لو لم يكن مقال خليل علي حيدر "الحياة" 23/9/2003 معبراً عن شريحة من المثقفين العراقيينوالكويتيين وآخرين من نخب "ما بعد الحداثة" لما كانت ثمة حاجة الى الرد عليه، لأنه ابتداء يعلق على مقال لي نشر قبل سبعة أسابيع حصلت خلالها تطورات مهمة على الساحة العراقية لم تكن بعيدة من التوقعات الواردة فيه. بحسب خليل حيدر، فإن علينا نحن الفلسطينيين والأردنيين على وجه التحديد، ومعنا من يقفون الى جانب المقاومة العراقية أن نخصص الجزء الأول من كل مقال حول الوضع في العراق لمقدمة طللية نستذكر فيها جرائم النظام العراقي ضد الأكراد والشيعة والسنّة والكويتيين، وربما الأميركيين أيضاً، كي نكفر عن ذنوب ماضية لم تغفر ولا يبدو أنها ستغفر في يوم من الأيام. والحال أننا لم نرتكب ذنباً بحق أحد، فقد تحدثنا عن جريمة حلبجة يوم سكت عنها المثقفون الكويتيون الذين كان صدام حسين يخوض معركتهم ضد "الخطر الإيراني". أما الموقف من غزو الكويت فقد كان الرفض وان لم يكن بالطريقة التي يريدها الكاتب ومن معه. وأحب أن يعلم صاحبنا أن كاتب هذه السطور كان يخشى زيارة العراق طوال سنوات بسبب انتقاداته المتكررة لسلوك النظام، وخصوصاً على الصعيد الداخلي، ولم يفعل إلاّ بعد أسابيع من احتلاله من جانب الأميركيين. ما نريد قوله هنا هو ان استعادة صدام حسين على هذا النحو المرضي لم تعد أمراً منطقياً. فالأسئلة الجديدة من الأهمية بحيث تدفعنا الى تجاوز القديم والتركيز على المستقبل، ذلك ما لا يمكن أن يكون مضيئاً في ظل الاحتلال الأميركي وإن كان حالك السواد في ظل صدام حسين. نأتي هنا الى سؤال الكاتب الرئيس وهو: "لماذا يحاول مثقفون فلسطينيون وأردنيون اعادة أخطاء عام 1990 مع احتلال صدام للكويت؟ لماذا لا يحترمون رؤية أبناء كل دولة عربية لمصالحها الوطنية وأساليب الدفاع عن نفسها، ويحاولون فرض مصالح ورؤى واستراتيجيات "عربية" أو "إسلامية" أو "قومية" أو "جهادية" عليها؟" الإجابة البسطية التي نرد بها على سؤال الكاتب هي أن أحداً لا يفرض شيئاً على أحد، بيد أنه في الوقت الذي يطالب هو وأمثاله العراقيين بالانسجام مع شروط الاحتلال والتعاون معه لأنه جاء لتحريرهم، فلا بد من أن يكون من حقنا أيضاً سواء كنا فلسطينيين أو أردنيين وحتى تنزانيين أن نرى غير ذلك ونحشد له ما نستطيع من منطق عقلي ومستندات تاريخية ومعطيات سياسية. هذا في الوضع العادي، حتى لو قبل جميع العراقيين بمبدأ التعاون مع الاحتلال، فكيف حين يرى طيف واسع منهم غير هذا الرأي ويبدأ في تنظيم اعمال مقاومة ضد الاحتلال في وقت قياسي، ما يعني أن الأمر قد يتطور خلال وقت لن يطول بتمدد المقاومة على مساحات أوسع من الشارع. نقول ذلك على رغم أننا لا نؤمن بمنطق التجزئة في التعامل مع المصالح العربية، ونرى ان الدفاع عن مصلحة أي بلد هو دفاع عن مصالح الأمة، ذلك انه لو ترك كل بلد عربي يواجه الإملاءات الأميركية منفرداً لكان مصيرنا أسوأ مما هو عليه بكثير، والحال أن المسألة العراقية هذه الأيام هي الدليل الأبرز على اتساع نطاق المعركة. ألم يتحدث "كولن باول" عن اتخاذ العراق محطة لإعادة تشكيل المنطقة؟ وما الذي يعنيه ذلك في رأي خليل حيدر؟! لعل من سوء الطالع بالنسبة الى صاحبنا ان رده جاء بعدما اثبتت المقاومة العراقية فاعلية مميزة كانت لها ثمارها الواضحة، أكان داخلياً أم في سياق حركة الاحتلال الذي تصاعد الضغط الدولي على أعصابه كي يبرمج آليات رحيله عن العراق. النتائج الإيجابية للمقاومة العراقية غدت مؤكدة وان لم تندمج فيها كل القوى العراقية. فالمقاومة أكانت مسلحة أم سلمية، وان كانت الثانية هامشية الحضور والتأثير، تصب في مصلحة عراق مستقل بعيداً من الهيمنة الأميركية. أما حكاية الارهاب الخارجي فهي مجرد فزاعة يستخدمها الأميركيون، لأن المقاومة لا تزال عراقية. وقد أخذت تبلور قواها المنظمة، المعبرة بدورها عن نبض شريحة واسعة من العراقيين، وذلك كله في زمن قياسي لم تعرفه الشعوب المحتلة في التاريخ، وهو أمر لم يحرّكه أحد من الخارج في حال من الأحوال، وان ادعى الاحتلال ذلك، ما يعني أن دفاعنا عن المقاومة العراقية هو دفاع عن العراق وعن العراقيين وحقهم في العيش الحر الكريم بعيداً من صدام ودمويته، وكذلك بعيداً من الاحتلال وأهدافه "الامبريالية" المعروفة. * كاتب من الأردن.