدل تركها تصبح أرضية للعداء والتمييز العنصري اللذين قد يؤديان إلى ما لا تحمد عقباه في المجتمع الفرنسي. وهنا يطالب المؤلف بإعادة النظر في مكانة الإسلام في فرنسا وكيفية التعامل معه انطلاقاً من رؤية واقعية وتاريخية تساهم في توضيح المسائل لا في تعقيدها أو في استخدامها من أجل غايات سياسية آنية قد تكون لها نتائج سلبية في المستقبل على المجتمع الفرنسي ككل. ولا يتردد فنسان جيسير في إدانة وسائل الإعلام التي تقف وراء تشويه صورة الإسلام في فرنسا والتي تتسع رقعتها أكثر فأكثر. ويسمي بعض هذه الوسائل الإعلامية بالاسم ومنها مجلات "الإكسبرس" و"نوفال أبسرفتور" و"لو بوان"، وهذه الأخيرة قام مديرها كلود أمبير بوصف الإسلام بأنه "يقود إلى التخلف العقلي".