ربما كانت قصة "الابن العاق" احدى أشهر قصص العهد الجديد، من الكتاب المقدس، وهو يعود الى حظيرة الأسرة بعد غياب، ويذبح له أبوه العجل المسمّن، ويحتج الأخ الأكبر الذي لم يكرمه والده، على رغم استقامته وحسن أخلاقه، ويشرح الأب السبب، فالابن العاق كان ضالاً فاهتدى. هل هناك أسرة كبيرة ليس فيها ابن عاق، أو "خروف أسود" بلغة العصر؟ الأسباب قد تختلف من ابن عاق الى آخر، غير انها تجتمع في عبارة "يا إلهي، انظر العار الذي جلبته على أسرتك". ونحن نسمع بعقوق أبناء المشاهير، لأن أفعالهم تجد طريقها الى النشر، غير ان من الواضح ان هناك خروفاً أسود في كل أسرة، وإذا نجا جيل، فإن الجيل التابع لن ينجو. أعرف من المشاهير الأميرة ستيفاني، فأنا وأصدقائي نراها في الصيف في موناكو، وهناك دائماً فضيحة حولها، فقد تزوجت أو أقامت علاقات محرَّمة مع حارسها الشخصي وخدم ومدرب أفيال، وتزوجت أخيراً لاعب سيرك برتغالياً، ولها عدد من أولاد الزنا، إضافة الى من أنجبت شرعاً. وأذكّر القارئ بآخرين يعرفهم، وأسجل له أسماء وفضائح ربما لم يسمع بها: - بيلي كارتر، أخو الرئيس جيمي كارتر الذي لم نسمع عنه شيئاً سوى شرب البيرا الجعة حتى ان أمه تمنت يوماً لو لم تلده. - روجر كلينتون الذي برز فجأة بعد أن أصبح أخوه رئيساً، ليزيد الى فضائح الأسرة، فالرئيس من أسرة بلايث، وأخذ لنفسه اسم زوج أمه، وتبين أن أمه لم تطلق والده قبل أن تتزوج من جديد. - روبرت ديرسك، وهذا وريث امبراطورية عقارية ببلايين الدولارات في نيويورك، وقد بدأت محاكمته قبل أيام بتهمة قتل جار مسن له. - باتي ديفيس، ابنة رونالد ونانسي ريغان، التي تنكرت لوالديها وهما في البيت الأبيض، وكتبت سيرتها الذاتية وانتقدتهما بحدة، ثم ظهرت عارية في مجلة "بلاي بوي". - اندرو لستر، وريث شركة ماكس فاكتور الذي دين بالاغتصاب، وفر الى المكسيك، واعتقل من جديد. واستطيع ان أغترف من التاريخ الأميركي قصة أخرى، فقد كان هناك بنجامين فرانكلين، أحد آباء الاستقلال الأميركي، وابنه وليام المجهول الأم، وفي حين ان ذلك فضيحة كافية، فإنني هنا أتحدث عن انضمام الأب الى الثوار على الحكم البريطاني، واصرار الابن الذي عينته بريطانيا حاكماً لولاية نيو جيرسي على الانتصار للحكم البريطاني، حتى انتهى في السجن كخائن، وأنكره أبوه، فيما أصر هو على موقفه حتى النهاية. أقول للقارئ انه في كل من الحالات السابقة، كان الابن العاق، أو الابنة، وحيداً أو واحداً من اثنين أو ثلاثة على أبعد تقدير. والقارئ لن يستغرب إذا سمع ان أسرة من حوالى 50 ولداً وبنتاً أفرزت ابناً عاقاً، الا انه قد يستغرب، أو يستنكر، ان تدان الأسرة كلها، ويؤخذ الأبرياء بذنب المذنب، مع ان القول الكريم "لا تزر وازرة، وزر أخرى" موجود في القانون الوضعي أيضاً، وفي العالم كله. اكتب عن أسرة بن لادن، فبعد أكثر من سنتين على ارهاب 11 أيلول سبتمبر 2001 لا تزال تتعرض لحملات ظالمة، وكأنها كلها ذلك الابن العاق أسامة الذي أساء الى أسرته ووطنه ودينه بإرهابه المجنون الفالت من كل عقال. كنت توقفت أمام كتاب جديد لمايكل مور، مؤلف كتاب "رجال بيض أغبياء" معتقداً أنني سأجد شيئاً ظريفاً عن جورج بوش وادارته، غير انني وجدت الكتاب "أين بلادي" حملة سياسية على الرئيس الأميركي تحاول أن تدينه من طريق ربطه بأسرة أسامة بن لادن، وبالمملكة العربية السعودية كلها والأسرة المالكة. مايكل مور يتهم جورج بوش ابناً وأباً بإقامة علاقات تجارية مع أسرة بن لادن، ويسأل عن "العلاقة الخاصة" بين أسرة بوش والأسرة المالكة، ولا يقدم أدلة سوى ما قرأنا من أخبار الصحف منذ 11 أيلول قبل سنتين. لا أدعي معرفة خاصة أو علاقة بأسرة بن لادن كلها، غير أن أخبار الصحف التي يستشهد بها مايكل مور توضح انها أسرة كبيرة وثرية جداً، وتشمل أعمالها مصارف حول العالم، وشركات بناء، مع تمثيل شركات عالمية، أو المساهمة فيها، داخل المملكة العربية السعودية وحول العالم، ولا أستغرب أن يجد أي قارئ يملك اسهماً في شركة عالمية كبرى أن لأسرة بن لادن حصة فيها. هذا على النطاق العام، أما على النطاق الخاص أو الشخصي، فقد عرفت سالم بن لادن، كبير الأسرة ورئيس أعمالها بعد وفاة والده، واعتبرته دائماً صديقاً عزيزاً ظريفاً، وبقيت على اتصال به حتى وفاته سنة 1988 في حادث طائرة كأبيه الذي سبقه الى جوار ربه بعشرين سنة. وعرفت بعد ذلك بكر بن لادن الذي خلف أخاه سالماً في رئاسة الأسرة ولا يزال، وهو أيضاً صديق عزيز، يستطيع أن يفاخر بصداقته أي انسان، وأن يعلنها من فوق السطوح، لبعده عما يشين، كما فاخرت يوماً بصداقة سالم بن لادن. مرة أخرى، في كل أسرة ابن عاق، وأنا أدرك تماماً ان رجلاً يقتل رجلاً، أو آخر يغتصب امرأة، لا يوضع في الدرك نفسه من الجريمة مثل ارهابي يقتل ألوف الناس، إلا ان الأساس ان كلاً من هؤلاء ابن عاق ارتكب الجناية التي أراد ارتكابها، وأساء الى القريب والبعيد. لو كتبت يوماً ذكريات لكان فيها فصل عن سالم بن لادن لما أعرف من قصصه الخاصة الغريبة، ولاجتهدت لأكتب شيئاً عن بكر بن لادن، الهادئ "العادي" الذي يحترم نفسه والناس، ويتصرف بتحفظ يعكس طبيعته. وأسرة بن لادن هي سالم، رحمه الله، وبكر ويسلم وحسن ويحيى وعبدالعزيز وغيرهم من اخوان وأخوات. أما أسامة بن لادن فهو الابن العاق الذي ضلّ ولم يهتد، والذي اطلعت كل أسرة مثله منذ قايين وهابيل، وحتى اليوم.