إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش في شيكاغو أمس الثلثاء عن خطته للتنمية الاقتصادية في الولاياتالمتحدة يهدف إلى اخراج الاقتصاد الأميركي من حال الانكماش عبر خفض الضرائب وانعاش الاستثمار. إلا أن خطته هذه تصطدم بارتفاع أسعار النفط، المستمر على رغم تصريحات الدول المنتجة من داخل منظمة "أوبك" وخارجها، عن زيادة الانتاج من أجل خفض مستوى الأسعار. فالولاياتالمتحدة أكبر مستهلك للنفط، وبقاء أسعار النفط عند مستويات تراوح بين 30 و33 دولاراً للبرميل يشكل عاملاً سلبياً كبيراً على صعيد النمو الذي يتمناه بوش لبلاده. وفي حال قررت الولاياتالمتحدة في نهاية شهر كانون الثاني يناير الحالي خوض الحرب لتغيير النظام العراقي، في ظل استمرار الوضع السياسي المعطل في فنزويلا، وهي أحد أهم مزودي الولاياتالمتحدة بالنفط، فإن الأسعار ستبقى مرتفعة. لا شك أن تطمينات دول "أوبك" وتصريحاتها عن عزمها على ضخ كميات نفط إضافية بمعدل 5.1 مليون برميل في اليوم أو أكثر لمنع حدوث شح في العرض النفطي تعتبر خطوة ايجابية في نظر الأميركيين، إلا أنها لن تؤدي إلى خفض الأسعار في حال وقوع الحرب على العراق خلال الشتاء. صحيح أن لدى الولاياتالمتحدة مخزوناً استراتيجياً من النفط يفوق عن نصف بليون برميل، وهو مرتفع الكلفة وإنما قابل للاستخدام إذا ما طرأت الحاجة لذلك في حال الحرب. وصحيح أيضاً أن لدى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي مخزوناً انخفض في شهر تشرين الأول اكتوبر الماضي إلى مستوى استهلاك يكفي ل52 يوماً، وقدرته وكالة الطاقة الدولية ب552.2 مليون برميل، إلا أن الاقتصاد الأميركي، وفي حال وقوع الحرب مثلما يقال بعد تقديم رئيس فريق المفتشين الدوليين هانس بليكس تقريره النهائي إلى مجلس الأمن في 27 كانون الثاني الحالي، لن يمكنه أن ينتعش على أساس خطة بوش الاقتصادية. إن غياب الصادرات النفطية من العراقوفنزويلا في آن معاً، يمثل غياباً لصادرات تراوح بين 4 و5.4 مليون برميل في اليوم عن الأسواق العالمية، وخصوصاً الأميركية. فإضافة إلى كون غالبية الصادرات الفنزويلية تذهب إلى الولاياتالمتحدة، فإن 40 في المئة من النفط العراقي يصدر إليها في إطار القرار حول "النفط للغذاء". وتقدر الطاقة الانتاجية الزائدة حالياً لدى دول "أوبك" بنحو 4 ملايين برميل في اليوم، وهناك نفوط من دول خارج المنظمة مثل روسيا، لكن الأخيرة واجهت بدورها صعوبات في زيادة انتاجها في الشتاء القارص، بسبب مشاكل تقنية. ومن المستبعد أن يحدث شح في السوق نظراً إلى هذه الطاقة الزائدة في الخليج، وتحديداً في المملكة العربية السعودية، التي تبلغ طاقتها الزائدة 3 ملايين برميل في اليوم، إضافة إلى المخزون الأميركي. لكن الحرب على العراق ستحدث ارباكاً في الأسواق، لأن الأسعار ستبقى على ارتفاعها، خصوصاً على ضوء أحداث فنزويلا التي يبدو أنها مرشحة للاستمرار، كون البلد منقسماً فعلاً بين مؤيدي الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز ومعارضيه، إضافة إلى احتمال وقوع حوادث تستهدف آباراً نفطية خارج العراق. فكل هذا إلى جانب كلفة الحرب الأميركية وتمويل عملية نقل وتحرك القوات الأميركية في المنطقة، سيرتب على المواطن الأميركي ضريبة إضافية بدلاً من الضرائب التي أعلن بوش عن تخفيضها لإنعاش اقتصاده. والسؤال هو ما إذا كان بوش يعد لحرب طويلة من أجل السيطرة على النفط العراقي، قد تكون كلفتها على المدى القصير مرتفعة بالنسبة الى الاقتصاد الأميركي!