لست ممن يتجادلون كثيرا حول ما يسمى بعيد الحب أو "الفالنتاين" الذي يصادف هذا اليوم الثلاثاء. وعلى الرغم من ذلك توقفت عند عنوانه أول مرة طرق فيها مسمعي، ذلك أنه يتضمن أسمى وأجل مفردة عرفتها البشرية، وفيها سر الخير والود والوئام والجمال، وعليها ترتكز كل المنطلقات الإنسانية والخيرية في الحياة. أحترم من يستعدون بنبضهم وأرواحهم لهكذا أيام لقطف سعادة غامرة في مسالك الهوى، سعادة ترطب الروح، وتروي ظمأ الطريق. إلا أنني أرى أن نحتفل بالحب في كل يوم من أيام السنة. وأرى أيضا أن الحب أعظم من أن نختصره في ساعة عابرة. الحب، في ظني، هو الأنوار التي تملأ قلبك بالخير والطمأنينة والإيمان، هو الطاقة التي تدفعك لحب الحياة والآخرين، والإحسان إلى الضعفاء والمساكين، وبذل كل ما لديك في وقت أحوج ما تكون فيه أنت إلى بعض مما لديك! الحب هو القدرة العظيمة على تجاوز أخطاء وعثرات الآخرين، أن تتسامى على ذاتك بعيدا عن الثأر ورد الاعتبار. الحب هو العفو والصفح والتسامح. من المستحيل أن يسكن قلبك هذا النور المبين، وأنت تحيك المؤامرات ضد هذا، وتتصيد عثرات ذاك، وتزرع الفتن بكلمات مدسوسة ومسمومة. يصعب عليك أن تكون محبا وأنت تمارس فنونك في إيقاع العداوة بين الناس، أن تتلصص على خصوصياتهم وأسرارهم لتشبع نفس مريضة وأحقاد دفينة. يصعب عليك ذلك وأنت لا يهدأ لك جفن ولا يطيب لك بال إلا بعد أن تأكل لحم إنسان غائب، وتفسر أفعاله وتصرفاته وكلماته كما يحلو لأفكار مريضة تعشش في داخلك. الحب كل لا يتجزأ، فمن الجنون أن أثق بإنسان يدعي الحب، ويستميت للاحتفال بهذا اليوم بتقديم وردة حمراء لحبيبته أو دب أبيض، فيما هو ظالم ومرتش وساع بين الناس بالغيبة والوشاية والنميمة، ويتكدر لأي سيرة نجاح أو إنجاز في الحياة . في الحب لاتوجد منطقة وسطى ، فاما ان تكون او لاتكون ،وعليك ان تقرر !. وحتى لا يفسر حديثي عكس ما أردت له، فإن هذه الكتابة ليست دعوة ضد الحب، بل هي دعوة عميقة للحب الحقيقي الصادق، الحب الذي يعيش معنا في كل لحظة وحالة وظرف، وليس حسب المزاج والأهواء والظروف، أن تكون محبا يعني أن يشع قلبك بالحب والطهر والنبل والمواقف العظيمة والنبيلة ، أن تكون محبا يعني أن تحمل سلالا ملأى بالورد والكلام الطيب والابتسامات والنوايا الحسنة (والحلوى أيضا!) توزعها على من يشاركك الحياة بحلوها ومرها، على من يصادفك في كل مكان، وفي كل زمان أيضا. أن تكون محبا يعني أن تزرع الأمل في قلوب الحيارى، وحب الحياة في المحزونين والمحبطين، أن تعزز الإيمان بفرج الله ورحمته في المرضى والمبتلين. نحتاج كثيرا أن نتجاوز السطح في تعاطينا مع الحب، وأن ننفذ قليلا إلى الأعماق، حيث الجذور الأصيلة التي نسيناها أو تناسيناها لنبرر خطيئتنا مع الحب، حيث اختصرناه بهدية عابرة انطلت كذبتها علينا من مسوق عتيد. في المقابل هناك من يخجل من التعبير عن مشاعره الصادقة النبيلة، يخجل من قول "أحبك" لزوجته في حالة خاصة، يخجل أن يقولها لأطفاله وأصدقائه. إذا كنت تعيش هكذا خجلا وترددا فعليك أن تقف مع نفسك وتتأمل وضعك وأحوالك وحياتك، لأنك، حتما، تعاني من خلل ما. عليك بعدها أن تحرر مشاعرك من الخوف والعادات البالية، ودع شريكة حياتك تشعر بحبك ينبض في كل خلية في لسانك وعينيك ويديك وجسدك. انثر الحب في بيتك ومحيطك وعملك، درب أبناءك على الحب حتى لا يبحثوا عنه بعيدا عن البيت، فتحدث الفاجعة. أعلن حبك للجميع.. وكل صباح عليك أن تقبل جبيني والديك وأياديهما واقدامهما، وحين تقترب من أقدامهما اخفض قلبك وروحك قبل جسدك.. ليرفعك الحب عاليا، وتحلق بنشوة وحبور كطائر حب! لنطهر قلوبنا أولا قبل أن نحتفل بالحب، أو حتى نتحدث عنه، بعدها سيكون حاضرا في كل ركن من أركان الحياة، وفوق كل موجة، وأريكة، وفي كل المدن والأرصفة والمقاهي والطرقات، وفي كل مساء، أو فجر بارد كالصقيع!! Twitter : @BadrAlsunbul [email protected]