اشتدت الضغوط الأميركية - الإسرائيلية على الفلسطينيين وقيادتهم الى درجة انه لم يعد بوسعهم ان يشكلوا بسهولة حكومة تستطيع مواجهة الظروف القاسية المتمثلة في الاعتداءات الاسرائيلية عليهم، قتلاً واغتيالاً واستيطانا على اراضيهم، والتفاوض، إن امكن، مع اسرائيل التي تبدو رافضة أي نوع من التفاوض على حل سلمي، ومصممة بدلا من ذلك على املاء ارادتها كقوة احتلال. وفي هذا الاطار ينبغي تفسير انهيار جهود احمد قريع ابو علاء لتشكيل حكومة جديدة. الواقع انه لم يعد بامكان أحد ان يميز تمييزاً مقنعاً سياسات اميركا تجاه العرب وقضاياهم، خصوصا ما يتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي، عن سياسة حكومة ارييل شارون. ومنذ وقوع اعتداءات 11 ايلول سبتمبر 2001، برز تطابق شبه تام بين السياسات الاميركية والاسرائيلية، بل بدت سياسات ادارة الرئيس جورج بوش تابعةً للقرارات والسياسات الاسرائيلية، من قبيل اعتبار الرئيس الفلسطيني المنتخب ياسر عرفات "عقبة" في طريق السلام، وهو أمر سعى رئيس الوزراء الاسرائيلي أرييل شارون الى تثبيته في اذهان اركان ادارة بوش ونجح، بسهولة، في تحقيق مراده، على رغم ان الجميع يعلم ان عرفات بذل ويبذل قصارى جهده لتحقيق السلام وان الدولة العبرية هي التي تتهرب من التسوية لئلا تجعل لها حدوداً معروفة تمنع توسعها مستقبلاً على حساب جيرانها. ونجحت حكومة شارون، بفضل جهود اللوبي الصهيوني الواسع النفوذ في الولاياتالمتحدة، في ايجاد تماثل في اذهان بعض الناس بين احداث 11 ايلول وبعض اوجه النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الاسرائيلي، خصوصاً العمليات الاستشهادية التي يندفع اليها الشبان الفلسطينيون، ليس لأنهم يكرهون الحياة وانما لأن الحياة التي تريدها اسرائيل لهم، بما فيها من إذلال ودوس على حقوقهم وسرقة لأراضيهم ومواردهم هي في نظرهم حياة لا يمكن ان يقبلوها. وقد يقول قائل ان لأميركا سياسات تختلف عن سياسات اسرائيل بدليل انها جاءت بخطة "خريطة الطريق" التي ترمي الى ايجاد دولة فلسطينية في العام 2005، وتشترط لذلك ان يوقف الفلسطينيون أعمالهم العدائية ضد اسرائيل وان يوقف الاسرائيليون نشاطهم الاستيطاني. لكن ادارة بوش لا تبدي اي حزم تجاه حكومة شارون التي تستدرج عروضاً لبناء آلاف المساكن الاستيطانية الجديدة وتعمل لسرقة آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية الفلسطينية مستخدِمةً في ذلك جدار الفصل العنصري. ان كون السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط مخطوفة، حرفياً، من جانب من يسمون ب"المحافظين الجدد" الذين هم في الواقع صهاينة بالدرجة الاولى، ينبغي ان يشجع الدول العربية على التعاون مع قوى اخرى في العالم في مقدمها الاتحاد الأوروبي الذي يقف موقفاً عادلاً ومتوازناً في الصراع العربي - الاسرائيلي. وقد دعا الاتحاد الاوروبي امس اسرائيل الى وقف سياسة الاغتيالات وهدم البيوت ووضع حد للاستيطان، وكان لافتاً ان الممثل الأعلى للسياسة الخارجية للاتحاد خافيير سولانا دعا الى التمسك ب"المبادرة السعودية" التي حظيت باجماع قمة بيروت العربية لحل الصراع العربي - الاسرائيلي. وبقدر ما ينبغي مقاومة السياسات الاميركية والاسرائيلية المتطابقة، يجب تشجيع المواقف الأوروبية المستنيرة المتحررة من التسلط الاميركي - الاسرائيلي.