قال "بنك الكويت الوطني" في تقريره الصادر أمس حول توجهات الاقتصاد العالمي إن اقتصادات الدول الصناعية الكبرى لا تزال تواجه مجموعة من التحديات، وان عودة الاقتصاد العالمي للنمو بمعدلات معقولة تكتنفه مخاطر عدة. وأشار التقرير إلى أن الانتعاض الاقتصادي الهش في أميركا يمكن أن يتعثر بسهولة بسبب ضعف سوق العمل. فيما ذكر أن بوادر انتعاش الاقتصاد الياباني مهددة بالتقويض في ظل ظروف أسواق الصرف العالمية الحالية التي يواصل فيها الين الارتفاع مقابل الدولار، خصوصاً أن تحسن معدلات نمو اقتصاد اليابان معتمدة بدرجة كبيرة على تحسن الصادرات. وفي بريطانيا تساءل التقرير حول ما إذا كان "بنك انكلترا" - البنك المركزي البريطاني - سيعمل على رفع أسعار الفائدة خلال الشهور المقبلة بعد ظهور بيانات رسمية تؤكد أن الند الاقتصادي في الربع الثاني كان أكبر مما ذكرته التوقعات السابقة. وفي ما يأتي ما ورد في التقرير: أظهرت البيانات الاقتصادية الأولية في أميركا تحسناً في الاقتصاد الأميركي، فقد حذر الكثير من الاقتصاديين أن هذا الانتعاش يمكن أن يتعثر بسهولة بسبب ضعف سوق العمل. غير أن حال من السرور عمّت الأسواق بعد أن فاقت بيانات الوظائف التوقعات، حيث ارتفع عدد الوظائف بمعدل 57000 وظيفة مقابل توقعات بفقدان 25000 وظيفة. وفي الوقت ذاته، تم تعديل الرقم الصادر في آب اغسطس والذي كان توقع فقدان 93000 وظيفة لينخفض إلى 41000 وظيفة. وبذا، يكون الرقم الصادر لشهر أيلول سبتمبر وضع حداً للخسارة المتواصلة في الوظائف والتي بلغت حوالي 500000 وظيفة في السبعة أشهر الماضية، كما بقي معدل البطالة ثابتاً على مستوى 6.1 في المئة في شهر أيلول. وعما إذا كانت هذه الاحصاءات ستكون تحول للاقتصاد أم أنها مجرد انحراف إحصائي آخر في الأرقام الاقتصادية؟ سيتعين الانتظار لبعض الوقت للتوصل إلى جواب، ولكن في الوقت الحاضر، فإن هذه الأرقام تبين بالتأكيد أن أرباب العمل قد تنبهوا أخيرا للإشارات المتكررة المنبعثة من سائر قطاعات الاقتصاد أن الانتعاش الاقتصادي ماضٍ قدماً، وأن هناك أملاً بأن تثبت الدفعة المقبلة من بيانات "ثقة المستهلك" هذه الرؤية، خصوصاً بعدما انخفض مؤشر "مجلس المؤتمرين لثقة المستهلك" إلى أدنى مستوى له منذ شهر آذار مارس ليصل إلى 76.8 نقطة في أيلول، بانخفاض بلغ 5 نقاط تقريبا عن شهر آب. وانخفض مؤشر "الوضع الحالي" إلى 59.5 نقطة، وهو أدنى مستوى له منذ تشرين الثاني نوفمبر 1993. وبالتالي فإن تحسن "ثقة المستهلك"، سيشجع قطاع الأعمال على أن يكون أكثر تفاؤلاً. وتم تناقل أخبار قيمة الدولار بكثرة أخيراً. فبعد أن أعلن اجتماع الدول الصناعية السبع في دبي صراحة عن اعتماد تغيير في سياسته باتجاه قيمة أدنى للدولار، تكاثفت عمليات بيع الدولار في أسواق الصرف. وكان القائمون على وضع السياسات المالية قد دأبوا على القول إن خفض قيمة الدولار سيكون من شأنه تحفيز الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل، وسيساعد بالتأكيد على تقليص العجز في الحساب الجاري الأميركي. ولن تكون هناك أرقام اقتصادية مهمة في الولاياتالمتحدة ، ما سيمنح الأسواق بعض الوقت لاستيعاب التطورات الأخيرة. أوروبا منطقة اليورو الأنباء الاقتصادية الواردة من أوروبا جيدة في الأسبوع الماضي، حيث ارتفع مؤشر "مشتريات مديري قطاع الخدمات" 52.0 نقطة في آب إلى 53.6 نقطة في أيلو، متخطياً التوقعات بمستوى 51 نقطة. ومن المعروف أن أي قراءة فوق مستوى 50 نقطة تعني توسعا اقتصادياً. وعلى رغم أن قطاع التصنيع عادة يحظى بجلّ انتباه الصحافة، فإن المصدر الرئيسي للنمو الاقتصادي في هذه المنطقة هو في الحقيقة قطاع الخدمات الذي يمثل 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن المفيد أن نشير هنا إلى أن الارتفاع في قيمة اليورو لا يشكل قلقاً بالغاً لقطاع الخدمات لأن هذا القطاع لا يعتمد على التصدير. وفي هذه الأثناء، تحسنت ثقة المستهلك الألماني في أيلول للشهر السادس على التوالي، بناء على أمل أن الوضع الاقتصادي وحالة أسواق العمل سيكونان مشرقين في الأشهر المقبل. وأفادت شركة أبحاث "جي اف كيه" أن مؤشر مناخ المستهلك الألماني قد ارتفع من 4.6 نقطة في آب إلى 5.0 نقطة في أيلول. ولكن الصورة لم تكن كلها زاهية في الأسبوع المنصرم بالنسبة لألمانيا، إذ أن البيانات الأولية أظهرت انخفاضاً في نسبة مبيعات التجزئة بلغ 4.5 في المئة سنوياً في آب بعدما كانت 2.2 في المئة في شهر تموز يوليو. ولكن قطاع التصنيع الألماني توسع للمرة الأولى منذ سنة في خلال شهر أيلول. فقد ارتفع مؤشر مشتريات المديرين لقطاع التصنيع المعدل موسمياً من 48.8 نقطة في آب إلى 50.2 نقطة في أيلول، متخطياً مستوى 50 نقطة. وإذا أخذ في الحساب هذا الارتفاع في مؤشر مشتريات المديرين لقطاع التصنيع، بالإضافة لتحسن مؤشرات الثقة الأخرى مثل مؤشر "مناخ الأعمال" ومؤشر "زد إي دبليو"، لا بد من استخلاص أن ألمانيا خطت على الأقل أولى خطواتها نحو الانتعاش الاقتصادي، وقد تمنح البيانات المقبلة بعض الزخم لهذا التحليل المتفائل. ولا غرو أن البنك المركزي الأوروبي قد أبقى على أسعار الفائدة في أدنى مستوى لها منذ خمسين عاماً، عند 2 في المئة. ولكن هناك بعض المؤشرات تشير إلى أن البنك المركزي الأوروبي قلق بشأن التضخم، إذ ألمح أوتمار إيسينغ، كبير اقتصاديي البنك، أنه يتعين رفع أسعار الفائدة، وأن البنك المركزي الأوروبي سيستمر في اعتماد سياسة الانتظار والترقب، تاركاً أسعار الفائدة على مستوياتها الحالية لبضعة أشهر أخرى. لمعرفة تأثير عرض النقد على معدل التضخم. وكان معدل ارتفاع عرض النقد بلغ 8 في المئة في الفترة الأخيرة، وهو أعلى بكثير من المعدل المرجعي للبنك المركزي الأوروبي عند 4.5 في المئة، ومع ذلك، يشعر الكثير من المحلليين أن البنك المركزي الأوروبي سيستمر في اعتماد سياسة الانتظار والترقب، تاركاً أسعار الفائدة على مستوياتها الحالية لبضعة أشهر أخرى. بريطانيا على رغم تركيز معظم الأوساط البريطانية الحديث عن الأكاذيب التي ابتدعتها الحكومة البريطانية لتبرير الحرب على العراق، أظهرت البيانات الرسمية الأسبوع الماضي أن النمو في الاقتصاد خلال الربع الثاني من العام بلغ ضعف ما كان معتقداً. وكان السبب الرئيسي وراء هذا التعديل الكبير هو النموذج الاقتصادي المستخدم لتوقع ناتج الإنشاءات في التقديرات الأولى للناتج الاجمالي المحلي. وفي حين أن من شأن هذا التعديل أن يريح المستشار براون، فإنه بالتأكيد سيجعل مسؤولي "بنك انكلترا" يتساءلون ما إذا كانوا قد أصابوا بتخفيض أسعار الفائدة في تموز لأدنى مستوى لها، إذ كانوا بالطبع قد أدخلوا التوقعات السابقة غير الصحيحة في حساباتهم، مما سيجعل المحلليين يتساءلون بدورهم عما إذا كان "بنك انكلترا" سينظر في رفع أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقعاً. وبتعديله لبيانات ميزان المدفوعات أيضا، قام مكتب الإحصاءات الوطني بتقويض أساس أرقام أخرى. وبذلك تحول الفائض في الحساب الجاري للجنيه الاسترليني من 2.4 بليون جنيه في الربع الأول إلى عجز بلغ 2.3 بليوناً، ووصل العجز إلى مستوى قياسي في الربع الثاني إذ بلغ 8.6 بليوناً. ومن الواضح أن تعديلات هائلة كهذه تثير توتر الاقتصاديين لدى وضعهم للتوقعات المستقبلية. وعلى كل حال، يبدو أن الاتساع الكبير في الحساب الجاري هو نتيجة تغييرات في مدخول الاستثمارات الخارجية، وبشكل خاص في مدخول شركات النفط، بينما الشركات الأجنبية الملكية تحقق أرباحا في المملكة المتحدة. وأحد الأرقام المهمة في المملكة المتحدة هو مؤشر أيلول لمديري مشتريات التصنيع الذي ارتفع من 52.2 نقطة في آب إلى 52.9 نقطة في أيلول، وهو الارتفاع الثالث على التوالي. وتحسنت مبيعات التجزئة في أيلول بعدما خنقتها حرارة آب. ولكن التحسن كان طفيفاً، وكان المستهلك البريطاني لا يزال متحفظاً في ما يخص الانفاق على مشتريات رئيسية في أيلول، وبقي مؤشر ثقة المستهلك على حاله منذ آب بمستوى -3 نقاط، وهو مستوى أدنى من مستوى الصفر والمعدل المسجل خلال السنوات الماضية. اليابان تظهر بعض المؤشرات الأخيرة أن اقتصاد اليابان في أحسن وضع له منذ ثلاث سنوات، فقد انخفض معدل البطالة من 5.3 في المئة في تموز إلى 5.1 في المئة في آب ليصل إلى أدنى مستوى له منذ منتصف عام 2001. وانخفض الانتاج الصناعي بمعدل 0.5 في المئة، ولكن المصنعين يتوقعون أن يرتفع الإنتاج بمعدل 2.7 في المئة في أيلو، و1.5 في المئة في تشرين الأول اكتوبر. ولكن هل يمكن للين الذي ترتفع قيمته أن يحيد الانتعاش الاقتصادي الوليد عن مساره؟ وعقب اختتام مؤتمر الدول الصناعية السبع، ارتفعت قيمة الين بأكثر من ثلاثة في المئة مقابل الدولار الأميركي، على رغم التدخلات الحثيثة لبنك اليابان، وعلى رغم التدخل الوحيد للبنك الفيديرالي الأميركي الذي كان يعمل بالنيابة عن بنك اليابان. ويأتي انخفاض الدولار لأدنى مستوى له منذ 33 شهراً في الوقت الذي يبدو فيه أن الأسواق اقتنعت بأن بنك اليابان سيفشل في وقف ارتفاع الين. ومع ازدياد الطلب على الأصول اليابانية، يبدو أن رياح التغيير بدأت تهب في أسواق الصرف. وبالإضافة لذلك، تبدو بيانات السلطات اليابانية موجهة أكثر للتخفيف من حدة تحركات أسعار الصرف وليس لعكس الاتجاه كلياً. ويمكن أن يتراجع الدولار عن مستوى 110 ينات الذي يعتبره الكثيرون بمثابة الخط الفاصل الذي يعتمده بنك اليابان. وفي هذه الأثناء، أصبح المديرون اليابانيون أكثر تفاؤلا بخصوص الأوضاع في قطاع الأعمال في خلال الأشهر الثلاثة التي سبقت أيلول، وذلك حسب احصاء رئيسي لبنك اليابان. ولكن من ناحية أخرى أيضاً، أظهر احصاء "تانكان" الذي يتابع عن كثب، أن الشركات قد قلصت من مخططاتها التوسعية لزيادة الإنفاق الرأسمالي بشكل غير متوقع. ومن الواضح أن هذا الأمر يثير شكوكاً حول إيمان مديرو الأعمال بقدرة اليابان على الاستمرار في الانتعاش الاقتصادي الذي بدأته أخيراً. وحين الأخذ في الحسبان الآثار السلبية لارتفاع قيمة الين، تصبح الصورة أكثر ضبابية. والأمل أن يكون الاقتصاد الياباني قادراً على استيعاب صدمة ارتفاع الين والتي لا شك أنها قد تضر مباشرة بالانتعاش المعتمد على الصادرات.