بدأت بعض الفضائيات العربية، مع حلول شهر رمضان المبارك، بثَّ مسلسل "الشتات". وهو مسلسل من انتاج سوري يروي قصة الحركة الصهيونية منذ عام 1812 الى نكبة 1948، وما تلاها من إقامة دولة اسرائىل على ارض فلسطين. ولست هنا في وارد التعرض لحيثيات هذا المسلسل، او لأبطاله أو للجودة الفنية، او المقدرة الروائية لكاتبه شاهدت الحلقة الأولى من المسلسل فقط، على فضائية المنار، بل أود التطرق الى الأضرار المباشرة وغير المباشرة التي قد يلحقها بث مثل هذه المسلسلات علينا، كعرب ومسلمين، وخصوصاً من يقيمون منا في ديار الغربة، في هذا الوقت الذي توضع فيه تصرفاتنا وتحركاتنا تحت المجهر. إن توجهنا، نحن العرب والمسلمين وخصوصاً سورية التي أنتجت هذا العمل "الفني"، ومنظمة "حزب الله" اللبنانية التي اختارت بثه عبر فضائيتها، الى معالجة قضاياهم عبر المسلسلات والبرامج التلفزيونية انما يعبر، في الدرجة الاولى، عن افلاس من الناحية الفكرية، وعدم قدرة على مواجهة الواقع ومتطلبات المرحلة المصيرية التي تواجهنا وتفرض مراجعة الذات، ومحاسبة النفس، والنظر عميقاً الى الداخل بغية الوقوف على الأخطاء وتصحيحها، وتوجيه دفة السفينة لكي تقود الى شاطئ الأمان. إنني لا أعرف ماذا دفع بكاتب المسلسل للنبش في تاريخ الحركة الصهيونية، وما الذي دفع بالمخرج الى تجسيد قادة هذه الحركة، وتصوير جذور الفكر الصهيوني. ولكن ما اعرفه تماماً، كما يعرفه كل عربي، أننا في غنى عن ذلك. تشهد على ذلك ملايين بل عشرات ملايين ساعات بث الأخبار والتعليقات والتصريحات، عبر الاذاعات والتلفزيونات والصحف والمجلات العربية، منذ نكبة 1948 وحتى الآن. فوجدت الأنظمة العربية في قضية فلسطين ضالتها، وحولتها بقدرة فائقة الى شماعتها التي تعلق عليها كل مساوئ المجتمع العربي، وعوامل تخلفه وجهله، وانعدام الحريات السياسية وحقوق الانسان والديموقراطية، الى ما هنالك من اعراض يجف القلم قبل ان انتهي من كتابتها. لقد آن الأوان لكي نصلح أنفسنا من الداخل، عملاً بقوله تعالى: "إن الله لا يصلح أمة حتى يصلحوا ما بأنفسهم"، ونتعرف على تاريخنا نحن وليس تاريخ الصهاينة، وعلى الحقبة المشرقة من هذا التاريخ حين كان الغرب يعيش ظلام العصور الوسطى، وأن ندرس ونفقه ماهية تدهورنا وتراجعنا منذ ذلك الحين، عسى ذلك ينفعنا في تطوير أنفسنا ومجتمعاتنا ودولنا وتوفير ولو الحد الأدنى من الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان. وعندئذ سنملك من القوة والحصانة ما يكفي لمواجهة جميع العقبات التي تقف في طريقنا، وتحقيق أهدافنا. ألمانيا - الدكتور كمال أحمد عبدالباقي