عند الفجر قبيل بزوغ الشمس من وراء الشفق جلست في وسط الطبيعة بين أوراقي وأفكاري أناجي الحقيقة النائمة في حضن الأوجاع. في تلك الساعة المملوءة طهراً ونوراً، بينما كان الإنسان يعانق أهداب الكرى، وتنتابه الأحلام تارة واليقظة أخرى، كنت متوسدة الأوقات أستفسر كل ما أرى عن حقيقة الحياة، وأستحكي ما يرى عن رهبة الموت. وبينما كنت على هذه الحالة مرّ متنهداً تنهد الحزين اليائس فسألت مستفهمة: لماذا تتنهد؟ أجاب: تعالي معي، وانظري كيف ينتشر خبر الموت بين الأشجار، كيف تتناثر أوراقها وتتبعثر هنا وهناك مودعة الدنيا بابتسامة صفراء شاحبة تعلن احتضارها أمام غطرسة العواصف وجبروت الزوابع" وما النواح المخيف الذي يملأ الوديان والسهول إلا بكاء وتمرد الزمان حول فراش الطبيعة المشرفة على الموت، الطبيعة الراحلة الى أعماق الأبدية. سألت: ما هو الموت وما هي الحياة؟ أجاب: الموت حلقة تصل بين هذا العالم والآتي، لحظة بين تأثيرات الألم والأمل للوصول الى حالة الانعتاق والتجرد من الواقع. في تلك اللحظة تتحرر النفس من أعباء شرائع الانسان الظالمة، ويتجلى لنا الموت على كرسي مجده، نقترب منه باسم الظلم ندنس أذياله، ونخلع عنه تاج طهره، يمر بنا مكتسياً ثوب الوداعة فنخافه ونختبئ في مغاور الظلمة، أو نتبعه ونفعل باسمه الشرور. أما الحياة فهي أبجدية عتيقة كتبت بأصابع من نور لتنقلها نسيمات الحكمة الأبدية الى عالم الألوهية. ... الموت والحياة ليسا نقيضين، بل هما وجهان لقيمة الوجود، فلو كنا أكثر تسامحاً لتدفقت أنهار المحبة وغسلت دموع قلوبنا السوداء. إن مَثَل الإنسان الذي يفيض البشر في وجهه ويشع الرضا والتسامح من مُحياه مثل الغيمة الناصعة البياض، يشع من حولها هالة الحسن والصفاء حتى لتحسبها ملاكاً يغدق بالنور والحياة. فلندع ينبوع الحياة النقي يفيض بالماء العذب ليشرب منه المحبون ونعرف وقتها معنى الحياة السعيدة. اللاذقية - وئام عبدالرحمن أمون طالبة جامعية