خيّمت الدهشة على الاوساط الاقتصادية الاسبوع الماضي بعد إعلان دخول "اوراسكوم تيلكوم" العراق وحصولها على رخصة الهاتف النقال وسط بغداد لتكون أول شركة مصرية تُعلن رسمياً مشاركتها في جهود إعمار العراق، وكذلك أول شركة مصرية تدخل العراق بهذه القوة ما يعني أن الشركة المصرية كسرت الحاجز النفسي لدى الشركات المصرية والمعروف ب"عقدة العراق". ولم تشارك الشركات المصرية بعد بجدية في النشاط عقب حرب الخليج الاولى بين العراق وإيران، وعقب الحرب الثانية بين العراقوالكويت في "إعمار الكويت" وسيستمر التردي والتراجع لهذه الشركات في غياب استراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص. وتحولت الدهشة إلى جدل قائم في شأن عدم مشاركة 28 شركة ابدت رغبتها المشاركة ولو من الباطن في الإعمار لكن الشركات اتبعت الطرق التقليدية واعتمدت على الحكومة في مشروع استثنائي غير تقليدي، فالاوضاع في بغداد متردية للغاية ولا توجد خبرة للشركات للمنافسة مع شركات كبرى في مثل هذه الاوضاع. خيّبت الحكومة آمال منظمات الاعمال بتقاعسها في التعاطي مع الاوضاع الاقتصادية الراهنة في المنطقة خصوصاً في العراق، إذ لم تنفذ وعدها بإرسال وفد برئاسة وزير التجارة الخارجية يوسف بطرس غالي الى الولاياتالمتحدة للبحث مع مسؤولي الادارة والشركات الكبرى في إمكان مساهمة الشركات المحلية في إعمار العراق، سيما شركات المقاولات، وبات هناك اقتناع بضرورة إعادة هيكلة العلاقة بين القطاع الخاص والحكومة، بعد انشغال الاخيرة بالامور الداخلية من دون الاهتمام الجاد بالخارجية ايضاً، وعزا مصدر رسمي عدم المشاركة في إعمار العراق الى بطء حسم الشركات موقفها وترددها في الدخول الى السوق بحجة عدم استتباب الامن في العراق تارة وتارة اخرى الى الخوف من الوقوع تحت ضغط اميركي لمشاركة شركات اسرائيلية ولو بطريق غير مباشر ما اضاع فرص المشاركة في الإعمار. وأبدى رئيس جمعية رجال الاعمال المصريين جمال الناظر سعادةً وحزناً في آن، سعادة بدخول شركة مصرية الى العراق، وحزناً لضياع فرص مشاركة الشركات الاخرى، مشيراً الى أن دخول شركات مصرية وعربية بغداد حالياً أمر مثير في ظل منافسة حامية مع شركات دولية اخرى. وانتقد الناظر من يعزون دخول هذه الشركات الى العراق لاسباب اخرى بعيداً عن التوسع اقليمياً والعمل في سوق واعدة على رغم ظروفه السيئة، وقال: "مثل هذه الامور لا يقاس هكذا، هناك اسباب أخرى في الاختيار أيضاً تتعلق بالخبرة والكفاءة من دون النظر الى جنسية الشركة، طالما تقدم الخدمة الجيدة ويتفق عرضها مع العطاءات المقدمة". غياب روح المغامرة وبالنسبة إلى عدم مشاركة شركات في مجالات اخرى أكد الناظر ان الفرصة حالياً تكاد تكون منعدمة، فالوضع هناك خطير للغاية، ولا توجد روح المغامرة عند اي مستثمر للمجازفة بأمواله باستثناء القليل.. غالبية الشركات فضلت الانتظار بعد أن تركتها الحكومة رهن التخبط والعمل منفردة من دون اعطاء دفعة، في الوقت الذي تنتظر هذه الشركات الحصول على مستحقات سابقة في السوق العراقية بموجب تفاهم النفط مقابل الغذاء الذي انتهى العمل به نهائياً في أيار مايو الماضي. ويرى رجال الاعمال الكبار انه على رغم التوافق النسبي والرضى الموقت مع الحكومة الا ان الرضى لا يحقق المطلوب خصوصاً على المستوى الخارجي، إذ أن غالبية الشركات باتت تعتمد على خطوات حكومية لتعلن عنها، فالشركات لحقها فيروس التواكل الحكومي وعدم القدرة على دخول الاسواق الدولية بمفردها لدرجة ان الصراع على اشده بين منظمات الاعمال لمرافقة حكوميين في زياراتهم الخارجية. وأعلن رجال أعمال كثيرون تأسيس جمعيات مشتركة مع سوريين وليبيين في المجال الاقتصادي لكن هناك خلافات واضحة في الرؤى والاتجاه والهدف بين تلك الجمعيات المصرية بما لا يقبل التعاون الاقتصادي المشترك ما ادى الى ضعف الجمعيات المشتركة وبقاء استمرارها رهن تحرك حكومي فقط حسماً لخلافات لا ترغب الحكومة في اثارتها. ويقول مسؤول بارز في احدى منظمات الاعمال ل"الحياة": بحّ صوتنا مع الحكومة لتأخذ المبادرة قبل الحكومات الاخرى، فيما يخص إعمار العراق، "لكن للأسف هي في واد والعالم في واد آخر". ويضيف: "الحكومة مشغولة بالوضع الداخلي، ومن ثم لا توجد الارضية المشتركة التي من خلالها يؤدي الجميع دوره". ويكشف المصدر عن عقبات قائمة فعلياً في مسألة المشاركة في اعمار العراق وتتمثل هذه العقبات في شقين… الاول عدم النضج الحكومي للتعاطي في مثل هذه الامور، والثاني تداخل السياسة بصورة كبيرة ما يعني ان القطاع الخاص لا يمكنه التحرك من دون ضوء أخضر حكومي وطالما ان الحكومة عاجزة عن بلورة رؤية في هذا الاطار فلن تعطي الضوء الاخضر. ويستطرد المصدر "هناك رجال اعمال وأصحاب شركات كبرى مثل اوراسكوم والكان وغيرها نجحوا في دخول اسواق خارجية من دون دعم حكومي مباشر... لماذا لا تُطرح تجارب هؤلاء والاستعانة بها في دخول اسواق اخرى". ويقول رئيس احدى هذه الشركات ل"الحياة" الفكر الحكومي لا يزال مسيطراً على الاوضاع وغالبية رؤساء منظمات الاعمال يهمهم اولاً "مسايرة" الحكومة بما يقومون به وبات كرسي المنظمة التي يرأسها مرتبطاً بمدى رضى الحكومة عنه على رغم ان اختيار الرئيس يتم بالانتخاب لكن العملية الانتخابية تتم عادة بإشراف حكومي يمكنها أن تتدخل في تعديل مسارها. وأرى أن هناك غبناً شديداً وروحاً عدائية ضد القطاع الخاص في كل المحاولات وهناك مجندون للأسف في الحكومة ووسائل الاعلام لتهميش هذا القطاع، ويتساءل لمصلحة من هذا العداء؟. مصير مستحقات الشركات وتتزامن شكوى رجال الاعمال مع اجتماعات عدة لمنظمات الأعمال وأصحاب شركات لبلورة إطار معين يتعاطى مع الأحداث الراهنة خصوصاً بعد تعيين مستشار تجاري جديد في العراق سيكون حلقة وصل بين الحكومة والمنظمات من جهة والإدارات الحاكمة في بغداد من جهة أخرى، لكن المشكلة الأكبر، كما يقول رئيس اتحاد الصناعات عبدالمنعم سعودي وهو الجهة الاكبر في التعاطي مع العراق، هي مصير البليون دولار قيمة مستحقات الشركات المصرية في إطار تفاهم النفط مقابل الغذاء الذي كان معمولاً به قبل الحرب، وعلى رغم جهود وزارة الخارجية إلا أن هناك اقتناعاً بأن الحصول على البليون دولار لن يتم كون الأمور في الأممالمتحدة معقدة للغاية، وبالتالي هناك قلق من دخول الشركات بمفردها إلى السوق العراقية مستقبلاً من دون دعم حكومي فاعل. وهناك تقرير للمنظمات يحمل عنوان "كشف حساب العراق" يتضمن تجربة الكيانات المصرية مع العراق قبل الحرب مع تأكيدات على وجود غموض حاد لمستقبل التعاون مع السوق نفسه في إطار تراخي حكومي غير مسبوق وسباق محموم للشركات الكبرى في العالم للفوز بحصة الأسد في الإعمار. ويرى مسؤول في الاتحاد أن الشواهد تؤكد فعلياً صعوبة دخول السوق العراقية كما كان سابقاً فالأمور تبدلت وعلينا التعامل بكفاءة مع المستجدات من دون الخضوع لمطالب آخرين قد تكلفنا الكثير معنوياً. ويكشف أن شركات عدة تلقت عروضا اميركية للتعاون مع شركات اردنية واسرائيلية للدخول مشتركة الى السوق العراقية، لكن العروض قوبلت بالرفض، مشيراً الى أن اسرائيل تسعى لإدماج شركاتها مع شركات عربية أخرى لتسهيل دخول العرب الى العراق وهو ما رفضته كل المنظمات المصرية. من جهة اخرى وفيما يتعلق بعمل "اوراسكوم تيلكوم" في العراق ستعمل الشركة بنظام "جي.اس.ام" المعمول به في شبكات النقال للشركة ذاتها في تونس والجزائر وباكستان ومصر وبعض الدول الافريقية. ويعزو معنيون اختيار "اوراسكوم" إلى تمتعها بخبرة إدارة شبكات النقال في المنطقة والقدرة على إدارة عمليات "جي.اس.ام" فضلاً عن عمليات التجوال. وتملك "اوراسكوم" النسبة الاكبر في شبكة النقال في العراق ما يؤهلها لإدارة الشبكة والتحكم في عمليات التشغيل، ويشارك في التمويل مستثمرون عرب. ويتوقع أن تصل استثمارات "اوراسكوم" في الشبكة الى مئة مليون دولار تحت حساب المعدات الاساسية والخدمات لتوفر خدمة النقال في الرخصة، التي تمتد لمدة سنتين وستستمر الشركة في استراتيجية تهدف في المرحلة الحالية الى زيادة النمو والتركيز على عملياتها في كل من مصر وتونس والجزائر وباكستان ثم العراق، فضلاً عن تحقيق أعلى عائد للمساهمين. وأبدى رئيس مجلس إدارة الشركة نجيب ساويرس فخراً بالمساهمة في تنمية عراق ما بعد الحرب وتذليل العقبات التي تحقق سهولة الاتصال داخل العراق، واشار الى ان "اوراسكوم" حصلت على شبكة النقال برسوم رمزية لتغطي المصاريف الادارية فقط لمدة سنتين متوقعاً أن يصل عدد مستخدمي الشبكة في تلك المرحلة الى نحو مليون مشترك.