ساسة بوست - القاهرة البؤس إحتضارٌ للسعادة. الغضب إحتضارٌ للحِلم. الخوف إحتضارٌ للشجاعة. الذل إحتضارٌ للعزة. العبودية إحتضار للحرية. الفوضى إحتضار للنظام. أما الحياة في قلب البؤس والكره والغضب والخوف والذل والفوضى هو عين إحتضار الإنسانية. كنت أظن مثل غيري أن الإنسان يحتضر في عمره مرة واحدة وها أنا الأن أكتشف أن كل يوم يمر عليّ وعليك لا يخلو من لحظة إحتضار ، فغالب الظن أننا نحتضر منذ ولادتنا حتى وفاتنا ، فالوفاة تحدث حينما يسلب الإحتضار منا كل ما هو غالي ونفيس فلا يجد حينها الموت بُداً من ملاقاة الإنسان. إن كل لحظة تفقد فيها قيمة، وينفلت من بين يديك مبدأ، ويتباعد عنك حلمك ، هي لحظة من لحظات إحتضارك، فلا يفوتنك مشاهدتها قبل أن يمحوها التاريخ، فالتاريخ يكتفي بنشوة المنتصرين ويترفع عن ألم المحتضرين. حقيقة لا أعرف بالضبط كم من أموات يتنفسون بجواري ، وكم من أحياء دفنهم أموات ، ولكني على يقين أن كلاهما كثير ، والفرق بينهما عظيم. ذات مرة ، حينما كنت قادراً على التعجب ، تسائلت بدهشة كيف للإنسان ألا يخشى من لحظة الإحتضار؟ أما الأن فبات التسائل البديهي هو كيف للانسان ألا يخشى لحظة الحياة ؟ ، إن نبض القلب والعقل بالحياة بعد طول سُبات يثير في قلبي رهبة ، فكيف لي أن اتنفس معنى الحياة بعد أن فارقتها وأعتدت على الثبات كالأصنام. إحتضرت كثيراً فزالت رهبته من داخلي ، ولم أحيا منذ ولادتي سوى لحظات أو ربما لحيظات فأعتلتني رهبتها واستأسد الخوف بداخلي منها. قديماً كان من البديهي أن تسمع عن البشر الذين سأموا من الحياة أما في هذه الأيام لن تسمع إلا عن البشر الذين سأموا الإحتضار ، فكيف لا نسأم ولا نمل منه وهو كائن عسير المعشر ، فظ المعاملة ، ثقيل الظل ، لا تلبث أن تلتفت برأسك بعيداً عنه هرباً من قبحه ، حتى تجده يعيد توجيهك نحوه مرة اخرى ليسترسل معك ويتلذذ مما تتعذب أنت منه ، فيتسلل إليك غبار اليأس من مفارقته وكأنك خُلقت له وخُلق لك. ولا يبقى داخلك سوى أمل وحيد وهو الذي تُمني به نفسك في كل لحظة سراً خوفاً من مجاهرة غير مضمونة العواقب. إن هذا الأمل يكمن في تذكرك لتاريخ البشر، فحينما تسلل إليهم السأم من الحياة لجأوا إلى الموت والإنتحار ، فمن المنطقي إذن حينما يسأموا من الإحتضار والموت أن يلجأوا إلى الحياة مرة أخرى.