لا تحتاج الفنانة المصرية سميرة عبدالعزيز الى تعريف. فما الذي يمكن أن يقال عنها بعدما بلغ رصيدها أكثر من 40 مسلسلاً تلفزيونياً، و25 عملاً مسرحياً، و7 أفلام سينمائية، وحصلت على الكثير من الجوائر لعل أبرزها جائزة التمثيل التي تسلمتها من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في المسابقة المسرحية التي أقيمت في الاسكندرية. وإذا كان مسلسل "ضمير أبلة حكمت" وضع خطواتها على طريق الشهرة، فإن مسرحيات من طراز "وطني عكا" و"صلاح الدين" و"28 سبتمبر" رسخت مكانتها في قلوب الجمهور. أما مسلسل "أم كلثوم" فهو في حد ذاته شهادة دامغة على أصالة هذه الفنانة الكبيرة التي دخلت الى أفئدة الناس من خلال شخصية "الست فاطمة" أم كلثوم التي انتزعت إعجاب الناس في كل البلدان العربية، إذ باتوا ينادونها في الأماكن العامة ب"الست فاطمة". أثناء وجودها في مدينة روتردام الهولندية التقتها "الحياة" وكان هذا الحوار: متى وكيف تولدت لديك الرغبة في التمثيل؟ - لا أدري بالضبط متى بدأت هذه الرغبة، ولكن كل ما أتذكره انني عندما كنت تلميذة في المدرسة الابتدائية كنت أحفظ قصائد الشعر كي أقرأها في الصباح على الطالبات في المدرسة. استمرت هذه الرغبة لديّ وكنت أنتظر بفارغ الصبر أن تغيب إحدى الطالبات كي أقوم بدورها في إلقاء القصائد والأشعار حتى انتقلت إلى المرحلة الثانوية، وانضممت إلى فريق الرسم، إذ كان الرسم هوايتي المحبّبة. فجأة اكتشفت أن مدرس الرسم كان منشغلاً بتكوين فرقة للتمثيل، فأبديت في الحال رغبتي في التمثيل، لكنه قال لي: كلا، أنت سترسمين الديكور. فقلت له: أنا أريد أن أمثل. قال: حسناً، هل توافقين على أن أسند إليك دور رجل؟ قلت: وما المانع؟ في ذلك الوقت بالتحديد كانت هنالك مسابقة مسرحية كبيرة لطلبة المدارس على مستوى الجمهورية كلها. اشتركت في تلك المسابقة وإذ بي أفوز بالجائزة الأولى، وعدت إلى المدرسة والبيت بكأس الجمهورية للتمثيل وأنا طالبة في الثاني ثانوي. من هنا بدأ اهتمامي يتوجه الى الفن. كان والدي من رجال التعليم، وكان منفتحاً جداً. فعندما اكتشف رغبتي بالمسرح وشغفي به إلى هذا الحد بدأ يجلب لي مجلات فنية، وكتباً مسرحية متخصصة. منذ ذلك الوقت بدأت أتابع أخبار الفن والفنانين والفرق المسرحية في البلد، وعندما أنهيت الدراسة الثانوية تقدّمت الى معهد الفنون المسرحية في القاهرة، لكن البعد الجغرافي للإسكندرية عن القاهرة حال دون تحقيق رغبتي. وكانت ثمة صعوبة في الانتقال من الإسكندرية للعيش في القاهرة وحدي. لذلك واصلت دراستي في جامعة الإسكندرية، ومع ذلك حالفني الحظ، إذ اشتركت في الفرقة المسرحية للجامعة، وحصلت على الجائزة الأولى وكانت درع التمثيل، وتسلمتها من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. من الجائزة الى الرغبة ما وقع تلك الجائزة عليك؟ - إن حصولي على هذه الجائزة المهمة أكد لديّ الرغبة الملحة في ولوج عالم الفن في شكل احترافي. في الجامعة بدأت أمثل بحماسة ورغبة كبيرتين. وكنت أتلقى في الوقت ذاته ملاحظات إيجابية من أصدقائي الطلبة وتشجيعاً من الأساتذة الذين وجدوا فيّ ممثلة جيدة. لذلك قررت أن أستمر في هذا الطريق. انضممت أول الأمر إلى فرقة للهواة وقدمت أدواراً مسرحية لامعة خلال سنوات الدراسة. وبعدما حصلت على شهادة البكالوريوس في التجارة بدأت أفكر بالالتحاق بفرقة مسرحية في الإسكندرية كانت تابعة للدولة. وفعلاً انضممت إلى هذه الفرقة وعملت فيها موسمين إلى أن تمّ إغلاقها. في ذلك الوقت تمكن مني الفن، ولم أعد أحتمل الحياة من دون المسرح، لذلك قررت أن أنتقل إلى القاهرة. ثم دخلت إلى المسرح القومي بعدما شاهد المسؤولون في الفرقة بعض أعمالي في الإسكندرية. وكانت بدايتي الفنية في مسرحية "وطني عكا" من تأليف عبدالرحمن الشرقاوي، وإخراج كرم مطاوع. هذه المسرحية تؤشر الى ولادتي كفنانة محترفة في القاهرة. أما المسرحية الثانية التي اشتركت فيها فهي مسرحية "النار والزيتون" التي أخرجها سعد أردش. وقد رفض في حينه أن يسند إلي الدور الذي كان مناسباً لي جداً. وقال: "أنا لا أحب إلا الأكاديميين"، فاستفز فيّ الرغبة لأن أكون أكاديمية. هكذا قدمت أوراقي إلى معهد الفنون المسرحية، وتخرجت الأولى في كل سنوات الدراسة. وأصبح عندي بكالوريوس في الفنون المسرحية إلى جانب بكالوريوس في التجارة. استمررت في العمل الفني بتأنٍ كبير، إذ كنت أتقدم في مسيرتي الفنية خطوة خطوة، من دون عجالة وبتركيز شديد. من المحطات الفنية التي أعتبرها مهمة جداً دوري في مسلسل تلفزيوني اسمه "عندما يختنق الحب" وقد أُسند إلي دور أستاذة جامعية. وكان اسمي فيه الدكتورة دريّة، واشتركت فيه آثار الحكيم في بدايتها الفنية. أعجب الناس بدوري جداً وأخذوا يطلقون علي لقب الدكتورة. أما المسلسل الذي وضع خطواتي على طريق الشهرة فهو مسلسل "ضمير أبلة حكمت" من بطولة فاتن حمامة، وهو أول دور تمثله للتلفزيون. كان دوري رئيسياً إلى جانبها. وقد شاهده الملايين في العالم العربي لأنه عُرض أكثر من مرة. هذا المسلسل يعتبر محطة مهمة جداً في حياتي الفنية، ومنه انطلقت إلى أدوار أخرى في أعمال تلفزيونية ومسرحية وسينمائية. كيف تنظرين إلى أعمالك الفنية مثل: "صلاح الدين" و"وطني عكا" الآن. وهل تعتقدين أن زمن المسرحيات التي تتناول القضية الفلسطينية تلاشى الآن بعدما أشبع هذا الموضوع تمثيلاً وبحثاً ودراسة؟ - كلا، لم تُشبع هذه القضية تمثيلاً، ولم تحتل في الفن مكانة كبيرة كما تستحق. ولكن لا أعرف هل هو قصور؟ هل هو يأس؟ أم هو شيء آخر لا أدركه بالضبط؟ أنا حالفني الحظ عندما عملت في مسرحيتي "صلاح الدين" و"وطني عكا". لقد أثارت "وطني عكا" جدلاً سياسياً كبيراً لأنها كانت تدعو إلى المقاومة والحرب، بينما كان هناك اتجاه سياسي يدعو الى السلام. أما مسرحية "صلاح الدين" فقُدمت لأننا كنا نعاني أزمات شديدة، وكان الأمل معقوداً على أن يأتي صلاح الدين آخر. أنا أعتقد أن الفن مقصّر في حق القضية الفلسطينية. وهذه القضية حافلة بالمواقف الدرامية الكثيرة التي لا تستوعبها عشرات الأعمال المسرحية. لا أعرف ما هو السبب الذي يكمن وراء هذا القصور؟ هل لأن القضية لم تُحسم بعد؟ أم لأنها أكبر من أن تُعالج بالفن؟ نحن نركز على الأمسيات الشعرية أو الندوات الفكرية التي تتكلم على القضية الفلسطينية. محفوظ عبدالرحمن عالج القضية الفلسطينية في شكل غير مباشر في مسلسلاته، إذ طرح قضية الحرية واستعمار الفرد للفرد الآخر أو دولة لدولة أخرى. أما بصورة مباشرة فلم يعالجها لحد الآن. أدوار ثانوية في مسلسل "أم كلثوم" كان دورك فاعلاً ومؤثراً. كيف تتعاطين مع الأدوار الثانوية كما يطلق عليها. وهل تعتقدين أن هناك أدواراً ثانوية؟ - أنا شخصيا لا أرى أن هناك أدواراً رئيسة وأخرى ثانوية في العمل الواحد. إن عقلية الكاتب هي التي تخلق دوراً مهماً وآخر هامشياً. أنا عندما أرى دوراً هامشياً لا يضيف شيئاً الى العمل الفني أرفضه. في حين قد أرى دوراً ليس كبيراً، وربما لا يمتد في كل الحلقات، ولكنه مؤثر، وله أهمية في العمل الفني، فأؤديه بغض النظر عن كونه دوراً رئيساً أو ثانوياً. أنا أنظر إلى العمل الفني بصفته عملاً جماعياً ينبغي أن ينسجم الكل في تأدية أدوراه، وأن يكون الكل صادقاً ومخلصاً وفي مكانه الصحيح. أما إذا كان العمل يعتمد على نجم واحد وأشخاص ثانويين لم يتم انتقاؤهم بعناية، ولا يؤدون أدوارهم في شكل صحيح، فإنه سيفشل حتماً لأنه يفتقر إلى روح الانسجام والعمل الجماعي الذي يشد بعضه بعضاً. أنا مثل الأوروبيين لا أتطلع إلى الأدوار الكبيرة والأدوار الصغيرة. ما سر تألقك في دور "أم كلثوم" الذي أديتِهِ بعناية فائقة؟ - دور أم كلثوم كان دوراً مهماً جداً. فالحلقات الخمس الأولى كانت قائمة على أكتاف الأب والأم لأن أم كلثوم كانت طفلة آنذاك. دور الأم في حياة أم كلثوم كان مهماً للغاية. أنا سمعت أم كلثوم ذات مرة عندما كانت تروي قصة حياتها في مسلسل إذاعي كيف كانت تؤكد أن أمها أثرت تأثيراً كبيراً فيها، وكانت عاملاً مهماً في حياتها. إذ كانت تلجأ إليها في كل الأمور، تستشيرها تارة، وتستأنس برأيها تارة أخرى. عندما بُلغت في شكل رسمي أنني سألعب دور أم كلثوم أحسست بالفخر وفرحت جداً. لذلك اجتهدت كثيراً من أجل أن أعرف كل مواصفاتها الشخصية، وكل تفاصيلها الخاصة. كنت أسأل من الذي يعرف "الست" فاطمة جيداً؟ وبقيت أسأل حتى توصلت إلى السيدة إحسان التي كانت تعتبر أمينة سرها. "الست" إحسان عاشرت أم كلثوم أربعين سنة. ذهبت إلى "الست" إحسان، وجلست معها مرات كثيرة مستفسرة: ماذا كانت تلبس "الست" فاطمة؟ وكيف كانت تتكلم؟ وكيف تتعامل مع ابنتها؟ فعرفت منها سلوكها، وطريقة تفكيرها. أردت أن أظهر للجمهور أماً صادقة، قوية، مؤثرة، ومقنعة مثل أم كلثوم التي أنجبت هذه العبقرية الفنية الفذة. في قرارة نفسي كنت أشعر بأنني نجحت في هذا الرهان. وبعد حلقة أو حلقتين قوبلت بصدى هذا المسلسل الناجح. فحتى أحفاد أم كلثوم، أولاد ابنة ابنتها، وابن أختها تكلموا معي بالهاتف، وقالوا لي بالحرف الواحد "إزايك يا ست فاطمة". غالبية الأصدقاء والمعجبين الذين شاهدوني في المسلسل كانوا ينادونني ب"الست فاطمة". أم كلثوم كانت نفسها تقول ان أمها كانت بمنتهى الحنان والرقة في تعاملها معها. "كانت أماً ذكية تفهمني من دون أن أفتح فمي". لقد تقمصت الدور إلى الحد الذي كنت أشعر بأنني أم كلثوم فعلاً. ألا تعتقدين أن السينما المصرية تركز كثيراً على الوجوه الشابة ومشكلاتها الحياتية. ألا يؤرق هذا الموضوع النساء خارج هذه السن؟ وألا يُعد هذا التركيز قصوراً بحد ذاته؟ - هذا ما يؤلمني كثيراً، لأن الحياة ليس فيها مشكلات الشاب والشابة فقط، ولكن مشكلات الحياة الاجتماعية للسيدة الناضجة والأم والمرأة العجوز. ولكن مثلما قال يحيى الفخراني ان السينما تجارة تعتمد على الشباك، وعلى الكسب المادي. وهذا الكسب المادي لا يأتي من خلال ست ناضجة فارقها الجمال، أو فارقتها الأنوثة إلى حد ما. لهذا تتمحور أعمال المخرجين على الفتى والفتاة، كما لو أن الدنيا كلها ليس فيها غير الشاب والشابة. طبعاً هذا تقصير كبير سببه الكتّاب الذين يكتبون للسينما أو للتلفزيون. هذه الفتاة التي يُركز عليها لها أم أيضاً، وإذا كانت أمها غير جيدة أو مقصرة، فلماذا لا يكتبون عن هذا التقصير حتى تتعظ الأمهات الأخريات. أنت شاهدت أكثر أفلام مهرجان روتردام، أين هو دور الأم في هذه الأفلام الروائية؟ في أكثر من عشرين فيلماً لم نرَ دور الأم إلاّ في ثلاثة مشاهد أو أربعة غير مؤثرة لو رفعتها من هذه الأفلام لا شيء يتغير. السينما الهندية تحترم دور الأم، لذلك تركز عليه كثيراً، بينما الأم في أفلامنا العربية إما أن تكون مريضة، أو أن يكون دورها فتح الباب في ساعة متأخرة من الليل كي تقول لابنتها: أنتِ كنتِ فين لحد دلوقتِ؟ فترد عليها: كنت عند صاحبي؟ أو تقول لها: تعشيتي؟ طب خشي نامي. أي أم تلك التي تأتي ابنتها في الساعة الثالثة فجراً، وتكتفي بقول هذا الكلام الفج الذي لا يمت الى الواقع بصلة؟ أو أن يكون دور المرأة هو أن تساعد الرجل في ارتداء بدلته أو خلعها وهي لا تتمتع بأي شخصية كأن لا وجود لها على الإطلاق. المرأة في الواقع مثقفة ومتعلمة وتتحمل مسؤوليات كبيرة. تربي أبناءها، وتدير كل مسؤوليات البيت والعائلة. لماذا لا تكون كذلك في السينما أو المسلسل الدرامي؟ هذا قصور كبير عندنا.