صعدت المقاومة الأفغانية أخيراً عملياتها ضد الوجود الأجنبي والأفغاني الموالي له في المثلث البشتوني الممتد لمئات الكيلومترات بدءاً من قندهار وهلمند وأوروزجان إلى بكتيكا وخوست وكونار وانتهاء بزابل وغزني القريبتين من العاصمة الأفغانية كابول. وشكل ذلك هاجساً حقيقياً للوجود الأجنبي في أفغانستان، مع تنوع أعمال المقاومة ودخول رموز أفغانية تاريخية إلى ساحة الصراع الأفغاني وهو ما قد يُخرج الصراع إن لم يكن قد أخرجه بالفعل، من صراع ضد "الإرهاب" ممثلاً ب"القاعدة" و"طالبان" إلى مقاومة شعبية كان رموزها يؤخذون بالأحضان الأميركية حينما كانوا يقاومون الغزو السوفياتي لأفغانستان في الثمانينات. وعبرت التصريحات الأميركية والأفغانية الحكومية عن قلق متنام من تصاعد أعمال المقاومة في هذا المثلث والذي يوقع إصابات بليغة بشكل يومي في صفوف القوات الأميركية والأفغانية الموالية لها، من دون أن تصل كاميرات التلفزيون أو أقلام الصحافيين إلى تلك الاحداث. ولفهم أبعاد هذا التطور يجدر التركيز على نقطتين مهمتين في هذا السياق: النقطة الأولى ممثلة بتنوع أنماط وأشكال المقاومة التي انتهجتها القوى المناوئة للوجود الأجنبي في أفغانستان من حرب دعائية ومنشورات قوية ضد هذا الوجود، يغذيها تجاهل القوات الأميركية والأقلية الأفغانية المتحكمة في كابول للغالبية البشتونية القاطنة في هذا المثلث. ويضاف إلى ذلك مواصلة الطائرات الأميركية لغاراتها على مناطق سكنية بحجة ملاحقة المطلوبين، وكان آخرها استهداف عائلة القائد الأفغاني الحكومي غلام رباني في نورستان بحجة استهداف زعيم الحزب الإسلامي قلب الدين حكمتيار، فقتل على أثر الغارة أربعة من أولاده بينهم طفل في السادسة عشرة من عمره، وطفلة في الخامسة عشرة من عمرها. وطورت المقاومة الأفغانية من عملياتها فخطفت مهندساً تركياً وطالبت بمبادلته بأسراها، وسعت إلى خطف صحافيين أميركيين، وضربت طائرات في قواعدها ونصبت مكامن وهاجمت مقار للشرطة، وكذلك قطعت طرق رئيسية ونحو ذلك من النشاطات العسكرية. أما النقطة الثانية: فتمثلت في دخول زعماء أفغان تاريخيين على خط الصراع مع القوات الأميركية وبقوة، ما وفر استقطاب شرائح أفغانية جديدة إلى المعركة، وكان من بينهم أخيراً زعيم الحزب الإسلامي مولوي يونس خالص والذي توارى عن الأنظار وتولى نجله أنوار الحق مجاهد قيادة الحزب نظراً إلى تقدمه في السن. والمؤشر الآخر ما كشف عنه كتيب بتوقيع جيش المجاهدين السري الأفغاني حين ادعى أن مجموعات من أحزاب المجاهدين السابقين مثل الجمعية الإسلامية بزعامة برهان الدين رباني والاتحاد الإسلامي بزعامة عبد رب الرسول سياف والحزب الإسلامي بشقيه حكمتيار وخالص وجبهة الإنقاذ الوطني بزعامة الرئيس السابق صبغة الله مجددي، إضافة إلى مقاتلي "القاعدة" و"طالبان"، انضمت إلى مشروع مقاومة الوجود الأجنبي في أفغانستان. ويعتقد مراقبون ومحللون سياسيون أن في حال استمرت وتيرة المقاومة الأفغانية بهذا الشكل، فإن الفاتورة الأميركية ستكون باهظة التكاليف، خصوصاً في ظل تجاهل أميركي لدور باكستاني في أفغانستان وتقديم العدوة الهند عليها، وهو ما سيدفع إسلام آباد إلى قلب قواعد اللعبة التي أرغمت على الالتزام بها بعدم التدخل في الشأن الأفغاني الداخلي حينما ترى الجميع يتدخل على حساب أمنها القومي.