نجحت قناة "دريم" الفضائية في اقناع الموسيقار عمار الشريعي بخوض مغامرة جديدة في حياته الفنية تضاف الى مغامراته السابقة وتقوم على تقديم برنامج تلفزيوني يحمل عنواناً لافتاً وطريفاً هو "سهرة شريعي". وطرافة العنوان تأتي من انسجامه التام مع التعبيرات الجديدة التي يتداولها الشباب المصريون في لغتهم التي تدخل في قاموس "روش طحن"، ويبدو ان الشريعي اختار هذا العنوان لبرنامج موسيقى متخصص يخلو في الظاهر من بهجة المنوعات التي ميزت قناة "دريم" استهدف بالأساس جعل هذه الشريحه العمرية التي تجهل تراثها الموسيقي جمهوره الأول بامتياز. وراهن عمار الشريعي في تجربته الجديدة على رصيد من النجاح الذي تحقق للبرنامج الذي قدمه في الاذاعة المصرية لمدة تزيد على عشر سنوات بعنوان "غواص في بحر النغم" وهو برنامج يقوم على توظيف ثقافتة الموسيقية الرفيعة في تحليل الألحان الغنائية بأسلوب علمي وتعليمي بسيط يبدو فيه الشريعي أقرب في الاداء الى الحكواتي الشعبي أو المؤرخ الذي يعتمد منهج التاريخ الشفوي الذي يوازن بين الخبرة الذاتية والمعارف المدونة. ولكن الشريعي الذي افتقد في مغامرته التلفزيونية الجديدة الأرشيف النادر من التسجيلات الموسيقية التي تحتفظ بها الاذاعة المصرية اضطر للتحايل على هذا النقص بحيلة فنية ابتدعها مع المخرج خالد شبانه حققت له أكثر من كسب، إذ لجأ الى استضافة المطربين المتميزين لتقديم أغانيهم الحديثة بمصاحبة فرقهم الموسيقية، كما يعرضون ذكرياتهم مع هذه الأغاني وخطوات انجازها، ثم يدعوهم لتقديم اغنية من التراث الغنائي يقوم بتحليلها بأسلوبه الفريد كمقدم برامج متميز له قدرة ابداع تعبيراته الخاصة، وصك مصطلحات "شريعية" تماماً، تملك قدرة الاضافة الى تراث الأدب المصري الساخر وفنون الحكي والفرجة وتقترب في دلال من لغة الحياة اليومية في مصر، كما تعرف طريقها الى الاستقرار في الوجدان فتصبح معه عابرة للأجيال. ولكل هذه الأسباب مجتمعة نجح البرنامج في الكشف عن اصالة بعض الأصوات الموسيقية القادرة التي غيبها الاستهلاك وضاعت في متاهة لعبة العرض والطلب وهي في معظمها الأصوات التي تعامل معها الشريعي كملحن قادر له تجاربه المتميزة.ولعل المشاهدين الذين تابعوا الحلقة التي استضاف فيها الشريعي المطرب مدحت صالح أدركوا حجم الخسارة التي يعيشها هذا الصوت الفريد الذي غنى بمصاحبة فرقة خالد فؤاد اغنيته الشهيرة "كوكب تاني" من لحن سامي الحفناوي، كما قدم وبإلحاح من الشريعي أغنية "تلت سلامات" وهي واحدة من أجمل أغاني المطرب الكبير محمد قنديل كتبها مرسي جميل عزيز ولحنها الملحن الراحل محمود الشريف الذي لا يمل الشريعي من اعادة تقديمه كلما اتيحت له الفرصة. ونجح صالح في اداء الاغنية بأسلوبه الخاص الذي كشف عن امكاناته المهدرة فشكراً للشريعي الذي لا يكف عن امتاعنا وهو يرفع شعار "ازاي تقدر تشوف الموسيقى" ونعده بأننا لن نتوقف عن المتابعة وتعلم فنون الاستماع.