افتتحت صالات عرض السينما في العاصمة السويدية استوكهولم بدءاً من يوم أمس ابوابها امام رواد مهرجان استوكهولم الدولي للافلام الذي يدخل عامه الرابع عشر بحلة افلام جديدة تتجاوز 160 فيلماً من معظم بقاع الارض. وبعدما دارت الاضواء في سنوات ماضية على الهندوالصين وافريقيا تحط هذه المرة في تايلاند التي اصبحت من اكبر البلدان المنتجة للافلام السينمائية. وتعرض في المهرجان عشرات الافلام التايلاندية، ولكن للافلام الفرنسية مكانة خاصة إضافة الى زرع المهرجان بأسماء عالمية مشهورة كالمخرج المبدع كوينتين تارانتينو الذي يعود بعد غياب ست سنوات عن الشاشة البيضاء بفيلم "كيل بيل" الذي يفتتح المهرجان السينمائي بعرضه. واكراماً للتنوع الذي تميز به مهرجان استوكهولم فيستضيف المخرج الاميركي دايفيد لينش الذي سيكرم بجائزة استوكهولم لانجاز العمر وهي جائزة تمنح كل عام لمخرج سينمائي يحمل في جعبته اعمالاً كثيرة حفرت مكاناً لها في تاريخ السينما العالمية. استراحة ما... بعدما أخرج فيلم "جاكي براون" قبل ست سنوات اختفى المخرج كوينتين تارانتينو عن الاضواء، اذ اخذ استراحة طويلة من الاخراج السينمائي وأعطى وقتاً اطول لزوجته وسافر الى الصين حيث قضى بعض الوقت وشاهد الآلاف من افلام الكاراتيه المولع بها لعله يستحضر منها فكرة جديدة تدوي في عالم السينما. وبعد طول غياب يأتي فيلم "كيل بيل" الذي يذكر المشاهد بأن تارانتينو الذي ارعب وافرح وأثار أعصاب المشاهد في فيلم "بالب فيكشن" مستمر على المنهاج نفسه. فهو لا يحب المقدمات او التفاصيل غير الضرورية وانما يشد المشاهد الى الاحداث بمجرد ان ترتفع الستارة السوداء ويظهر المشهد الاول لفيلمه. وفي "كيل بيل" الذي تمتد احداث جزئه الأول المعروض علماً ان له جزءاً ثانياً قيد الانجاز حالياً، طوال 110 دقائق يدخل تارانتينو الجمهور الى بيت العروس اوما ثورمان التي تحضر نفسها لاهم ليلة في حياتها ولكنها تصاب برصاصة في رأسها فتدخل في الكوما لفترة من الزمن ثم تتحسن وتعود لتنتقم. افتتاحية لا يمكن الا ان تجبر المشاهد على متابعة احداث الفيلم حتى النهاية. ولكن بما ان تارانتينو الذي خلق لنفسه لوناً خاصاً في صناعة الافلام، والمتميز بأن افلامه ليست افقية، اي توجد لها بداية ولكن من الصعب تحديد منتصف الفيلم ونهايته لأن المشاهد متداخلة وعلى المشاهد البحث عن الترابط اثناء انتقال الاحداث من مشهد الى مشهد آخر. احداث الفيلم تتم في ثلاثة اماكن مختلفة ينتقل تارانتينو فيها في حال شبه فوضوية. فالبيئة الاولى هي مستشفى في نيويورك حيث العروس المصابة بعيار ناري برأسها تتلقى العناية وهي في الكوما لفترة اربع سنوات، واثناء وجودها هناك يحاول احد الاشخاص قتلها من خلال حقنة سامة ولكن من دون جدوى، والبيئة الثانية هي في منطقة اوكيناوا في اليابان حيث ينتظر العروس المغدورة رجل متقاعد يصنع السيوف سوني شيبا ليعطيها ادوات خارقة للقتل، والبيئة الثالثة هي مكان الانتقال النهائي اي حيث يدور العراك الاخير بين العروس وكيل بيل في مكان سكن الاخير. لا شك في أن فيلم "كيل بيل" هو من نوع العنف المشوق والمبني على اسس الانتقام على رغم ان المشاهد قد يشعر لفترات قصيرة بأن تارانتينو خرج عن الموضوع، ولكن بأسلوبه الفني الممتاز يعيد المشاهد الى قلب الحدث المشوق. افلام المخرج تارانتينو التي قد يعتبرها البعض غريبة او خارجة على المألوف ليست وحيدة في مهرجان استوكهولم، اذ يشترك معه المخرج الاميركي البارع دايفيد لينش الذي سيزور العاصمة السويدية ليقابل جمهوره وجهاً لوجه كما سيُعرض عدد من افلامه التي تميزت بالعنف والجنس والرعب والمشاهد الغريبة. من بين تلك الافلام سيعرض فيلم "حكاية ستريت" عن جايمس ستريت العجوز الذي يدور في معظم الولايات الاميركية على مكنة لقص الحشيش من اجل زيارة شقيقه. جايمس هذا لا يملك رخصة سوق ولهذا اختار طريقة اخرى لزيارة شقيقه. وقال لينش سنة 1999: "زوجتي وجدت القصة في احدى الصحف عام 1994 فاشترت حقوق النشر وكتبت السيناريو. العم جايمس ستريت توفي عام 1996 وها نحن الآن تمكنا من تمويل المشروع لانجاز الفيلم". دايفيد لينش تميز عن معظم مخرجي هوليوود لأنه متعدد المواهب، اذ انه يعزف الجاز ويرسم، كما انه لم يدخل عالم السينما من الكليات العلمية او مدارس السينما بل اختارها كهواية في النصف الثاني من الستينات من القرن الماضي. ولكنه في مطلع السبعينات تحسن اداء لينش وبدأ يعمل على افلامه النوعية من خيال علمي وأفلام طريق وكوميديا متلفزة وأفلام إجرام مشوقة. عندما طرح على لينش سؤال من اين يحصل على افكار جديدة لافلامه، قال: "تلك الافكار ليست افكاري وهذا ما اعتبره غريباً. انها تأتي من مكان ما لا اعرفه. اعتقد ان الافكار موجودة في مكان ما وهي التي تأتي الينا، لذا على الارجح. انا مذهول بتلك الافكار ولكن اعتبرها هبة لنا". غياب عربي على رغم البرنامج الواسع لمهرجان استوكهولم للافلام فإن السينما العربية لم تقدم اي فيلم لهذا العام. في العام الماضي كان للسينما المغربية والجزائرية حضور مهم عبر بعض الافلام ولكن في شكل عام الدول العربية شبه غائبة عن المهرجان. تشرح مديرة المهرجان غيت شينيوس الى "الحياة" ان لجنة المهرجان عندها سياسة "واضحة من اجل تعزيز الافلام المنتجة في دول العالم الثالث والافلام التي لا تدور في اجواء هوليوود. وطبعاً نحن نفكر كل عام بالدول العربية ونتمنى الحصول على افلام جيدة من هناك، ولكن للاسف فإن الافلام التي تصلنا قليلة للغاية. اعتقد ان السينما المصرية يمكن ان تقدم عدداً كبيراً من الافلام المهمة التي يمكن اعطاؤها مساحة في المهرجان ولكن حتى هذا الوقت مصر لم ترسل لنا اي فيلم". وتشرح شينيوس ان لجنة المهرجان قررت منذ الانطلاق القاء الضوء على المخرجين الصاعدين الشباب، لذا عندما تختار افلاماً للمهرجان تعطي نسبة 50 في المئة لتلك الافلام التي تعرض للمرة الاولى وبخاصة الافلام التي تمتاز بلون خاص بها مثل فيلم "وداعاً لينين" الذي يحكي قصة مثيرة ومضحكة، ولكنها محزنة في الوقت نفسه عن انهيار جدار برلين. والدة اليكس، كريستينا التي ناضلت طوال حياتها من اجل مبادئ تؤمن بها في بناء دولة المانيا الديموقراطية السابقة. كريستينا هذه تصاب بنوبة قلبية عام 1989 ويتمكن الطبيب من معالجتها الا انه ينصح اولادها بألاّ يتعبوها او يقولوا لها اي اخبار محزنة. وبخاصة خبر انهيار جدار برلين الذي لو وصل اليها سينهار قلبها معه. يحرص اليكس على اخفاء الحقيقة عن والدته خوفاً على حياتها الا انه يواجه مصاعب كثيرة في ذلك. فالشقة التي كانت تعيش بها والدته تشرف على جدار برلين كما انها خلال فترة معالجتها في المستشفى اختفت معالم الشقة البروليتارية وحلت مكانها معالم الرأسمالية. اكراماً لوالدته وحرصاً على حياتها يقوم اليكس باعادة ديكور الشقة القديم ويعلق صور الزعماء الشيوعيين على جدران الشقة من جديد. ويتفق مع بقية الجيران على ان يفعلوا الشيء نفسه. لقد تمكنت ادارة مهرجان استوكهولم الدولي للافلام خلال 14 سنة من رفع مستوى مهرجان صغير ومحدود كان عدد رواده في البداية لا يتجاوز المئات الى مهرجان سينمائي له ثقله في شمال اوروبا من ناحية نوعية الافلام وعددها، ما رفع من عدد الرواد الى اكثر من 60 ألف زائر. كما نجحت الادارة في اعادة احياء تراث السينما القديم الذي انتشر في الغرب في فترة السبعينات وأنقذت عدداً من قاعات السينما في استوكهولم التي كانت مهددة بالإزالة وبناء مبانٍ تجارية مكانها، ولكن بفضل جهود لجنة المهرجان أعيد ترميم تلك القاعات الخلابة التي تحمل تاريخاً سينمائياً عريقاً. إضافة الى العروض التي ستقدم في معظم قاعات السينما في استوكهولم فإن هناك محاضرات ونقاشات مباشرة مع مخرجين عالميين ومحليين يحضرون المهرجان.