تحتل الأهوار مكانة خاصة بين المناطق التي تتميز بنظام إحيائي فريد في العالم كله ومنطقة الشرق الأوسط تحديداً، وهو ما يؤهلها لتكون مركزاً لصناعة سياحية يتفرد بها العراق من بين كل بلدان الجوار. وتجدد الاهتمام بهذه المسطحات المائية الشاسعة التي تمتد على مساحات تفوق 30 كيلومتراً مربعاً منذ سقوط النظام العراقي السابق الذي أدت سياسته المتعمدة القضاء على المعارضة المتحصنة في الأهوار الى تجفيف هذه المنطقة التي أثارت على الدوام مخيلة الشعراء والمهتمين بالشرق الأوسط، بسبب نظام الحياة الخاص بها الذي لا يشابهه أي نظام آخر في المنطقة. ومن الذين سحرتهم منطقة الأهوار آن كلود مبعوثة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ممثلة "جمعية حقوق الإنسان البريطانية" التي حرصت على تكريس قدر لا يستهان به من زيارتها الأخيرة للعراق لمتابعة أوضاع هذه المنطقة ذات التنوع الإحيائي الفريد. وأثمر اهتمام آن كلود هذا رعايتها برنامجاً تدريبياً لمهندسين عراقيين في الولاياتالمتحدة على كيفية رعاية بيئات مائية مماثلة للحصول على الخبرة اللازمة لإعادة الحياة الى هذه البقعة التي كانت التجمعات السكانية وأنماط الحياة الفطرية التي تتميز بها تثير اهتمام العاملين في قطاع السياحة. وسيشكل هذا البرنامج التدريبي جزءاً من برنامج أوسع نطاقاً تهتم به جهات وهيئات دولية عدة لإعادة الحياة مجدداً الى منطقة الأهوار التي تعرضت الى أضرار كثيرة أخلت بتوازنها البيئي. ويرى مهتمون بالطبيعة أن أهوار العراق، وهي دلتا يغمرها فائض مياه نهري دجلة والفرات لدى انحدارهما باتجاه مسطح التقاء مشترك في جنوب البلاد، تمثل صورة فريدة لعالم مائي نادر يبدو كلوحة فنية ساحرة، وهذا ما يكسب الأهوار أهمية سياحية متميزة الى حد جعلها توصف بأنها "بندقية الشرق". ويقول مناف الحديثي، وهو صاحب إحدى الشركات السياحية في بغداد، ان منطقة الأهوار تعرضت الى الإهمال في العهد السابق قبل أن تتعرض الى تجفيف مسطحاتها المائية ذات النظام الإحيائي البديع والمميز. علاوة على ذلك، رفضت عروض تقدمت بها أكثر من شركة استثمارية عالمية بقصد استثمار المنطقة وتطويرها سياحياً، بما في ذلك إقامة المسابقات الرياضية العالمية نظراً الى ان مسطحاتها المائية تصلح لتنظيم مسابقات رياضية دولية. ويعتبر "هور الحمار و"هور الحويزة" من أكبر المسطحات في هذه المناطق وأقدمها على الإطلاق. أما المسطحات المائية الأخرى فهي حديثة التكوين نسبياً ويسميها العراقيون "البطائح" وقد أقام السومريون بجوارها أول حضارة لهم في الربع الأخير من الألف الرابع قبل الميلاد حيث بنوا مدناً مثل "اريدو" و"أور" في محافظة ذي قار على بعد 390 كلم جنوببغداد. وتكتسب هذه المناطق، الى جانب اهميتها السياحية والتاريخية، أهمية سياحية واقتصادية كبيرة بسبب تباين تكاوينها الطبيعية، ففي الوقت الذي ينتشر عند حافات هذه المناطق بكثافة قصب البردى ونبات الأثل، تحوي مياهها ثروات سمكية هائلة تحيطها أسراب من الطيور والإوز ودجاج الماء ومالك الحزين وأسراب أخرى قادمة من أصقاع الدنيا طلباً للدفء والتكاثر فيما وجدت أسراب غيرها في جمال طبيعتها ونباتاتها الغضة ما يوفر لها فرصاً أكبر في الحصول على غذائها الذي تلتقطه بعناية بين حنايا قصب البردى وأطرافه المتهدلة. ويقول خبير الموارد المائية، حسن الجنابي، الذي يعمل على إعادة الحياة للأهوار المجففة انه تم لهذا الغرض إطلاق كميات مناسبة من المياه لهذه المناطق انطلاقاً من السدود المقامة على نهري دجلة والفرات لكي تسترد عافيتها التي افتقدتها طوال سنوات التجفيف الماضية والتي أدت الى تدهور الحياة فيها كلياً. ويضيف ان "جهوداً كبيرة تبذل حالياً لردم الجداول والقنوات الفرعية التي أقيمت سابقاً ومعالجة المشكلات الناتجة من حفر أنهر اصطناعية توزعت على مساحات متباينة وتصل أطوالها الى مئات الكيلومترات، ومن بينها الأنهر التي سماها النظام السابق "العز" و"أم المعارك" و"تاج المعارك" تخليداً لمعارك هذا النظام التي خاضها ضد جيرانه". ولم يخف مخاوفه من ان إعادة الحياة في هذه المناطق الى سابق عهدها تتطلب وقتاً إضافياً وإمكانات مالية وهندسية إذ أن أهواراً عدة لا تزال بحاجة الى كميات إضافية من الماء يصعب توفيرها حالياً، لكنه توقع أن تسترد الأهوار عافيتها بسبب تصاعد وتيرة العمل الجدية التي يتوقع الانتهاء منها بحلول نهاية العام وزيادة كمية المياه التي ستتيح غمر هذه المناطق خلال فصل الشتاء المقبل.