أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" امس ان فريق الأمن القومي الأميركي يستكمل خططاً نهائية لادارة العراق واقامة نظام ديموقراطي فيه بعد اطاحة الرئىس صدام حسين. وتتضمن هذه الخطط وجوداً عسكرياًَ اميركياً كبيراً في العراق لمدة 18 شهراً على الاقل، ومحاكمات عسكرية لكبار القادة العراقيين فقط، وسيطرة سريعة على حقول النفط العراقية لتمويل إعادة اعمار البلاد. كما تشدد على الحفاظ على العراق "دولة موحدة" و"منع التدخل الخارجي غير المفيد، العسكري وغير العسكري"، في تحذير كما يبدو الى بلدان مجاورة. واعلن مسؤولون عسكريون امس ان الجيش الاميركي ابلغ اكثر من 10 آلاف جندي من قوات "الاحتياط والحرس الوطني"، ضمنهم مهندسون وخبراء في الاستخبارات، ان يتهيأوا لاحتمال التحرك خارج الولاياتالمتحدة والانتشار بسرعة قي الفترة بين 10 كانون الثاني يناير وأواخر شباط فبراير المقبل، لدعم الحشد العسكري الاميركي قرب العراق. وكشفت صحيفة "واشنطن بوست"، استناداً الى مسؤولين في البنتاغون ومحللين، ان الولاياتالمتحدة تحشد قوة برية قد يتجاوز عديدها 100 الف جندي تمهيدا لهجوم اميركي محتمل على العراق. واوضحت ان الانتشار الاميركي يفترض ان يشمل ثلاثاً من اربع فرق للاسلحة الثقيلة وفرقة مجوقلة واخرى للبحرية وقوات للعمليات الخاصة. وفيما وصل خبراء أميركيون إلى هنغاريا لإقامة "قاعدة" لتدريب معارضين عراقيين، اعتبر وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أن الحرب على العراق ليست حتمية، لكنه شدد على أن "الإرهابيين والدول المارقة مثل العراق وكوريا الشمالية يعتبرون جزءاً من الصورة ذاتها". واشنطن، لندن، برلين، بودابست - "الحياة"، رويترز، أ ب - نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن مسؤولين في ادارة الرئيس جورج بوش ان الخطط المتعلقة بالعراق والتي تعد منذ اشهر، نوقشت في شكل غير رسمي مع بوش بتفصيل كبير، موضحة انها تشكل الجهد الاميركي الاكثر طموحا لادارة بلد منذ احتلال اليابانوالمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. واشار تقرير الصحيفة الى ان عناصر كثيرة في الخطط تخضع لدرجة عالية من السرية، وما زال بعضها قيد النقاش، فيما يحاول فريق بوش للأمن القومي ان يهدئ مخاوف من ان الولاياتالمتحدة تريد ان تكون قوة استعمارية في العراق. لكن الخطوط العريضة تبيّن ان المهمة بالغة التعقيد، وتشير الى بعض الصعوبات التي ستعقب التغيير ولو اُطيح الرئيس صدام حسين بعملية خاطفة وناجحة. وكشف التقرير ان البنتاغون يعد لفرض سيطرة عسكرية على العراق لمدة سنة ونصف سنة على الأقل، تتولى القوات الاميركية خلالها حفظ السلام و"مطاردة كبار قادة النظام" العراقي وكشف اسلحة الدمار الشامل، و"الحفاظ على البلد موحداً" بحسب تعبير احد كبار مستشاري بوش. وتقضي الخطط بأن يتولى مسؤول اداري مدني، ربما تعينه الاممالمتحدة، ادارة اقتصاد العراق واعادة بناء مدارسه ومؤسساته السياسية والاشراف على برامج المساعدة. ويأمل مسؤولو الادارة بأن يساهم ذلك في تهدئة مخاوف العالم العربي من تخويل سلطة غير محدودة الى حاكم عسكري، على غرار تجربة الجنرال دوغلاس ماكارثر كقائد أعلى في اليابان. لكن مسؤولي الادارة اشاروا، بحسب تقرير الصحيفة، الى انهم يفترضون ان القائد العسكري الاميركي سيمارس سلطة لا تخضع لمساءلة خلال الأشهر الاولى المضطربة التي ستعقب التغيير في العراق، لضبط الوضع والحؤول دون اعمال الثأر ونزاعات اثنية. كما تنص وثيقة تلخص خططاً لمحاكمات عسكرية على تنحية ومحاسبة مسؤولين "اساسيين" فقط في حكومة صدام، بينما يمكن المسؤولين الذين يساعدون في اسقاط النظام ان يلقوا معاملة متسامحة. واشارت الصحيفة الى ان هذه الوجهة تبدو جزءاً من استراتيجية تهدف الى تشجيع القيام بانقلاب و"اقناع قادة عسكريين وعلماء عراقيين بالتخلي عن مخزون اسلحة الدمار الشامل". ونقلت عن احد أبرز مستشاري بوش قوله ان الرئيس الاميركي يسعى الى توجيه "أقصى ضغوط" على القيادة العليا للنظام العراقي. وتشير خطة الادارة الى ان اجهزة حكومية ذات صلة وثيقة بالنظام "مثل محاكم الثورة أو جهاز الامن الخاص، ستزال، لكن الكثير مما يتبقى من الحكومة سيتم اصلاحه وابقاؤه". وبينما تؤكد الادارة علناً ان النفط سيبقى "ملك الشعب العراقي"، كما يقول مسؤول اميركي رفيع المستوى، تناقش كيفية حماية حقول النفط خلال النزاع، وكيف سيُمثل العراق المحتل في منظمة البلدان المصدرة للنفط اوبك، "اذا كان سيُمثّل". وقال احد المسؤولين ان واشنطن تتوقع ان تكون الولاياتالمتحدة موضع شكوك بأنها تسعى الى إضعاف "اوبك"، لذلك تعمل لوضع استراتيجيات، رفض الافصاح عنها، لتهدئة هذه المخاوف. وتابعت الصحيفة ان البيت الابيض توصل الى ضرورة ادخال تعديل سريع على برنامج "النفط للغذاء" كي يمكن استخدام عائدات النفط على نطاق أوسع في البلاد. وأشارت الى ان البيت الابيض رفض بعد نقاش طويل، خصوصاً بين البنتاغون ووزارة الخارجية، فكرة اقامة حكومة موقتة او تعيين قادتها قبل أي غزو للعراق. ونقلت عن مسؤولين في البيت الابيض ان الخلافات في الرأي بين البنتاغون والخارجية بهذا الشأن حُلّت الآن. واضافت ان مسؤولين يشاركون في التخطيط حذروا من انه مهما كانت خططهم مفصلة يجب اتخاذ قرارات حاسمة كثيرة على الأرض في العراق، لذلك يركزون على سابقات قانونية ودرس نجاحات واخفاقات في تجارب سابقة في بناء الدول، بالعودة الى الادارة الاميركية للفيليبين بعد الحرب الاسبانية - الاميركية. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الادارة ان الخطط المقدمة الى بوش ستتضمن التعامل مع حالات طارئة، تعتمد الى حد كبير على طريقة اقصاء صدام. وقال احد كبار مستشاري بوش ان "الكثير يتوقف على النزاع ذاته، اذا اصبح نزاعاً، وكيف يبدأ وكيف ينتهي". وافاد ان وكالة الاستخبارات المركزية سي آي أي تعد سيناريوات للوضع الذي يمكن ان تواجهه القوات الاميركية لدى وصولها الى العراق، وكيف ستُستقبل، تراوح بين احتلال يلقى الترحيب واحتلال يواجه مشاعر معادية. لكن القوات الاميركية ستبقى، في ظل الاحتمالات كلها، اللاعب الاساسي في ادارة البلاد لفترة. وكان البنتاغون حذر من ان التأكد من تدمير كل ترسانة اسلحة الدمار الشامل التي يملكها النظام العراقي سيستغرق سنة على الاقل. واكد مسؤولون في الادارة ان القوات الأميركية لن تبقى في العراق يوماً اكثر مما هو ضروري، لتأمين استقرار البلاد. وقال احد كبار مستشاري بوش: "لا اعتقد اننا نتكلم على شهور، ولكن لا اعتقد انني اتكلم على سنوات كثيرة". تسارع وتيرة الحشد العسكري الى ذلك، أفادت صحيفة "واشنطن بوست" امس ان الحشد العسكري الاميركي في منطقة الخليج يتسارع مع اقتراب السابع والعشرين من كانون الثاني يناير الجاري، موعد تسليم اول تقرير لمفتشي الاسلحة الى مجلس الامن. واضافت ان الانتشار الاميركي يفترض ان يشمل ثلاثاً من أربع فرق للاسلحة الثقيلة وفرقة مجوقلة واخرى للبحرية وقوات للعمليات الخاصة. ونقلت عن مصادر في البنتاغون ومحللين ان القوات الاميركية البرية ستتمتع بامتيازات هائلة في المجال التقني وقوة النار والقدرة على الحركة، وبتفوق جوي. لكن البنتاغون يريد ايضاً تحقيق تفوق عددي تمهيداً لغزو محتمل للعراق. وابلغ مسؤولون الصحيفة ان تدريباً اطلق عليه "معركة النصر" سينظم نهاية الشهر الجاري ويشمل هجمات وهمية معلوماتية. وقال مسؤول كبير في البنتاغون: "هدف نزاع مسلح ليس دحر عدونا ... بل تجريده من الرغبة في القتال، وافضل وسيلة لتحقيق ذلك هي نشر قوات تكتسحه". وعددياً تعادل قوة اميركية تضم حوالى 100 الف رجل عدد رجال الحرس الجمهوري العراقي 80 الف جندي وقوات النخبة التابعة لصدام الحرس الجمهوري الخاص 15 الفاً. وأوردت الصحيفة ان الجيش النظامي العراقي يضم اكثر من 300 الف جندي. في غضون ذلك، ابلغ الجيش الاميركي اكثر من 10 آلاف جندي من قوات "الاحتياط والحرس الوطني" في الايام الاخيرة الاستعداد للانتشار بسرعة في الخارج في الفترة بين 10 كانون الثاني وأواخر الشهر المقبل. ورفض ناطق باسم "احتياط الجيش" اعطاء معلومات محددة عن عملية الانتشار الجديدة، لكن مسؤولين آخرين في الجيش ابلغوا وكالة "رويترز" ان معظم هذه القوات سيتوجه على الأرجح الى منطقة الخليج حيث يتحرك الجيش الاميركي بسرعة لزيادة قواته الموجودة هناك، التي يبلغ عددها حوالى 60 الف جندي، الى الضعف على الأقل، استعداداً لحرب محتملة مع العراق. ويؤدي حوالى 55 الفاً من قوات الاحتياط والحرس الوطني الاميركي، من شتى صنوف القوات المسلحة، الخدمة الفعلية الآن معظمهم في الولاياتالمتحدة كجزء من حملة تعبئة اُطلقت إثر اعتداءات 11 ايلول سبتمبر 2001. في غضون ذلك، اكدت النروج، العضو في حلف الاطلسي، امس انها لن تشارك في اي عمل عسكري ضد العراق بقيادة الولاياتالمتحدة، أو تدعمه من دون قرار جديد صريح من الاممالمتحدة. وقال رئىس الوزراء النروجي كييل ماغني بوندفيك ان بلاده تسعى الى حل سلمي "هو أهم بكثير من البحث عن ذرائع لمصلحة الحرب". تدريب المعارضين وأمس أعلنت وزارة الدفاع الهنغارية وصول مجموعة أولى من الخبراء الأميركيين الذين سيدربون عدداً من المعارضين العراقيين، قد يصل إلى ثلاثة آلاف شخص لحرب محتملة في العراق. وقال الناطق باسم الوزارة ايشتفان بوكشكاي لوكالة "فرانس برس" إن "مجموعة تضم ثلاثين من الخبراء اللوجستيين وصلت إلى قاعدة تشار جنوب على متن طائرة مدنية لإعداد القاعدة، وهناك مجموعات أخرى من الخبراء والمدربين والحراس ستبدأ الوصول اعتباراً من اليوم أمس بطائرات عسكرية". وبموجب اتفاق وقع بين هنغاريا، العضو في حلف الأطلسي، وبين الولاياتالمتحدة، يفترض تأهيل ثلاثة آلاف عراقي ليعملوا مترجمين أو ضباط ارتباط أو مساعدين في نشاطات إنسانية وأمنية في حال شن حرب. وقال بوكشكاي إن تدريبهم في دورات من تسعين يوماً، سيبدأ نهاية الشهر أو مطلع شباط فبراير. وستتولى قوات أميركية وهنغارية حراسة القاعدة. وأضاف انه لن يتمركز هناك أكثر من ألفي خبير لوجستي ومدرب وحارس. وستتمثل المهمة الأولى لطليعة العناصر في توسيع معسكر الخيم القريب من القاعدة الجوية، والذي لا يمكنه أن يستوعب سوى ألف شخص. ويخدم معارضون عراقيون في صفوف الجيش الأميركي، لكنهم ليسوا بالضرورة مواطنين أميركيين، وهم متمركزون في الولاياتالمتحدة وأوروبا. سترو يؤيد قراراً ثانياً إذا أصبحت الحرب حتمية إلى ذلك، أكد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو أمس أنه يؤيد اللجوء إلى مجلس الأمن لإصدار قرار ثانٍ حول العراق، إذا رأى المجتمع الدولي ضرورة العمل العسكري ضد بغداد لنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية. وزاد ان أي قرار جديد سيدعم القرار 1441، وكرر أن العمل العسكري ضد العراق ليس حتمياً، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي يفضل حل الأزمة سلمياً. لكنه شدد على أن "الكرة في ملعب" الرئيس صدام حسين. وذكر الوزير في خطاب ألقاه أمس أمام مؤتمر السفراء البريطانيين في لندن، ان "الإرهابيين والدول المارقة مثل العراق وكوريا الشمالية يعتبرون جزءاً من الصورة ذاتها". ورأى أن "التهديد الأكبر الذي يواجه الأمن القومي والسلام العالمي هو انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية". ودعا السفراء إلى العمل للحد من "هذا الخطر على الأمن الدولي والداخلي"، محذراً من أن العراق وكوريا الشمالي يمثلان "مصدراً محتملاً" لتكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل، وكذلك "استفادة المنظمات الإرهابية مثل القاعدة من مثل هذه الخبرات". وشدد سترو على نزع أسلحة العراق، موضحاً أن من المهم تحقيق ذلك سلماً أو باستخدام القوة. ونقلت وكالة "فرانس برس" عن سترو قوله إن التصريحات التي أدلى بها وزير ومفادها ان احتمال اندلاع حرب على العراق تراجع من 60 إلى 40 في المئة، تشكل "وصفاً واقعياً ودقيقاً" للوضع على رغم أنه "يتغير كل يوم". ورداً على سؤال لمعرفة أسباب تراجع احتمالات الحرب، قال وزير الخارجية في حديث إلى "هيئة الإذاعة البريطانية" بي بي سي: "بسبب عمليات التفتيش، لأنها متواصلة، تحدثت الصحف كثيراً عن الحرب ملمحة إلى أن إمكان اندلاعها مئة في المئة، ومن الضروري محاولة تصحيح هذا الانطباع". وتراجعت احتمالات شن حرب على العراق من 60 إلى 40 في المئة قبل عيد الميلاد، كما نقلت صحيفتا "ذي تايمز" وذي صان" عن وزير بريطاني، طلب عدم كشف اسمه. وأضاف سترو: "قلت دوماً ان الحرب ليست حتمية، وان المجتمع الدولي يفضل التسوية السلمية. حصلنا على موافقة المجتمع الدولي لإرسال مفتشين وارغام صدام على القبول بسلطة المجتمع الدولي. إذا استمر الوضع على هذه الحال، يمكن تسوية القضية سلماً، ونصلي جميعاً كي يتحقق ذلك". ورفض اتهام صدام في خطابه أمس المفتشين بأنهم يقومون بعمل "استخباراتي صرف"، وزاد ان الرئيس العراقي "كذب مرات حول نياته، وفي العاشر من أيلول سبتمبر الماضي أكد أنه لن يسمح في أي ظرف بعودة المفتشين، في حين اضطر أخيراً لقبول ذلك". برلين وعقدة التصويت وفي تقرير من نيويورك، أفادت وكالة الأنباء الألمانية أنه في الوقت الذي يبقى الموقف الألماني الرسمي من قضية التصويت على قرار شن حرب على العراق في مجلس الأمن، مفتوحاً على كل الاحتمالات، تتزايد الإشارات في أروقة المنظمة الدولية إلى أن برلين تحضّر لادخال تغيير على موقفها من الأزمة. وأشارت إلى أن الدوائر الأميركية في الأممالمتحدة تنطلق من واقع أن السفير الألماني غونتر بلويغر لن يرفع يده للتصويت ب"لا" إذا تقررت مهاجمة العراق. وفي برلين، لا يزال جناح اليسار في الحزب الاشتراكي الديموقراطي يوجه انتقادات إلى موقف حكومته من العراق، ويحذر من الموافقة على قرار بشن حرب، يمكن أن يتخذه مجلس الأمن. وجدد رئيس الكنيسة الانجيلية في المانيا مانفرد كوك أمس رفضه أي حرب على العراق، مشيراً إلى أن الدستور الألماني يمنع منعاً باتاً المشاركة في حرب وقائية. ولفت إلى أن معارضة خطط الولاياتالمتحدة الحربية واسعة جداً في العالم، معتبراً أن من الصعب "تحديد الأخطار الإرهابية المحلية، لذلك فإن حرباً على العراق لن تساهم في ازالة هذه الأخطار".