يواصل الشاعر والمترجم علي الحلي، منذ نحو ثلاثة شهور ما لم يقم به مثقف عراقي، الآ وهو افتتاح ثقافة المراجعة والمكاشفة لما عنته مرحلة الحكم الصدامي بدمويتها وتكرسيها فكر القسوة، وتمجيدها الموت واختصارها البلاد ب"قائد اوحد". والرجل وان بدا في عقده السابع الا انه في شباب روحه وفكره، خرج من صمته الإحتجاجي حين قضى نحو 13 عاماً معتزلاً الحياة في بيته في اعظمية بغداد تلك التي اسرت الشاعر الراحل نزار قباني ومن بين بناتها اختار بلقيس، ورفض الإتصال بمؤسسة الخديعة والتضليل، مؤكداً نهج قطيعة مع "البعث" الذي كان شاعره ذات يوم. علي الحلي ابن المدينة الحلة التي عرفت في العراق والعالم الإسلامي بنابغين في اللغة والنحو والأدب، هو من بين قلة من المثقفين العراقيين ممن قبضوا على جمرة الحقيقة في داخل الوطن، بدأوا نهج المراجعة والمكاشفة في التعاطي مع المرحلة الصدامية، فنشر مقالات في نقدها، مركزاً على "ثقافة المديح" التي اختصر بها النظام السابق مدار الثقافة العراقية داخل البلاد. وفي حين كان الحلي يشير الى "رموز" قصيدة المديح الصدامية عبر الألقاب التي كان يمنحها صدام لشعرائه "شاعر ام المعارك"، "شاعر القادسية" وسواهما، فانه اخيراً ذهب الى تسمية الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد فر بجلده الى باريس قبل بدء حرب الإطاحة بسيده ناقداً اياه، وطاعناً بشاعريته "يكذب بغباء، ويبالغ بسخف مكشوف، ويحتال على العقل البشري" عبر قراءة لقصيدة نشرها عبدالواحد في صحيفة وحملت عنوان "سلام على بغداد". ويشير الحلي الى ان "صديقه العريق" بنى مجده الشعري والحياتي على حساب آلام الشعب العراقي ويقول: "عبدالرزاق عبدالواحد - صديقي العريق - مفجوع اليوم في شكل يرثى له، لإختفاء سيده صدام في احد جحور الأرض، وسقوط سلطته الباغية الى الأبد". وعن قصيدة عبدالواحد التي يشكو فيها "ماذا جرى للأرض حتى تلوثت؟" يقول علي الحلي: "عبدالرزاق عبدالواحد، خائف اليوم على امنه وسلامته في بغداد بعد سقوط نظام سيده، جلاد الشعب العراقي، لكنه لم يكن خائفاً على امن شعبه طيلة اربعة وثلاثين عاماً، ولذلك - كانتهازي محترف - هرب قبل وقوع ام حواسمه اسم رسمي لمعركة صدام الأخيرة الى اوروبا واميركا ينتظر فرج عودته، ولكن هيهات". وعن صمت عبدالواحد على اهوال العراقيين التي سببها صدام يقول الحلي: "لم تكن تلك الأهوال لتحرك احساساً عابراً في وجدانه الميت، ولم تهز شعوراً حياً في وجدانه المتآكل. وفيما يبكي عبدالواحد الذي كان كتب اكثر من مئة قصيدة عصماء في مديح صدام، ايام طمأنينته في بغداد، يقول الحلي: "يتحدث في قصيدته، كيف كان يغفو سالماً، وتنام داره مطمئنة ووسادته ولحافه، يحف بهما طهر صدام"، ويسأل عن لحظة صدق واحدة قد يتمهل فيها عبدالواحد "اي اسى يرثيه في المدينة التي شاخت من الآسى، أفراره المبكر من قصره على نهر دجلة الى باريس قبل انتحار معركة "الحواسم"؟ ام عويله المحرور على سيده المقهور؟ ام تبخر مسراته وسفراته ثم سياراته الفاخرة؟! قليلاً من الحياء ولو مرة واحدة".