يستكمل الرئيس جاك شيراك بزيارته الرسمية لتونس يومي 3 و4 كانون الأول ديسمبر المقبل، جولات مغاربية أعادت لفرنسا بعض مواقعها السياسية والثقافية والاقتصادية التي فقدتها في ظل حكم الاشتراكيين. واتسمت علاقات الحكومات الاشتراكية منذ وصول الرئيس الراحل فرنسوا ميتران الى سدة الرئاسة العام 1981 باحتكاكات مع الجزائر، خصوصاً بعد اندلاع المواجهات مع الاسلاميين، والمغرب بسبب تأييد الاشتراكيين الفرنسيين للمعارضة، وتونس على خلفية انتقادهم أوضاع حقوق الانسان. وأتاح ذلك لمنافسي فرنسا الأطلسيين والأوروبيين على السواء "قضم" بعض من نفوذها التقليدي وكسب جولات في الصراع المتنامي على خطب ود الحكومات والنخب. ويمكن القول ان زيارات شيراك للجزائر والمغرب وموريتانيا ثبتت فرنسا في موقع الشريك الرئيسي للمنطقة المغاربية بعدما كانت تسير تدريجاً نحو خسارة هذا الامتياز. مكانة محورية ويرجح أن تكرس قمة بلدان الحوض الغربي للمتوسط المعروفة ب"5"5" المقرر عقدها في تونس يومي 5 و6 الشهر المقبل، المكانة المحورية لفرنسا في شمال افريقيا بوصفها جسراً بين أوروبا والاتحاد المغاربي. ويعتقد سياسيون مغاربيون بأن استمرار باريس الدفاع عن سياسة متوسطية نشطة وعلاقات جوار وثيقة مع بلدان الضفة الجنوبية، في ظل اندفاع العواصم المؤثرة في أوروبا نحو الشرق وتركيز أولوياتها على دمج الأعضاء الجدد العشرة في الاتحاد، ساعد الفرنسيين على رسم صورة مغايرة لبقية الأوروبيين في أذهان النخب المغاربية. وسيعمل شيراك على تعميق هذه الثورة خلال زيارته المقبلة لتونس، التي تستمر عملياً أربعة أيام، وهي الثالثة لهذا البلد منذ تسلم مقاليد الرئاسة في العام 1995. وكان شيراك قام بزيارة دولة لتونس يومي 5 و6 تشرين الأول اكتوبر العام 1995، وزيارة عمل في الأول من كانون الأول العام 2001 في اطار جولة مغاربية سريعة، اضافة لزيارة خاصة في العام 1998 أجرى خلالها محادثات مع الرئيس بن علي وزيارة خاصة ثانية في السنة ألفين لحضور مراسم تشييع الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. ويمكن القول ان تونسوفرنسا فتحتا صفحة جديدة في علاقاتهما منذ وصول شيراك الى قصر الايليزيه وهو الذي اعلن اختلافه مع سياسات الحكومات الاشتراكية وحافظ على علاقات متينة مع تونس. وتكرس التقارب مع باريس من خلال تكثيف زيارات وزراء فرنسيين لتونس والتقدم الذي حققته اللجنة العليا المشتركة في دوراتها الأخيرة. تنسيق أمني وتبوأ التنسيق الأمني موقعاً مركزياً في التعاون بين الحكومتين. إذ لوحظ أن اللجنة الأمنية المشتركة برئاسة وزيري الداخلية عاودت اجتماعاتها فيما شاركت اجهزة الأمن الفرنسية في التحقيقات حول عملية تفجير كنيس "الغريبة" في جزيرة جربة جنوب العام الماضي، بالنظر لكون أسرة منفذ العملية نزار نوار، الذي قتل في الحادثة، مقيمة في ليون، اضافة الى أن مواطنين فرنسيين كانا من ضمن ضحايا التفجير. وعلى الصعيد الاقتصادي استطاع الفرنسيون المحافظة على المركز الأول بين المستثمرين الأجانب في تونس على رغم "الخضات" العنيفة التي أبصرتها العلاقات السياسية في التسعينات والتي وصلت الى حد تكريس القطيعة علناً بين الحزب الاشتراكي الفرنسي الحاكم آنذاك ونظيره "التجمع الدستوري الديموقراطي". وأفادت آخر احصاءات لوزارة الاستثمار الخارجي التونسية ان الشركات التي أقامها مستثمرون فرنسيون في تونس تخطت حاجز الألف مشروع وهي تؤمن 75 ألف فرصة عمل. إلا أن رجال أعمال فرنسيين شكوا في ندوة عقدت أخيراً في تونس من "تجاهلهم" لدى عرض مشاريع كبيرة على مستثمرين دوليين أو طرح منشآت عمومية للتخصيص، ومن ضمنها طريق سريعة ومولدات كهرباء ومطار مدني جديد في النفيضة وسدود. ومع ذلك تستأثر فرنسا ب31 في المئة من صادرات تونس، وتؤمن أكثر من 25 في المئة من مستورداتها. وقدر حجم الاستثمارات الفرنسية الخاصة في تونس خلال العام الماضي ب130 مليون دولار. وكان وزير الخارجية التونسي الحبيب بن يحيى اجتمع الشهر الماضي مع الرئيس شيراك ونقل اليه رسالة خطية من الرئيس زين العابدين بن علي رجح انها تعلقت بإعداد الزيارة الرسمية التي يعتزم الرئيس شيراك القيام بها لتونس مطلع الشهر المقبل.